< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الفقه

37/04/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الخلل الواقع في الصلاة

المتلّخص مما مضى: أن ما رواه صاحب الوسائل «قده» عن كتاب علي بن جعفر أو رواه صاحب البحار عن كتاب علي بن جعفر، وهذا الاشكال لا يختص بكتاب علي بن جعفر، بل هو عام. وهو: كل ما يرويه صاحب الوسائل عن كتاب ليس بمشهور شهرة تغني عن البحث في طريقه. ككتاب المحاسن وكتاب القبلة للفضل بن شاذان، وكتاب نوارد احمد بن محمد ابن عيسى.
فكل ما يرويه صاحب الوسائل عن كتاب ليس بمشهور لا نحرز انه رواه عن نسخة ثابتة الانتساب إلى مؤلفها، لعدم احراز بناء العقلاء على اجراء اصالة الحس مع هذا الفاصل الزمني، بل لو اغضمنا النظر عن ذلك فلا تجري عن منشأ عقلائي على الخلاف، والمنشأ العقلائي على الخلاف اعتماد صاحب الوسائل في تصحيح النسخ وإثباتها على قرائن حدسية: كموافقة الروايات في الروايات الثابتة في الكتب المعتبرة، أو شهادة الاعلام بصحة النسبة، مع ان شهادة الاعلام بصحة نسبة الكتاب لا يعني شهادته بصحة انتساب النسخة كما هو عوّل على ذلك. بل ذكر في «ص247 من الخاتمة» ان من قرائن القبول: موافقة الخبر للاحتياط، أو موافقته للمشهور، أو مخالفته للعامة، ونحو ذلك من القرائن التي اتبعها لصحة النسخة أو صحة الكتاب أو صحة الخبر.
هذا الاشكال عام لكل كتاب ليس بمشهور.
ومع غمض النظر عن الاشكال العام، هناك اشكال خاص في كتاب علي بن جعفر وهو كما ذكر جملة من المحقق لكتاب «المسائل» لعلي بن جعفر: ان النسخة التي بين يدي صاحب الوسائل والتي نقل عنها وعليها تعليقاته، انما وصلته وجادةً أو بالإجازة برواية علي ابن الحسن ابن علي وهو شخص لم يوثّق، وبالتالي مع الإطلال على ذلك يشكل الاعتماد على ما يرويه صاحب الوسائل في الوسائل، عن كتاب علي بن جعفر مباشرة. نعم إذا روى عن الكافي أو التهذيب عن علي بن جعفر فالمدار على السند الذي بين ايديهما. انما الكلام إذا روى عن كتاب علي ابن جعفر بالمباشرة فإننا لا نحرز ان ما يرويه من النسخة المشهورة بالنسبة إلى الشيخ الطوسي وهي النسخة الواصلة عن طريق العمركي البوفكي.
هذا تمام الكلام فيه هذه الرواية، وهي رواية علي بن جعفر، وقد تبين عدم تمامية سندها.
نعود للمطلب:
بعد ان تعرض الاعلام ومنهم المحقق النائيني «قده» في رسالته في «اللباس المشكوك» إلى الروايات الدالة على جواز الصلاة في جلد السنجاب، أشكل في الاستدلال بهذه الروايات بإشكالين:
الاشكال الاول: ما تعرّض له المحقق النائيني مفصّلاً في اللباس المشكوك «ص70»:
وهو عدم جريان اصالة الجهة في هذه الروايات، يقول الروايات الدالة على جواز الصلاة في جلد السنجاب ليست مجرى لأصالة الجهة، ومقتضى ذلك حملها على التقية، لاشتمالها على ما لم يعمل الاصحاب بالرخصة فيه، وتبين انها للتقية، _يعني ان الاصحاب انما لم يعملوا ببعض فقراتها لانها موافقة للعامة هذا هو المانع، ما هي الروايات التي اشتملت على ما لم يعمل الاصحاب ببعض فقراتها؟ _:
صحيحة الحلبي: «الحديث2، باب4، من ابواب لباس المصلي» عن ابي عبد الله : قال: «سالته عن الفراء والسمور والسنجاب والثعالب واشباهه؟ قال: لا بأس بالصلاة فيه».
مع اشتماله على ما لم يعمل احد الاصحاب به وهو جواز الصلاة في الثعالب، وانما لم يعملوا بذلك لأن ذلك مسلك العامة. فمقتضى ذلك حمل مثل هذه الرواية على التقية.
صحيحة علي بن يقطين: «حديث 1، باب 5»، وصحيحة الرّيان ابن الصّلت: «حديث2، باب5»: «سألت ابا الحسن الرضا : عن لبس الفراء والسمور والسنجاب والحواصل وما اشببها والمناطق والكميخت والمحشو... _الى ان قال_: لا بأس بذلك».
ثم إن المحقق النائيني في «الرسالة» اشكل على نفسه:
فإن قلت: ان بعض هذه الروايات التي دلت على جواز الصلاة في السنجاب دلّت على المنع من غيره، فتكون مخالفة للعامة وليس موافقة، فلم لم تأخذها دليلاً؟ اي لم لا نقوم بالتفكيك بين الروايات، فالروايات المتضمنة للرخصة في الجميع نقول: تحمل على التقية، اما الروايات التي جوز في السنجاب ومنعت في غيرها لا موجر لحملها على التقية، مثلا:
صحيحة ابي علي بن راشد. عن ابي جعفر قال: «صلّ في الفنك والسنجاب فأما السمور فلا تصلي فيه، قلت في الثعالب يصلى فيها؟ قال: لا وانما تلبس بعد الصلاة».
في رواية بشر ابن بشار: «سألته عن الصلاة في الفنك والفراء والسنجاب والسمور والحواصل التي تصاد في بلاد الشرك أو في بلاد الاسلام ان اصلي فيه لغير تقية، قال: فقال: صل في السنجاب والحواصل الخوارزمية ولا تصلي في ولا تصلي في الثعالب ولا السمور».
فما هو الموجب لرفع اليد عن مثل هذه الروايات مع مخالفتها للعامة؟.
جواب المحقق النائيني: مقتضى الصناعة أن يلاحظ مجموع الروايات بما هو مجموع، بحيث تلاحظ بمثابة رواية واحدة، فيقال: هل يجري فيها اصالة الجهة أو لا؟ وأم التفكيك بين الروايات مع ورودها في سياق واحد وحكم باب واحد هذا التفكيك ليس صناعيا، مقتضى ورود هذه الروايات في سياق واحد وهو الصلاة في بعض ما لا يؤكل لحمه من الثعالب أو السمور أو السنجاب ملاحظتها كرواية واحدة. فتسأل: هل تجري فيه أصالة الجهة أو لا تجري؟.
فالمدار على الظهور المجموعي لا على الظهور الانحلالي، فإن الظهور الانحلالي انما يكون مستنداً على فرض اختلاف الروايات في مفادها لا على فرض وجودها في سياق واحد.
فاذا لاحظنا الروايات بمجموعها ووجدنا بعضها يمنع من الصلاة في الثعالب، وبعضها يرخّص الصلاة في الثعالب، إذن التجويز في البعض والمنع في البعض هذا يدل على ان المجموع وارد على سبيل التقية، فيدخل تحت ما ذكره صاحب الحدائق من المقدمة الاولى «ج1»: دلت مجموعة من الاخبار على ان المعصوم هو قد يلقي الخلاف، يقوم بأجوبة مختلفة متباينة بغرض التقية، فنفس القاء الاجوبة المختلفة دالٌّ على التقية.
فمن هذه الروايات: «فإنهم إذا اجتمعوا على امر واحد اخذوا عرفوا فأخذ برقابهم فكان اختلافهم فيما بينهم خيراً لهم وأبقى».
وفي بعض الروايات ذكر: «.. أصحابكم مختلفون؟ قال: أنا الذي خالفت بينهم».
وهنا عدة ملاحظات:
الملاحظة الاولى: يمكن أن يقال: المدار على النظر العرفي، فالنظر العرفي هو المحّكم في اعتبار مجموع الروايات بمثابة رواية واحدة وعدمه، والنظر العرفي انما يتم لو وردت الروايات عن امام واحد في فترات متقاربة، أو عن امامين في فترات متقاربة للنظر لجو واحد ومشكلة واحد. فهنا يقال: ورود هذه الروايات المختلفة في فترات مختلفة لإمام أو إمامين لمعاجلة مشكلة معاصرة تجعلها بمثابة الرواية الواحدة لورودها في سياق واحد فيتشكل منه ظهور مجموعي وهذا الظهور المجموعي يكون اصلا للاصول التحاورية. أما مع تباعد هذه الروايات، فمثلاً: صحيحة الحلبي، «حديث2، باب4» واردة عن ابي عبد الله، و«حديث6، وهي رواية علي بن جعفر، باب4» واردة عن موسى ابن جعفر . «حديث1، صحيحة علي بن يقطين واردة عن الامام موسى . وكذلك «حديث 10 باب7» وهي رواية الحسن بن شهاب، واردة عن ابي عبد الله . ولكن بعضها وارد عن الرضا .
إذن فمع هذا الاختلاف من زمن الصادق على زمن الرضا حمل مجموع هذه الروايات عرفا على رواية واحدة أو تشكيل ظهور مجموعي هذا ليس عرفياً.
الملاحظة الثانية: ما ذكره السيد الخوئي «قده» في «ج12، الموسوعة، ص194» لو بنينا على الظهور الانحلالي اي كل رواية تلاحظ على حده، حتى بهذا المقدار قال لا يمكن طرح الرواية لأجل التقية حتى لو بنينا على الظهور الانحلالي_. قال: إن سقوط الرواية عن الحجية في بعض مدلولها لمانع مختص به لا يلازم سقوطها في البعض الآخر _ «سأله عن السنجاب والفنك والثعالب، قال: لا بأس بذلك صل فيها». هذا المدلول ساقط في الثعالب لقيام الدليل على عدم جواز الصلاة فيه، ولكن هذا لا يوجب سقوطه في فقرة السنجاب_ فإن التفكيك في مفاد الدليل الواحد غير عزيز في الفقه. والسر في ذلك:
ان الرواية المشتملة على حكمين تنحل حقيقة إلى روايتين، فهناك اخبارات: اخبار في جواز الصلاة في السنجاب، واخبار جواز الصلاة في الثعالب، والاخبار الثاني ساقط عن الحجية للإجماع على عدمه فيبقى الإخبار الاول على حجيته، تنحل في الحقيقة إلى روايتين. فكأن الراوي روى: مرة جواز الصلاة في الفنك، واخرى جوازا لصلاة في السنجاب، فإن كان للأولى معارض اوجب سقوطها للحجية فلا مقتضى عن رفع اليد عن الثانية السليمة. نظير: ما لو اخبرت البينة في الشبهات الموضوعية عن طهارة الثوب والاناء وقد علمنا بنجاسة الثوب. _جاءنا عادلان قالا لنا الثوب والإناء طاهران ثم علمنا بالخارج ان الثوب نجس، هل ترفعون اليد عن حجية البيّنة في الإناء لمجرد العلم بحجية إخبارها في الثوب؟ أم تقولون بالتبعيض في الحجية وذلك غير عزيز في الفقه؟ _. فإن سقوطها فيه لا يستوجب سقوطها عن الحجية في الاخبار عن الاناء، وعليه فتحمل الفقرة الاولى على التقية لوجود المعارض، وتحمل الفقرة الثانية على بيان الحكم الواقعي.
وأورد المحقق النائيني «قده» في رسالته في «اللباس المشكوك، ص71» بإيرادين_ على التبعيض في الحجية_:
الايراد الاول: وليست هي إلا جملة واحدة وهي قوله: «لا بأس بذلك»، وليس لها الا ظهور واحد في الجميع ولا سبيل إلى دعوى كونه هو الحكم النفس الأمري «في بعضها» والحكم الظاهري «في البعض الآخر» «لا بأس بذلك» أما مفادها بيان الحكم الواقعي اما مفادها بيان الحكما الظاهري تقية. أما نفس هذه الجملة الواحدة تنحل إلى حكمين: بلحاظ السنجاب: بيان حكم واقع، بلحاظ الثعالب بيان حكم ظاهري وهو فرض التقية، يقول: هذا تفكيك في جملة واحدة بأن نقول: هذه الجملة بلحاظ فقرة تجري فيها اصالة الجهة، بلحاظ فقرة لا تجري فيها اصالة الجهة، هذا الكلام لو عرض على سوق العقلاء واهل المحاورة ما قبلوا جملة واحدة تجري فيها اصالة الجهة في فقرة ولا تجري فيها اصال الجهة بلحاظ فقرة أخرى.
الايراد الثاني: لو خصصنا اصالة الجهة بلحاظ فقرة السّمور، فقرة الفنك، فقرة الثعالب، هذا لازمه تخصيص اكثر وهو محذور آخر، حتى في اصالة العموم إذا ورد فيها عدة مخصصات بحيث ما بقي تحتها الا موارد نادرة فإن التمسك بأصالة العموم في الموارد النادرة غير عرفي، فإذا قال: اكرم كل هاشمي، ثم اخرج منه الفاسق واخرج منه العامي الخ... وما بقي الا «التبتي» فحينئذ يقال: التمسك بأصالة العموم في مطلوبية الاكرام في الهاشمي «التبتي» غير عرفي لمحذور تخصيص الاكثر. اذن بالنتيجة: ما ذكره سيدنا «قده» من التبعيض في الحجية في مثل هذا المورد ليس عرفياً وان كنا نقبله ككبرى. الكلام في هذا المورد.
لكن الا يشكل على النائيني على مبناه:
هل ان أدلة الترجيح تشمل المتخالفين على نحو العموم من وجه أم لا؟
إذا ورد علينا دليلان عموم من وجه، في مورد الافتراق لا تعارض بينهما في مورد الاجتماع يتعارضان، هل نجري المرجحات في مورد الاجتماع فنسقطه ويبقى مورد الافتراق سليماً؟ فقد ذهب المحقق النائيني هناك إلى ذلك: وقال: إذا ورد عندنا عامان من وجه فاختلفا في مورد الاجتماع وكان احدهما في مورد الاجتماع موافقا للعامّة يطرح في مورد الاجتماع ويؤخذ في الثاني، وهذا تفكيك في مدلول الدليل الواحد، لأن هذا الدليل الواحد عملنا به في مورد الافتراق، لأنه لا معارض له، وطرحناه في مورد الاجتماع لوجود معارض له، فهذا تفكيك وتبعيض في مدلول الدليل الواحد؟. فما هو الجواب؟ فإذا قبلت به في تعارض العامّين من وجه فلم لا تقبل به في المقام؟ فأي فرق بين الموردين عرفاً؟ فافهم وتأمل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo