< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الفقه

37/02/11

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الخلل الواقع في الصلاة

ذكرنا سابقاً: أنّه قد يُدّعى أنّ موثقة «أبن بكير» الدالّة على اشتراط التذكية في صحة الصلاة مضطربة المتن، مشوشة بنحو يكون مانعاً من احراز صدورها عن المعصوم، فلا يصح الاستدلال بها، وذلك لعدة اشكالات في عدة فقرات من متن الرواية. ووصل الكلام الى الإشكال الثالث:
حيث ورد في الرواية: «إن الصلاة في وبر كل شيء حرام اكله فالصلاة في وبره وشعره» وهنا: ذكر السيد الأستاذ «دام ظله» بحسب ما في تقرير كلامه: بأن هذه الجملة يرد عليها: أنّ الوبَر ليس له وبَر، فكيف يقول: «إن الصلاة في كلّ شيء حرام اكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وروثه». ومن الواضح أن الوبَر ليس له وبر وشعر وجلد وروث. وإنما الجلد والشعر، لذي الوبَر لا لذي الوبِر.
فالظاهر: أنّ الكلمة الصحيحة هي: «الوبِر» أي ذي الوبَر، وهو الظاهر من السؤال، حيث إنه قال في السؤال: «سأل زرارة ابا عبد الله : عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب، وغيره من الوبَر». فإنَّ محط السؤال في الصلاة في جلود ما له وبَر، كالثعالب، والفنك والسنجاب. لا الصلاة عن كل ما يحرم أكله. بل عن خصوص صنف مما يحرم اكله وهو ما له وبَر، لأنّه قال: «عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر». فالمناسب لذلك ان يكون قوله: «وغيره الوبرِ». اي من الحيوانات ذات الوبر. «فأخرج كتاباً زعم أنه إملاء رسول الله إن الصلاة في وبر كل شيء حرامٍ أكله فالصلاة وبره» الظاهر: أنّ كلمة «وبَر» الاولى ساقطة من المتن وفي الحاشية، فلما جاء المستنسخ الثاني نقل كلمة «وبر» من الحاشية الى المتن، فبدل أن يضعها بعد كلمة «شيء» وضعها قبل كلمة «كل شيء» أي بدل أن يقول: «إنّ الصلاة في كل شيء وبر حرام اكله». قال: «إنّ الصلاة في وبر كل شيء». هي نفس الكلمة موجودة ولكنها بعد كلمة «شيء» فيكون المراد من العبارة: «إن الصلاة في كل شيء وبِر حرام أكله». يعني ذي وبر، لأن هذا هو مورد السؤال. لا أنّ الصلاة في وبر كل شيء فهو وضع الكلمة في غير موضعها. فإذا تم ما ذكرناه: بأن كانت الجملة هكذا: «إن الصلاة في كل شيء وبر حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره»، صارت الجملة مستقيمة، لان الشيء الوبرِ له وبَر وشعر وجلد وروث، فتكون الجملة حينئذٍ مستقيمة. ويترتب على ذلك امران:
الامر الاول: إن كلمة «حرام اكله» «إن الصلاة في كل شيء وبِر حرام اكله». لإخراج الوبر الذي لا يحرم أكله الماعز فإنه من ذوات الوبرَ ولكنها لا يحرم أكلها فتخرج. فتخرج.
الامر الثاني: اختصاص المانعية بالثعالب، فلا تشمل المانعية كلّ حيوان يحرم اكله، كما قال به بعض الفقهاء، بل تختص المانعية بالثعالب، أي ان المانع من صحة الصلاة، أن يكون الجلد جلد ثعلب سواء كان مذكى أم لم يكن مذكى، فإن كونه من هذا الصنف مانع من صحة الصلاة. وبالتالي لو كان لدينا جلد مما يحرم اكله ولكنه ليس من الثعالب، فلا مانع من صحة الصلاة فيه إذا ذكّي.
ويلاحظ على ذلك:
أولاً: إنّ كلمة «الوبِر» لغةً، وإن صحّت كما في «الصحاح ولسان العرب وتاج العروس». إلا أنّ المراد بالوبِر هو: كثير الوبَر لا ذي الوبَر. فليس كل ما له وبَر يقال له وبِر، وإنما الوبِر كثير الوبَر. فيقال: للإبل وبِر إذا كثر وبرها لا انه يطلق على الوبِر على كل ما له وبَر. كي نقوم بتصحيح قياس فنصحح الكلمة بأنها «وبِر» وليست «وبَر». وتكون الجملة: ان الصلاة في كل شيء وبِر حرام اكله.
ثانيا: على فرض التسليم بأن «الوبِر» هو كل ما له وبَر. فإن كون محط السؤال هو الوبِر من الحيوانات. لأنه سأل عن سأل عن الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبَر. أي أن محط السؤال ما كان وبِرا من الحيوانات، فلنفترض ذلك، إلّا أنّ ذلك لا يقتضي اختصاص الجواب بما كان له وبَر من الحيوانات فضلاً عن اختصاصه بالثعالب. بلحاظ عموم الذيل، حيث إن الامام الصادق فرّع على ما املاه رسول الله : بهذه الكبرى: فقال: «فاحفظ ذلك يا زرارة، فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شيء منه جائز إذا علمت انه ذكي قد ذكّاه الذبح، وإن كان غير ذلك مما قد نهيت عن اكله، وحرم عليكم اكله _ولم يقيده بذات الوبَر ولا بالثعالب من ذات الوبر_ فالصلاة في كل شيء منه فاسد ذكّاه الذبح أم لم يذكّه».
إذاً لا موجب لاختصاص المانعية بذات الوبَر فضلا عن القول باختصاصها بذات الوبَر لأنها مورد السؤال فلا موجب لاختصاصها بالثعالب مع أن محط السؤال: كل ما له وبر، السنجاب والفنك وغير ذلك. ووجود بعض الروايات الدالة على عدم صحة الصلاة في الثعالب كما سياتي ذكر بعض الروايات في محله لا يوجب اختصاص مدلول هذه الرواية بذلك.
الإشكال الرابع: في «استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار، الحر العاملي، ج6، ص266»: محصّل كلامه: أن التعبير الوارد في الرواية: التعبير ب «في» حيث قال: «إن الصلاة في» ثم قال: «والصلاة في وبره وشعره وجلده وروثه وبوله وكل شيء منه فاسد». فما هو المراد بكلمة «في»؟ هل المراد بها المعية، اي فالصلاة مع بوله أو مع روثه. أم المراد ب «في» الظرفية. اي يصلي في الثوب ذي الروث وذي البول واشباهه.
فإن كان المراد بكلمة «في» المعية: فلازم ذلك انه لا يصح الصلاة مع فضلات كل شيء حرام أكله. لأنه قال: «إن الصلاة في شعره وبوله وروثه» هذه لا خصوصية له. قطعا لا خصوصية للبول والروث، فاذا كان المراد ب «في» المعية: فمقتضى ذلك ان المانع من صحة الصلاة: الصلاة مع أي فضلة من فضلات ما يحرم أكله. ولازم ذلك عدم صحة الصلاة في لعاب البعوضة أو الذبابة، وعدم صحة الصلاة في عسل النحل لأنه فضلة من فضلات ما يحرم أكله. فلا يقول بذلك احد، إذا لو كان المراد بكلمة «في» مع، فلازم ذلك: ان تقولوا بحرمة الصلاة في هذه الامور ولا يقول بذلك احد، فأنتم مضطرون لارتكاب التخصيص بروايات أخرى.
وإن كان المراد بكلمة «في» الظرفية، فمن الواضح: ان الظرفية الحقيقية غير متصورة في بعض هذه الأمور. فيتصور الظرفية الحقيقية في وبره في جلده، لكن لا يتصور الظرفية الحقيقية في بوله، بأن يصلي في بركة من البول مثلا، فلازم ذلك استعمال كلمة «في» في ظرفية حقيقية بلحاظ بعض المصاديق، وظرفية مجازية في البعض الآخر، واستعمال كلمة «في» في الحقيقة والمجاز خلاف الظاهر مما يحتاج الى القرينة.
ولكن الجواب عن هذا الاشكال: بأن ظاهر سياق الرواية: أن المنظور اليه في الرواية: ما يقبل التذكية. لا كل محرّم الأكل، ذلك بلحاظ السؤال من جهة: سألته عن الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبَر. اي مما يمكن اكله فيمكن تذكيه. هذا هو محط السؤال. وكذلك بالنظر الى الجواب: حيث إن الإمام في تفريعه على ما ذكره النبي : قال: «فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره _ إلى أن قال_ قد ذكّاه الذبح، وإن كان غير ذلك فالصلاة في كل شيء...... ذكّاه الذبح أم لم يذكه».
فظاهره: ان المقسم ما يقبل التذكية تكوينا حتى يكون محطا للكلام. إذا الرواية بلحاظ سياقها: منصرفة عن مثل البق والى غير ذلك.
الإشكال الخامس: ما تعرّض له السيد الأستاذ في تقريره: قال: «لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل الله أكله». فإن ظاهر هذه الجملة «حتى يصلي في غيره» أنّ صحة الصلاة منوطة بأن يصلي فيما يحل اكله، والحال انه لا يشترط في صحة الصلاة فيما يحل أكله. إذ قد يصلي في الورق من الشجر، أو يصلي في القطن والكتّان، فلا يشترط في صحة الصلاة الا ان يصلي في جلد يحل اكله حتى يقول : «لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل الله أكله».
فقال في «ص24»: إنّ هذه الجملة ظاهرة في شرطية كون اللباس من اجزاء ما يحل اكله، وهو مقطوع الفساد، إذ تجوز الصلاة في غير الاجزاء الحيوانية قطعاً. لذلك قال: فلابد من التصحيح القياسي، بأن نبدل كلمة «حتى» بال «الواو» فتكون الجملة هكذا: «وكل شيء منه فاسد لا تقبل تلك الصلاة. ثم قال: ويصلي في غيره». يعني من باب ذكر أحد المصاديق. بأن تكون الجملة جملة استئنافية. «ويصلي في غيره مما أحل الله أكله». كما يشهد له ذيل الموثقة الذي هو من كلام الإمام .
فإن قيل: إن فتح هذا الباب «باب التصحيحات» سد لباب الوثوق بصدور الاحاديث على ما هي مروية، إذ في كل جملة لا تكون منسجمة نقوم بالتصحيح القياسي، وهدم للاستدلال بالنصوص.
قلنا: إنا لا نلتزم بجواز التصحيح القياسي مطلقا، ولذلك أفاد «دام ظله» إشكالا على من قال: في حديث لا ضرر تصحيحا قياسياً. حيث إن البعض قال: كلمة «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام». اصلها هكذا: «لا ضرر ولا ضرار فالإسلام يزيده خيراً». فقاموا بتصحيح قياسي مثلاً فجعلوها «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام».
فردّهم: بأن هذا التصحيح القياسي، مما لا شاهد عليه ولا مسوغ له. فلا نلتزم بجواز التصحيح القياسي مطلقا، إلا في روايات ابن ابي عمير، وذلك في خصوص ما شهد به الاعلام باضطراب المتن. _الظاهر أن مقصوده: ليس هو خصوص روايات ابن ابي عمير بل مقصوده: ما قامت إمارة عقلائية على خلل في المتن.
فما قامت امارة أو منشأ عقلائي على خلل في متنه فهو مورد للتصحيح القياسي، والا لا خصوصية لروايات ابن ابي عمير. هذا ما افاده «دام ظله» بحسب ما في التقرير.
الجواب عن هذا الإشكال:
أولاً: مورد السؤال في الرواية هو الحيوان، فإن مصب السؤال هو الصلاة في الحيوان، ولم يكن مصب السؤال هو الصلاة في الساتر كي يكون الجواب متعرضاً لمطلق الساتر، فلّما كان محط السؤال عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر؟، أخرج الإمام كتابا: زعم انه املاء رسول الله متعلقا بالصلاة في الحيوان، لان هذا هو مورد السؤال.
كما أن المقسَم في جواب الإمام كان في الحيوان. حيث قال: _بناءً على تصحيح السيد_: إنّ الصلاة في كل شيء وبِر حرامٍ اكله فالصلاة. فالمقسم الذي ذكر في صدر الجواب هو أيضاً الصلاة في جلد الحيوان مثلاً.
فلأنّ منظور السؤال والمقسم المذكور في صدر الجواب هو الصلاة في الجزء الحيواني، لذلك قال : «لا تقبل الصلاة حتى يصلي في غيره مما احل الله اكله». لا أنّه في مقام بيان شروط ساتر الصلاة كي يقال بأن هذا منافي لجواز الصلاة في غير الاجزاء الحيوانية قطعاً.
ثانياً: إنّ ما ذكره ضابطة التصحيح القياسي محل تأمل، والسر في ذلك: انه إذا قامت القرينة السياقية على تحديد هذا التصحيح كان ذلك داخلاً ضمن الاستظهار، لأنّه إذا قامت القرنية السياقية على أنّ كلمة «وبَر» مثلاً مقدمة والمفروض ان تكون مؤخرة كان ذلك ضمن الظهور، والظهور حجة وليس من باب التصحيح القياسي بل هو ظهور، وان لم تقم القرينة السياقية على ذلك فتبقى الرواية مجملة على هذه الرواية، فما هو المعين لهذا التصحيح دون غيره، فاللجوء اليه ظن في ظن.
الإشكال السادس: قال: إن قوله : «فإنّ كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شيء منه جائز إذا علمت انه ذكي». فهذا القيد «اذا علمت انه ذكي» اما ان يرجع الى الجميع من بوله وشعره وروثه والبانه؟ أو يرجع الى خصوص الأخير؟.
فإذا قلتم: بأن هذا القيد راجع الى الجميع فلازمه اشتراط التذكية حتى فيما لا تحله الحياة من اجزاء الحيوان. وهذا ايضا مقطوع الفساد. فإنه لا يشترط في صحة الصلاة فيما لا تحله الحياة التذكية.
فاذا ارد ان يصلي في «القرن» لا يشترط فيه ان يكون مذكى، نعم يشترط ان يكون مما يحل اكله لا أن يكون مذكّى. وإن قلتم بأن القيد يرجع الى الأخير: فهذا مما لا معين له وهو خلاف الظاهر.
والجواب عن ذلك: أن غاية ما في الباب أن الرواية مقيدة: اي ان مقتضى اطلاق هذه الرواية الشريفة اشتراط التذكية حتى فيما لا تحله الحياة. خرجنا عن هذا الاطلاق بما دلَّ على عدم الاشتراط برواية أخرى، وهذا امر مما لا مانع منه. حتى لو فرضنا ان هذه الرواية واردة في مقام الافتاء والاطلاق الوارد في مقام الافتاء لا يقبل الحمل على المقيّد المنفصل، لكن ذلك في الاطلاق الترخيصي وهذا اطلاق الزامي حيث انه دل على اشتراط التذكية في كل أجزاء ما يحل أكله.
إذاً بالنتيجة: جميع الاشكالات التي اوردت على متن هذه الرواية لأجل إسقاط الاستدلال بها على شرطية التذكية غير تامة. فمقتضى حجية ظاهر الرواية: العمل به. ومقتضى العمل به هو: اشتراط التذكية.
وسيأتي حلّ المعارضة إن شاء الله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo