< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الفقه

37/03/18

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الخلل الواقع في الصلاة

وقع البحث: في أن مانعية ما لا يؤكل من صحة الصلاة هل تشمل ما ليس له لحم يؤكل؟ أم لا؟ بالبق والقمل، ونحوهما، فإنه وان كان يحرم اكله الا انه ليس له لحم يؤكل واما المحرم بلعه.
فقد يتمسك لإثبات الشمول بإطلاق العبارة في صدر الموثقة وذيلها: حيث قال: «إن الصلاة في كل شيء حرام اكله» سواء كان له لحم أو لا.
وقد ذكر المحقق النائيني «قده» بحسب تقرير «محمد تقي الآملي» للصلاة عنه. أن الاقوى هو عدم الشمول، أي عدم شمول المانعية لما ليس له لحم. وذلك لوجوه:
الوجه الاول: اختصاص الروايات، أي وجود روايات مختصة لفرض ما له اللحم.
فمنها: «باب2، الوسائل، ج4، الحديث 5»: معتبرة الحسن ابن علي الوشاء قال: «كان ابو عبد الله يكره الصلاة في وبر كل شيء لا يؤكل لحمه».
ومنها: «حديث 6»: رواية انس بن محمد عن أبيه عن جعفر ابن محمد عن آبائه في وصية النبي لعلي : «يا علي لا تصلي في جلد ما لا يشرب لبنه ولا يؤكل لحمه».
ومنها: «حديث7، من نفس الباب»: في رواية محمد ابن اسماعيل: عن أبي عبد الله قال: «لا تجوز الصلاة في شعر ووبر ما لايؤكل لحمه لأن اكثرها مسوخ».
فيدعى: أن مقتضى احترازية القيد اختصاص المانعية بما له لحم قابل للاكل ولا شمول فيها الى كل ما لا يؤكل لحمه كالبق والقمل والبراغيث ونحو ذلك.
ولكن الإشكال على هذا الوجه واضح، إذ مع وجود المطلقات كموثقة أبن بكير: «فإن كان غير ذلك مما قد نهيت عنه وحرم عليك اكله فالصلاة في كل شيء منه فاسد». حيث لم يؤخذ فيها قيد أكل اللحم. وبما ان المقيد والمطلق مثبتان وليس متخالفين فلا موجب لحمل المطلق على المقيد ما لم ينعقد له مفهوم.
إذاً نتمسك بالإطلاقه في قوله: في موثقة ابن بكير: «في كل شيء حرام اكله» والمقيد وارد على سبيل الغلبة لان الغالب فيما يؤكل ان يكون له لحم، فلا ظهور في هذا القيد للاحترازية كي يرفع اليد عن المطلقات.
الوجه الثاني: قصور المقتضي، أي اساسا هل ان لموثق ابن بكير اطلاقا أم لا؟، لانه لا يوجد لدينا عكّاز على الاطلاق الا الموثقة، حيث ورد في صدرها: «إن الصلاة في وبر كلّ شيء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وروثه والبانه وكل شيء منه فاسد».
وورد في ذيلها: «وإن كان غير ذلك مما قد نهيت عنه وحرم عليك أكله فالصلاة في كل شيء منه فاسد». فالعمدة: هل هذا الصدر والذيل لهما اطلاق يتمسك به لفرض ان الحيوان ليس له لحم أم لا؟.
فقد يقال: بأن القصور في المقتضي أي عدم انعقاد الاطلاق لمثل ذلك، وذلك من جهتين:
الجهة الاولى: التي نبّه عليها النائيني في بحث آخر: وهي هل ان الظرفية معقولة في المقام أم لا؟. أي من صلى وعلى بدنه أو ثوبه قمل أو بق هل يصدق عليه عنوان الظرفية بأن يقال: صلى فيما لا يؤكل؟!، فالإشكال في أصل تصور الظرفية وهو أنه هل يصدق عليه انه صلى فيما لا يؤكل أم لا؟.
وهنا اجاب المحقق النائيني «ج1، ص147، تقرير شيخ محمد تقي الآملي» قال: إن لفظ «في» في جميع الفقرات يراد بها الاتساع في الظرفية.
وتوضيح ذلك: ان المعاني الحرفية عبارة عن ربط خاص بين الطرفين، ووضعت الحروف للدلالة على ذلك الربط للخصوصية، وخصوصيات الربط تختلف من مورد لآخر باختلاف الطرفين انفسهما، فإذا قال مثلاً: صلّيت في الدار، كان الربط ربط ظرفية، واذا قال صليت على سطح الدار، كان الربط ربط استعلاء. فالمعنى الحرفي هو الربط، فغاية ما في الامر وضعت الحروف للدلالة على خصوصية لذلك الربط، وتلك الخصوصية تستفاد من الطرفين. لذلك يقول: ان كلمة «في» وضعت للربط القائم بين الشيء وظرفه سواء كان ظرفه من مقولة الاين مثل: جلست في المسجد، فإن الجلوس من مقولة الأين، أو من مقولة المتى، كان يقول صليت في يوم الجمعة. والظاهر منها: _اي الظهور الاولي البدوي_ الظرفية الحقيقية، فإذالم يمكن ذلك، الظرفية الحقيقية غير ممكنة، لان في الرواية يقول: «في روثه وبوله وألبانه» ومن الواضح ان الروث والبول ليس ظرفاً حقيقة للصلاة، فإذا لم يكن ذلك لزم حملها على الظرفية الاتساعية.
ثم يقول: فنقول: للظرفي الاتساعية درجات:
الدرجة الاولى: ان يجعل الظرفية اعم من الأصلية والتبعية، نظير تبعية توابع الدار لها في البيع. مثلا: إذا قال بعتك الدار كان بيعا لتوابعها كأبوابها، لان هذا مدلول تبعي لعنوان الدار. _كذلك في المقام المراد بالظرفية ما يشمل الظرفية الحقيقة «الاصلية» وما يشبه الظرفية التبعية_، فالشعرات الملاقاة على اللباس ظرف للصلاة لكن ظرف تبعي، _اي ما هو ظرف اصلي ما هو في الثوب والشعرات تابعة للثوب إذاً هي ظرف تبعي_، فيصح اسناد الظرفية اليها حقيقة، بعد أن نريد بالظرفية الاعم من الأصلية والتبعية إذاً إسناد الظرفية الى الظرفية التبعية إسناد حقيقي كما هو واضح.
الدرجة الثانية: ان تجعل الظرفية بمعنى يشمل الملابسة، «الملاصقة، الشيء الملاصق للمصلي بثوبه أو بدنه» لا بأن تستعمل «في» في المصاحبة، بل المقصود ان الظرفية التي تستخدم فيها «في» تشمل ما يكون ملاصقا للبدن أو الثوب. فتشمل الموثقة الشعرات الملاقاة على البدن. _بينهما في الدرجة الاولى في الظرفية ما كانت تشمل الشعرات التي على البدن تختص بالشعرات التي على الثوب، لأن الظرفية التبعية فرع وجود ظرفية اصلية والظرف الاصلي للصلاة هو الثوب، فما يقع على الثوب يتصف بالظرفية التبعية، وما يقع على البدن لا يتصف بالظرفية التبعية. إذاً حتى يمشل الموثق الشعرات التي تقع على البدن، لابد ان يراد بالظرفية ما يشمل الملابسة أي الملاصقة_. فتشمل الشعرات الملقاة على البدن وتلطخ البدن بالروث والبول بل وتشمل المحمول أيضاً، إذا محمولا بلا واسطة، «يعني عنده شعرات في جيبه أو عنده جلد ما لا يؤكل لحمه في جيبه» يقول: هذه محمول بلا واسطة، حيث إنه محمول بلا واسطة ملاصق للثوب فإذا كان ملاصقاً للثوب شملته الظرفية الاتساعية بالدرجة الثانية.
وأما ما كان محمولا بواسطة، كما إذا وضع القمل في قارورة ووضعها في جيبه لم يشمله الموثق لعدم الملامسة.
الدرجة الثالثة: أن تجعل الظرفية أوسع من ذلك، بحيث تشمل المحمول بالواسطة أيضاً، بأن تعم مطلق المصاحبة، فإذا قال لا تصلي فيما لا يؤكل يعني ولو على نحو المصاحبة.
إذا عرفت ذلك «ان للظرفية الاتساعية ثلاث درجات» فنقول: بناء على المختار على الظرفية الاتساعية، فهل تحمل الظرفية الاتساعية على الدرجة الأولى؟ أو الثانية؟ أو الثالثة؟ وجوه أقواها أوسطها. يعني: بأن تحمل على ما يشمل الملامس والملاصق، وذلك لبعد المعنى الثالث _وهو مطلق المصاحب ولو كان في ضمن القارورة_، لخروجه عن معنى الظرفية اصلا.
واما عدم كون المراد الدرجة الأولى وهو الظرفية التبعية لأن قوله: «وكل شيء منه» شمل العظم لا محالة، لان العظم من اجزاءه، لو لم يقل «وكل شيء منه» اختصرنا على ما يتلطخ به الثوب، ولكن حيث قال: «وكل شيء منه» ولا إشكال في شموله للعظم، _فإذا شمل العظم لم يكمن إرادة خصوص الظرفية التبعية، لان العظم ليس شيئا يعلق باللباس حتى تكون له ظرفيه تبعيه_.
ولا إشكال في شموله لمثل العظم ولا يمكن إرادة الظرفية التبعية منه، لعدم علوقه بالبدن أو الثوب، فاللازم حمل الظرفية في جميع الفقرات على ما يعم العظم أي وما يعم حمله. فإذا بالنتيجة: ما يختاره المحقق النائيني: المراد بالظرفية: الظرفية الاتساعية، والمرد بالظرفية الاتساعية ما يشمل مطلق الملامس والملاصق فيشمل مثل العظم، بل يشمل المحمول بلا واسطة. بل يشمل ما يعلق بالبدن وإن لم يعلق بالثوب.
فإن قلت: أنما يلزم حمل الظرفية على هذه الدرجة لعموم قوله «وكل شيء» فلِمَ لا يجعل صدر الموثقة الظاهر في الظرفية الاصلية والتبعية قرينة على تخصيص الذيل بما يكون قابلاً لأحدى الظرفيتين.
ولوا ظهور «في» في الظرفية الأصلية والتبعية مقيد لعموم كل شيء، فلا يشمل العظم ولا المحمول، ولا ما يعلق بالبدن لكون كل ذلك خارجا عن الظرفية التبعية، لماذا جلعتم ظهور كل شيء هو القرينة، لماذا لم تعتبروا ظهور «في» في الظرفية التبعية هو القرينة قرينة؟!.
قلنا: ألمقام من قبيل تخالف الصدر والذيل، كما في قوله: «لا تضرب أحداً»، حيث ان الفعل وهو الضرب ظاهر في اختصاصه بالاحياء، لا يقال لا تضرب الجدار أو لا تضرب الميت، إذاً لاتضرب الميت اختصاص المتعلق بالاحياء، لكن المتعلق وهو كلمة «احداً» شاملاً حتى للأموات، فهل يعتبر الصدر قرينة على الذيل؟ فيراد ب «الأحد» خصوص الاحياء. أو يعتبر الذيل قرينة على الصدر. فإذا المراد ب «لا تضرب» مطلق المساورة ولو لم يكن مؤلماً، فأيهما يعتبر قرينة على غيره؟.
والانصاف عدم اطراد شيء من ذلك _لا توجد قاعدة الصدر قرينة على الذيل دائما أو الذيل قرينة على الصدر دائماً_، بل تختلف باختلاف الموارد. _وفيما نحن فيه هل نأخذ بظهور «في» أو نأخذ بعموم «كل شيء»؟ _، وفيما نحن فيه نأخذ بعموم «كلّ شيء» وتجعل قرينة على اتساع الظرفية في جميع الفقرات حفظاً لوحدة السياق وذلك لأظهرية كلمة «كل شيء» في العموم الشامل لمثل العظم مما لا يمكن فيه الظرفية التبعية. فلا محالة المراد ب «في» مطلق الظرفية التي تشمل الملامسة والملاصقة. هذا كلام النائيني.
ويلاحظ على ما أفيد: أن الظاهر من مدلول «في» الظرفية بمعنى الاشتمال، فالظرف ما كان مشتملا على المظروف، فإذا لم يكن مدخولها مشتملا على المصلي حين صلاته، فلا شمول في التعبير في قوله: «في» لمثله، وبالتالي: لا شمول في كلمة «فيه» لمطلق الملامسة والملاصقة لعدم صدق عنوان الاشتمال. فإذا شيء لاصق ثوقه أو لاصق بدنه لا يقال بأنه صلى فيه، فإن «فيه» ظاهرة في اشتمال مدخولها في المصلي حال الصلاة، ومقتضى ذلك اختصاص المنع بالثوب الملطّخ بالبول أو الروث أو الشعر الكثير أو القمّل الكثير بحيث يصدق عنوان الاشتمال عرفاً، فما لم يصدق ذلك فمجرد انه لاصق الثوب أو البدن أو كان محمولاً بدعوى اتساع «في» لمثل ذلك محل تأمل عرفاً إن لم يكن ممنوعاً.
إذاً نحن نقول: مقتضى ظهور «في» الظرفية الحقيقية، والظرفية الحقيقة بمعنى الاشتمال اختصاص المانعية بما يصدق عليه عرفا انه اشتمل على المصلي وذلك فيما إذا كان الثوب نفسه فيما لا يؤكل لحمه. أو كان ملطّخاً بما لا يؤكل لحمه بحيث يصدق عليه عرفاً بانه صلى فيما لا يؤكل لحمه.
الجهة الثانية: لقصور المقتضي: قال إنّ الظاهر: ولو بقرينة السياق: كون المقسم في الموثقة هو الحيوان الذي له لحم، فهو المقسم لما يؤكل ولما لا يؤكل كما يشعر به قوله: «إذا علمت انه ذكي قد ذكاه الذابح»، فإن ما يقع عليه التذكية ما له لحم، وقوله: «وإن كان مما يؤكل لحمه» فيكون الظاهر: في ان القسم الآخر ايضاً مما له لحم.
طبعاً هذا معارض لكلام منه سبق، وهو في «ص142» قال: بأنه لا يرفع اليد عن إطلاق صدر الرواية. _قلنا هل تشمل الموثقة ما ليس له نفس سائلة مع ان مع لا ليس له نفس سائلة لا ذكاة له بالذبح إنما ذكاته بخروجه من الماء، فالنائيني قال تشمل، مع انه في الرواية قال: «ذكاه الذابح أم لم يذكه» ولم يعتد بذلك، مع انه الآن اعتد بهذا التعبير لبيان اختصاص المقسم بخصوص ما له لحم.
فإن قلت: إنّ صدر الرواية عام وليس مطلقاً، فنتسمك بالعموم، لانه قال: «الصلاة في وبره وشعره وروثه وألبانه وكل شيء» ف «كل» دالة بالعموم، فمقتضى عمومها: شمولها لما لا لحم له، فالتمسك ليس بالاطلاق بل التمسك بالعموم.
قلت: اولا: مبنى النائيني ان دلالة ادوات العموم على العموم لا بالوضعن بل بالإطلاق، أي بتمامية مقدمات الحكمة في مدخولها، وحينئذٍ رجعت المسألة الى الاطلاق وليس الى العموم.
ثانياً: فلنفترض أن صدر الرواية الصادر عن النبي عام، ولكن التفريع الذي صدر عن الإمام لم يكن تفريعاً بل شرحاً. فمقتضى ان ما صدر من الصادق شرح لما صدر عن النبي اعتبارهما عرفاً كلاماً واحداً وحيث إن في شرح الصادق قيوداً إذاً يكون الكلام المنقول عن النبي من باب ما احتف بما يصلح للمانعية على عدم سعته كما نبهنا عليه في الدرس السابق.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo