< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الفقه

37/02/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الخلل الواقع في الصلاة

كان الكلام: فيما ذهب اليه السيد الاستاذ «دام ظله» من أن المدلول الشرعي، هو مانعية الميتة لما لها من المعنى الوجودي، ومقتضى ذلك: أنه إذا شك في كون ثوب المصلّي ميتة ام لا؟ صحة الصلاة فيه لاستصحاب عدم كونه ميتة. ولا يمكن إثبات أنه ميتة باستصحاب عدم التذكية، فإن إثبات الميتة باستصحاب عدم التذكية اصل مثبت. وقد استدل على مدّعاه بالروايات في مقامين: مقام ما تتم به الصلاة. ومقام: ما لا تتم به الصلاة.
فأما ما ورد في المقام الأول: وهو ما تتم به الصلاة، فهو معتبرة جعفر ابن محمد ابن يونس، «أن أباه كتب إلى أبي الحسن : يسأله عن الفرو والخف ولا أعلم أنه ذكيّ؟ فكتب : لا بأس به».
ومقتضى مدلولها المطابقي صحة الصلاة في مشكوك التذكية. ومقتضى مدلولها الالتزامي: ان المجعول مانعية الميتة بما لها من المعنى الوجودي.
ولكن يُشكل على هذا الاستدلال بوجوه: تعرّض الى دفعها:
الوجه الأول: بناء على مبناه «دام ظله» من التفصيل بين روايات مقام الافتاء ومقام التعليم عدم إحراز إطلاق هذه الرواية. والوجه في ذلك: أنه أفاد في «أصوله، بحث المطلق والمقيد»: أن انعقاد الاطلاق في مقام الاثبات يتوقف على كشف عدم التقييد عن إرادة الإطلاق كشفاً عرفياً، فإذا كان عدم التقييد كاشفاً عرفاً عن إرادة الإطلاق انعقد الاطلاق اثباتاً وصح التمسك به، وهذا الميزان وهو كاشفية عدم التقييد عن إرادة الاطلاق لا يتم في بعض الموارد:
منها: ما اذا كان المتكلم عاجزاً عن التقييد كما في بحث تقييد متعلق الامر بقصده، فقد بحث في بحث التعبدي والتوصلي، هل يعقل أخذ قصد الامر في متعلق نفس الامر او لا؟ بأن يقول المولى: صل بقصد أمري هذا، ففي ذلك المورد قال بعضهم: لا يعقل تقييد متعلق الامر بقصد الامر. فالمولى عاجز عن تقييد متعلق الامر بقصد الامر لاستحالته عقلاً، فاذا كان عاجزا عن التقييد فكيف يكون عدم التقييد كاشفا عرفيا عن ارادة الاطلاق. فاذا قال المولى: اقم الصلاة، او قال المولى: ادفن الميت، ولا ندري هل أن المأمور به دفن الميت بقصد الأمر به أم لا؟ لا نستطيع بإطلاق «ادفن الميت» وأن قصد الامر غير معتبر، إنما يكشف عن الإطلاق اذا كان المولى قادرا على التقييد والمفروض ان المولى عاجز عن التقييد في المقام فلعل عدم التقييد لأجل عجزه لا لأجل إرادته للإطلاق.
المورد الثاني: ما إذا كان التقييد مستهجنا عرفاً، فالمولى وان كان متمكنا من التقييد عقلا لكنه ليس متمكنا من التقييد عرفا فلا يمكن عدم التقييد كاشفا عن ارادة الاطلاق. ومثال ذلك: ما اذا كان الخطاب واردا في مقام الافتاء وكان هناك قدر متيقن في مقام التخاطب بمعنى الانحصار وعدم وجود فرد آخر. مثلا:
إذا قال المستفتي للإمام: هل يجوز للرجل لبس الخاتم؟ فيقول ع في مقام الافتاء: يحرم على الرجل لبس الخاتم ان كان ذهبا. ففي مثل هذا المورد لا يكون عدم التقييد بكون الذهب ذهبا اصفرا ارادة الاطلاق وان الحرمة تشمل كل ذهب اصفر او ابيض. إذ لعل عدم تقيد المولى للذهب في قوله «يحرم على الرجل لبس الذهب» عدم تقييده بالاصفر لا لأجل إرادة الاطلاق بل لأجل استهجان التقييد.. اذ لو قال يحرم على الرجل لبس الذهب الاصفر لكان تقييدا مستهجنا بلحاظ عدم وجود غيره او ندرته الى حد لا يلتفت اليه.
المورد الثالث: ما إذا كان الخطاب واردا في مقام الافتاء وكان الفرد الغالب موجبا لانصراف الخطاب اليه، فهو يقول «دام ظله»: بما أن الخطاب الوراد في مقام الافتاء مما يلاحظ فيه حال المخاطب وملابسات الظرف، أي ظرف السؤال والجواب، فبما ان خطاب الافتاء لا يطرح على نحو القضية الحقيقية التي لا ينظر فيه الى أي قيد في تلك المرحلة بل يلاحظ فيه حال المخاط وملابسات الظرف، أي ظرف السؤال والجواب. فبما أن خطاب الافتاء لا يطرح على نحو القضية الحقيقة التي لا ينظر فيها الى أي قيد في تلك المرحلة بل يلاحظ في حال المخاطب ظرف الخطاب زمن الخطاب، فلو كان هناك فرد غالب في زمن الافتاء، لكان موجبا لانصراف الخطاب اليه. فلو قال المولى مثلا: «إذا أذن لك بزيارة الحسين فإذا وردت كربلاء فاغتسل». فإن هذا اذا الخطاب الذي ورد في مقام الافتاء الذي يلاحظ فيه سائر الملابسات يكون منصرفا للغسل من ماء الفرات وان امكن ان يكون هناك ماء يصطحبه الى ان وصل الى كربلاء، إلا ان المنصرف من قوله «فاغتسل» يعني فاغتسل من ماء الفرات، لان الخطاب ورد في مقام الافتاء، والخطاب الوارد في مقام الافتاء يلاحظ فيه ملابسات الظرف، فاذا كان هناك فرد شائع في تلك الملابسات كان موجبا لانصراف الخطاب اليه.
وبالتالي: ففي طول وجود الانصراف المذكور لو شككنا في أن قوله: فاغتسل. هل هو مطلق بالغسل بأي ماء؟ او لأنه لا اطلاق له في غير الغسل بماء الفرات؟. نقول:
إنما ينعقد الاطلاق إذا كان عدم التقييد كاشفا عرفاً عن أرادة الاطلاق، وهنا لا يكون عدم التقييد كاشفاً عرفا عن إرادة الاطلاق، وهنا لا يكون عدم التقييد كاشفا عرفا عن إرادة الاطلاق، إذ لعل المولى لم يقيد لا لعجزه ولا لاستهجان التقييد بل اتكاء على الانصراف، فما دمنا نحتمل ان عدم تقييد المولى لخطابه الوارد في مقام الافتاء لعلة إما العجز، اما الاستهجان، اما اتكائه على الانصراف، لا يكون عدم التقييد كاشفا عن ارادة الاطلاق.
فبناء على مسلكه «دام ظله» نقول: بما ان هذه الرواية: وهي معتبرة جعفر ابن محمد ابن يونس التي قال فيها: «يساله عن الفرو والخف البسه واصلي فيه ولا أعلم انه ذكي، فكتب: لا بأس به»، بما ان «لا بأس به» خطاب وارد في مقام الافتاء، وهناك فرد شائع في زمان الافتاء يوجب انصراف الخطاب اليه وهو كون الجلد او الفرو من سوق المسلمين او من يد المسلم او من ارض الاسلام. إذاً فلعل عدم تقييد الإمام بقوله «لا بأس به إن كان من سوق المسلمين او كان من يد المسلم» لعل عدم تقييده لا لأجل إرادة الاطلاق بل لأجل اتكائه على انصراف الخطاب اليه، وبالتالي لا ينعقد الاطلاق اثباتا لمثل هذه المعتبرة لفرض ما إذا شك في التذكية وكان المشكوك مستوردا من بلاد الكفر مثلاً.
الوجه الثاني: قد يقال بأن هذا الاطلاق لو تم في معتبرة جعفر ابن محمد ابن يونس فإن الاطلاق مقيد بعدة روايات:
الرواية الأولى: صحيحة سليمان ابن جعفر الجعفري عن أبي الحسن : «سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فراء لا يدري اذكية هي ام غير ذكية ايصلي فيها؟ قال: نعم، ليس عليكم المسألة، إن ابا جعفر كان يقول: ان الخوارج ضيقوا على انفسهم بجهالتهم ان الدين أوسع من ذلك».
فقد يقال: أن هذه الرواية حيث قيدت جواز الصلاة بما يشترى من السوق، والمنصرف من السوق سوق المسلمين. إذاً مقتضى مفهوم هذه الرواية تقييد إطلاق معتبرة جعفر ابن محمد ابن يونس.
ولكن اجبنا عن ذلك بأن الرواية لا مفهوم لها، إذ المفروض ان السوق ورد في سؤال السائل، قال: «سالته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فراء، فإذا كان السائل قد افترض ان المشترى من السوق أي سوق المسلمين فإن الامام اجاب على مقتضى فرض السؤال، والجواب على مقتضى فرض السؤال ليس جملة شرطية او وصفية كي ينعقد لها مفهوم، فيقال: عن لم يكن مشترى من السوق فلا تجوز الصلاة فيه كي نقيد بهذا المفهوم اطلاق مفهوم معتبرة جعفر ابن محمد ابن يونس.
الرواية الثانية: صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله ع: قال: تكره الصلاة في الفراء الا ما صنع من ارض الحجاز او ما علمت منه ذكاة». يعني علمت ذكاته.
ووجه الاستدلال بهذه الرواية على التقييد، مؤلف من عنصرين:
العنصر الأول: المراد بالكراهة ليست بالمصطلح الأول بمعنى الحزازة، وإنما المراد بالكراهة: المبغوضية، «تكره الصلاة في الفراء» يعني الصلاة في الفراء مبغوضة إلا ما صنع في ارض الحجاز او ما علمت منه ذكاة.
العنصر الثاني: إن قوله: «الا ما صنع في ارض الحجاز»، قد يتوهم انه في صنعه في ارض الحجاز موضوعية. بمقتضى ان الاصل في العناوين الاحترازية والموضوعية، فيقال: ظاهره أن للصنع في ارض الحجاز موضوعية.
ولكن صحيح ان الاصل في العناوين الاحترازية، ولكن ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك، والقرينة هي المقابلة، حيث قال: إلا ما صنع في أرض الحجاز او علمت ذكاته. فإن المقابلة بين العلم بالذكاة او الصنع في ارض الحجاز قرينة على ان المقصود انه: الصلاة في الفراء لا تصح الا إذا علمت تذكية او قامت امارة على التذكية. فالصنع في ارض الحجاز لا موضوعية له وإنما هو عبارة عن كناية عن قيام امارة على التذكية بمقتضى المقابلة بينه وبين العلم بالتذكية، فكأنه قال: إما ان تعلم تذكيته او تقوم إمارة على التذكية، وإلا لا تصح الصلاة فيه. بالتالي يكون منطوق هذه الرواية مقيدا لإطلاق معتبرة جعفر. بأن يقال: انما تصح الصلاة إذا كان معلوم التذكية أو قامت امارة على تذكيته.
ولكن اجيب على هذه الدعوى: مؤلف من مقدمتين:
المقدمة الاولى: إن ظاهر النصوص الشريفة إن هناك فرقاً بين فراء الحجاز وفراء العراق. والوجه في ذلك: ان اهل العراق في ذلك الزمن كانوا يستحلون الميتة، بمعنى انهم يرون ان دباغها طهارة له، فحتى لو كانت ميتة معلومة إذا طبغت طهرت، فلأجل ذلك _اي لأجل ان هذا هو المعهود عندهم_ وردت عدة نصوص باجتناب فراء العراق في الصلاة تجتنبا عن هذا المحذور.
رواية ابي بصير: سألت أبا عبد الله : في الصلاة في الفراء، «قال: كان علي ابن الحسين ع رجلا صردا فلا تدفئه فراء الحجاز لأن دباغتها بالقرض فكان يبعث على العراق فيأتى مما قبلهم بالفرو فيلبسه، فاذا حضرت الصلاة القاه والقى القميص الذي تحته _بلحاظ سراية الرطوبة_ فكان يسال عن ذلك، فقال: إن أهل العراق يستحلون لباس جلود الميتة ويزعمون أن دباغه ذكاته».
ومنها: رواية عبد الله ابن سنان، قال: سمعت ابا عبد الله يقول: «أُهدِيت لأبي «ابو جعفر ع» جبة من فرو العراق فكان إذا أراد ان يصلي نزعها فطرحها».
فيُفهم من هذه النصوص الشريفة: أنّ هذا المعهود من فراء العراق أوجب تحفظا من الصلاة في فراء العراق وعدم التحفظ من الصلاة في فراء الحجاز وبالتالي فقوله : إلا ما صنع في أرض الحجاز ليس خارجا عن الاحترازية والموضوعية بل هو وارد على سبيل الاحتراز بلحاظ فراء العراق.
المقدمة الثانية: أنه لا اشكال في جواز فراء العراق، كما لا اشكال في جواز لبسها والصلاة فيها، تكليفا يجوز ذلك باعتبار انها سوق المسلمين، فبما ان سوق المسلمين في العراق امارة على التذكية فلو كنا ونحن والحك الشرعي لكان مقتضى إمارية سوق المسلمين في العراق شراء الفراء والصلاة فيها. إذاً فهذه قرينة على ان ما كان يصنعه زين العابدين ع وابنه الباقر ع على سبيل الاحتياط لا ان الحكم الشرعي هو ذلك، فبما انه على سبيل الاحتياط فهذه قرينة على ان لفظ «تكره» في الرواية ليس إلا بمعنى الحزازة التكليفية ولس بمعنى الحرمة الوضعية او المبغوضية. فكأنه قال: احتط لنفسك فلا تصل في أي فراء الا ما كان من فراء الحجاز أو علمت تذكيته. ولا اقل من احتمال ذلك احتمالا عرفيا فيمنع من ظهور الرواية باشتراط الصلاة في ثوب باحراز تذكيته وجدانا او بإمارة.
الرواية الثالثة: موثقة اسماعيل ابن الفضل: قال: «سالت ابا عبد الله : عن لباس الجلود والخفاف والنعال والصلاة فيها إذا لم يكن من ارض المصلي؟ فقال : أمّا النعال والخفاف فلا بأس بها» وسكت.
فادعي: ان سكوته عن حكم لباس الجلود في الصلاة مع اشتمال السؤال عليه شاهد على انه لا يتحد مع النعال والخفاف في جواز الصلاة فيها إذا كانت مجلوبة من أراضي الكفار.
فمحصل مدلول الرواية: أن الجلد المستورد من بلاد الكفر لا تجوز الصلاة فيه ما لم يحرز تذكيته. فيكون مفاد الرواية مقيدا لإطلاق رواية محمد ابن جعفر ابن يونس.
الجواب عن ذلك: إن مجرد السكوت عن بيان حكم لباس الجلود ليس ظاهراً في حرمتها في الصلاة، بل لعلّ عدم ذكر حليتها في الصلاة لأجل الكراهة في الصلاة فيها، أو لأجل مطلوبية الاحتياط، وبالجملة فمجرد السكوت عن ذكر حكم الجلود مجرد السؤال عنها ليس ظاهرا عرفا في حرمتها.
ومما يؤيد ذلك: ما ورد في صحيحة البزنطي: عن الرضا : قال: «سألته عن الرجل يأتي الخفاف فيشتري الخف لا يدري ذكي هو ام لا؟ قال: نعم، أنا اشتري الخف من السوق ويصنع لي واصلي فيه وليس عليكم المسألة».
وفي رواية ابن الجهم: قلت: لابي الحسن الرضا : أعترض السوق فاشتري خفّاً لا أدري اذكي هو ام لا؟ قال: صل فيه، قلت: والنعل؟ قال: مثل ذلك، قلت: إن اضيق من هذا؟ قال: أترغب عمّا ابو الحسن يفعله «الكاظم ع».
فيقال: ان ظاهر هذه الرواية المتعرضة للخف، أن الخف ليس مورد الاحتياط كما في الفراء، فالخف ليس موردا للاحتياط متى ما اشتري من سوق المسلمين لبس وصلي فيه بينما الفرو ما لم يكن من أرض الحجاز وأمثالها فمقتضى الاحتياط: اجتنابه. فلعل سكوت الامام ع في هذه الرواية وهي موثقة اسماعيل ابن الفضل عن ذكر حكم الخفاف لأجل أنه معرض للاحتياط.
أو فقل: لأجل أنّ العامة ذهبوا الى الجواز إذا كان محتمل التذكية فلأجل ذلك سكت الامام عن بيان الحكم تقية. فلعل الامام ع يريد الحلية ولكنه لم يذكر ذلك تقية لأجل ان مذهب العامة على الحرمة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo