< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الفقه

37/03/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الخلل الواقع في الصلاة

سبق وإن قلنا: ان سيدنا «قده» بحسب ما في تقريره في «ج12، ص197» أفاد: أن صحيحة أبي علي ابن راشد وصحيحة سعد ابن سعد الأشعري: عن الرضا قال: «سألته عن جلود السمور فقال: أي شيء هو ذاك الأدبس؟، فقلت هو الأسود، فقال: يصيد؟ قلت نعم، يأخذ الدجاج والحمام، فقال: لا». _أي لا تصح الصلاة فيه_ معارضة بعدة روايات:
منها: صحيحة علي أبن يقطين: قال: «سألت أبا الحسن : عن لباس الفراء والسمور والفنك والثعالب وجميع الجلود؟ قال: لا بأس بذلك».
وأفاد بأن الرواية الأولى وهي صحيحة سعد بن سعد الاشعري مقدمة الثانية بمخالفة العامة، حيث إن العامة يرون جواز الصلاة في كافة الجلود، ما يؤكل لحمه ومما لا يؤكل، فتحمل الطائفة المجوزة على التقية. فتحمل الطائفة المجوزة على التقية. وذكرنا: ان هذا المطلب لابد من الإشارة الى مبناه اصولياً:
فإذا رجعنا الى بحث التعادل والتراجيح في الاصول ورجعنا الى باب الترجيح بمخالفة العامة، فما هو المقصود بالترجيح بمخالفة العامة؟.
هل ان لهذا المرجع موضوعية أم أنه ملحوظ على نحو الطريقية؟ واذا كان ملحوظا على نحو الطريقية فهل هو طريق لأن الموافق وارد على سبيل التقية؟ ام انه طريق للمرجح الصدوري؟ أم انه طريق للمرجح المضموني؟.
فهنا عدة مباني يمكن اقتناصها من كلمات الاعلام في هذا الباب:
فنقول: ان الترجيح بمخالفة العامة عدة:
المبنى الاول: ما ذهب اليه في الكفاية وتبعه السيد الصدر «قده» بحسب النتيجة: ان الخبر الموافق للعامة ساقط عن الحجية بمقتضى القاعدة، فتقديم المخالف عليه _أي تقديم المخالف للعامة على الموافق_ لا من باب ترجيح حجة على حجة بل من باب تمييز الحجة عن اللا حجة، بلحاظ أنّ الخبر الموافق للعامة ساقط عن الحجية. والوجه في ذلك: مؤلف من أمرين:
الامر الاول: انه لم يحرز بناء اهل المحاورة على اجراء اصالة الجهة في الخبر الموافق للعامة، فإن جريان اصالة الجهة في الخبر الموافق ما لم يقم منشأ عقلائي على الخلاف، والمنشأ العقلائي موجود، وهو: وجود خبر معارض مخالف للعامة، فوجود الخبر المخالف للعامة منشا عقلائي مانع من جريان اصالة الجهة في الخبر الموافق.
وبالتالي: فإذا لم تجر في الخبر الموافق اصالة الجهة؟ فهل يحمل على التقية؟ أم يحمل على محمل آخر؟ هو لا تجري فيه اصالة الجهة حتى يعمل به.
الامر الثاني: قال في الكفاية: بل إن الخبر المخالف قرينة على حمل الموافق على التقية، وهذا من باب الجمع العرفي بينهما، حيث إن الخبر المخالف للعامة نص في عدم التقية، بينما الخبر الموافق ظاهر في الجد أو عدم الجد، فمقتضى قرينية النص على الظاهر حمل الخبر الموافق على صدوره على التقية، فاذا حمل على التقية كان ساقطا عن الحجية، فسقوطه عن الحجية كان على طبق القاعدة حيث لم تجر فيه اصالة الجهة بل قامت قرينة على حمله على التقية.
إذاً فما ورد عنهم من أنه: «إذا اختلف الخبران فخذ بما خالف العامة» ليس من باب الترجيح بل من باب تمييز الحجة عن اللا حجة.
ويلاحظ على ذلك:
أن مجرد كون الخبر المخالف نصاً في عدم التقية، لا يصلح قرينة عرفية على حمل الموافق على التقية، بل محتمل له محامل متعددة، مثلا:
لو ورد لدينا خبران احدهما يقول: بنجاسة الكافر والآخر يقول بطهارته، فالخبر القائل بالطهارة نص في عدم التقية لان العامة ذهبوا الى النجاسة. لكن هذا لا يعني حمل الخبر الموافق على التقية. إذ لعل المقصود بالكافر في الخبر غير الموافق الكافر غير الكتابي أو الكافر غير المحارب، فما دامت له محامل فلا يتعين حمله على التقية كي يقال بأن سقوطه عن الحجية على طبق القاعدة.
المبنى الثاني: إن الحمل على التقية ترجيح تعبدي _لا انه مقتضى القاعدة كما افاد في المبنى الاول_ لدلالة النصوص عليه: كما في رواية عبيد ابن زرارة «حديث 46، باب9، من ابواب صفات القاضي» عن أبي عبد الله قال: «ما سمعته منيّ يشبه قول الناس فيه التقية، وما سمعت منّي لا يشبه قول الناس فلا تقية فيه».
ولكن يلاحظ على الاستدلال بمثل هذه الرواية:
أنّها ليست في مقام النظر للخبرين المتعارضين، بل هي في مقام الكلام عن طبيعي الخبر، وأنّ طبيعي الخبر إذا ورد موافقا في مضمونه للعامة، فإن موافقته للعامة قرينة نوعية على صدروه على سبيل التقية.
ومعنى كون مضمونه موافقا له وروده على طبق اصولهم، كأن يكون متضمنا لسد الذرائع أو للقياس أو للاستحسان أو المصالح المرسلة، فعندما يكون مضمونه متوافق على أصول استدلالهم فهذه قرينة على صدوره على سبيل التقية، وليس نظر هذه الرواية لخبرين متخالفين كان أحدهما مطابقاً في الحكم لقول العامة والآخر مخالفا لهم.
المبنى الثالث: أن الترجيح بمخالفة العامة تعبد صرف، بمعنى أنّ مخالفة العامة ملحوظة على نحو الموضوعية لا على نحو الطريقية لشيء آخر. وربما يدل على ذلك: انه فرض في المقبولة نفسها «مقبولة عمر ابن حنظلة» أن الحديثين موافقان للكتاب والسنة ومع ذلك رجح احدهما على الاخر بمخالفة العامة.
فلاحظوا مقبولة عمر ابن حنظلة: «قلت: جعلت فداك أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمهما من الكتاب والسنة ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفاً لهم بأي الخبرين يأخذ؟ قال: ما خالف العامّة ففيه الرشاد».
فيقال: بأن ظاهر هذا الفقرة: ان نفس مخالفة العامة فيه رشاد.
ذكر الكليني في «ديباجة الكافي»: فقد ورد أن الرشد في خلافهم. فنفس المخالفة مرجح تعبدي لا الطريقية لشيء آخر.
ويؤيد ذلك أيضاً: «صحيحة ابن بزيع»: عن محمد بن إسماعيل ابن بزيع: «سألت أبا الحسن الرضا عن صلاة طواف التطوع بعد العصر؟ فقال: لا، فذكرت له قول بعض آبائه إنّ الناس لم يأخذوا عن الحسن والحسين إلا الصلاة بعد العصر بمكة، فقال: نعم، ولكن إذا رأيت الناس يقبلون على شيء فاجتنبه».
_يعني نفس مخالفة العامة مرجح على حد ذاته_ فقلت: إنّ هؤلاء يفعلون، _يعني ان سيرتهم انهم يصلون صلاة العصر_، فقال: لستم مثلهم». ظاهره: أنّ نفس مخالفة العامة مرجّح.
ومقتضى اطلاق هذه الحديث: أنه حتى لو كان الخبر صادر عن امير المؤمنين او عن الحسن والحسين قبل حدوث الخلاف مع العامّة ووجدنا خبراً معارضاً له عن الصادق او الكاظم، نأخذ بالخبر المعارض وإن كان ذلك صادراً عن امير المؤمنين والحسن والحسين؛ ما دام أن نفس مخالفة العامة مرجّح.
المبنى الرابع: إنّ الترجيح بمخالفة العامّة ملحوظ على نحو الطريقية لا على نحو الموضوعية لما هو الأقرب للواقع.
أي إذا اختلف الحديثيان كانت المخالفة اقرب للواقع، فهي طريق لتحديد ما هو الاقرب لا لموضوعية في المخالفة.
وهو ظاهر _هذا الكلام_ ففيه الرشاد.
يعني فرق بين عنوان الخلاف، وبين عنوان ما خالف. ما خالفهم ففيه الرشاد لا ان في مخالفتهم الرشاد. الخبر المخالف فيه الرشاد لا أن في المخالفة الرشاد.
ويؤكده رواية ابي اسحاق الارجاني، ذكرها أيضاً في «الوسائل، باب حديث 24، باب9» رفعه: «قال: قال أبو عبد الله : أتدري لما أمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامة؟ فقلت لا ادري: فقال: إنّ علياً لم يكن يدين الله بدين إلا خالفت عليه الأمة إلى غيره إرادةً لإبطال أمره وكانوا يسألون أمير المؤمنين عن الشيء الذي لا يعلمونه فاذا افتاهم جعلوا له ضداً من عندهم ليلبسوا على الناس». فنتيجة ذلك: إذا اختلف الخبران فإن اقربهما الى الواقع ما خالف العامة. هذا هو المبنى الرابع.
المبنى الخامس: ما ذكره السيد الأستاذ «دام ظله» من ارجاع الترجيح في المخالفة إلى الترجيح الصدوري والدلالي؛ _يقول: أصلاً مخالفة العامة ليست مرجحاً آخر وراء المرجحات الصدورية كالترجيح بالشهرة مثلا_ والسر في ذلك: لما روي من ان أبن أبي عمير سأله والد الفضل ابن شاذان فقال له: «إنك لقيت مشائخ العامة، _جلست معهم_ فكيف لم تسمع منهم _اي الروايات والأحاديث_؟!، فقال: قد سمعت منهم غير أني رأيت كثيراً من أصحابنا قد سمعوا علم العامة وعلم الخاصة فاختلط عليهم حتى كانوا يروون حديث العامة عن الخاصة، ويروون حديث الخاصة عن العامة فكرهت ان يختلط عليّ فتركت ذلك واقبلت على هذا _ يعني الاحاديث الواردة عن الائمة -».
فظاهره: إنه إنما أمر بالأخذ بمخالفة العامة ليفرز ما صدر عما صدر عن غيرهم، فيكون الاخذ بمخالفة العامة مرجحا صدورياً.
ويؤيد ذلك أيضاً: أنّ بعض العامة قد دسّ في كتب أصحابنا بعض الروايات، او استغل بعض الضعفاء من أصحابنا في الروايات كما حدث بالنسبة للمغيرية حيث رووا بعض الروايات في كتب اصحابنا مما يوافق كلام العامة.
فالنتيجة: ان الترجيح بالمخالف لا لأجل جهتي _اي لا لأجل امر جهتي_، ولا لأجل حمل الموافق على التقية، ولا لأن المخالفة مرجح تعبدي؛ بل لتمييز ما صدر عن غيره.
إلا ان يقال: إنّ مجرد اختلاط بعض الأحاديث عند بعض الاصحاب، او دسّ بعض العامة بعض الاحاديث في بعض كتب أصحابنا ليس قرينة على ان المراد بقوله في بعض الروايات: أن ما خالف العامة ففيه الرشاد، انه مرجح صدوري.
فلا يبعد هو المبنى الرابع، وهو ان الترجيح بمخالفة العامة لجهة طريقية وهو تمييز ما هو الأقرب للواقع في غيره.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo