< قائمة الدروس

الأستاذ السيد منير الخباز

بحث الفقه

36/12/14

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الخلل الواقع في الصلاة

ما زال الكلام: في من صلّى في الخيط المغصوب، وأن مورد الكلام: هل أنّ الغاصب يجب عليه الرد على كل حال وان تلف المال المغصوب ام أنه يعتبر المال في معرض التلف تالفا عرفا والتالف يجوز التصرف فيه. وذكرنا المناقشة في هذين الاحتمالين.
الاحتمال الثالث: أن يقال: أنّ مقتضى قاعدة العدل والانصاف: تقويم المال المغصوب على الغاصب وخروجه عن ملك مالكه.
بيان ذلك: ان الغاصب اقحم في داره مثلا خشبة الغير، او اقحم في سيارته مثلا جهازا للغير، او اقحم في ساتر عورته خيطا للغير.
فهنا يدور الامر بين حق المالك في ان لا يضيع ماله ببقاءه تحت يد الغاصب، وبين حق الغاصب في أن يكون حر التصرف في ملكه المشتمل على المال المغصوب، حيث لا يمكن رد المال المغصوب لمالكه لكونه في معرض التلف، ولا يمكن ابقاءه فإن هذا يعني حبس الغاصب عن جميع التصرفات في ملكه باعتبار اشتماله على المال المغصوب.
فهنا يرى المرتكز العقلائي: ان مقتضى الجمع بين الحقين: حق المالك في ان لا يضيع ماله، وحق الغاصب في ان يتصرف في ملكه، ان يقوم المال المغصوب على الغاصب، فيقال: ما قيمة الخيط الآن ان لم يكن مغصوبا؟ فتحدد قيمته فعلا لو لم يكن مغصوبا، فاذا قوم بذل الغاصب قيمته لمالكه ودخل المغصوب في ملك الغاصب، وبذلك يسوغ له التصرفات في ملكه وتصح صلاته. إذن في مثل هذا الفرض يقال: المال المغصوب باق على ملك مالكه، غاية ما في الامر أنّ بناء العقلاء على قاعدة العدل والانصاف يلزم المالك والغاصب بمسألة تقويم المال المغصوب.
الاحتمال الرابع: عند المراجعة للمرتكز العقلائي يرى: أن الغاصب وإن اشتغلت ذمته بقيمة المال المغصوب بسبب كون المال المغصوب في معرض التلف، الا ان المالك تبقى له السلطنة التامة على المال المغصوب الى أن يبذل الغاصب له الغرامة، فاذا بذل الغاصب له الغرامة فلا سلطنة للمالك على ماله. هنا نقول: لعل العقلاء يرون ان الغرامة بدل عن العين نفسها، فتخرج العين عن ملك المالك وتدخل في ملك الغاصب. ولعلهم يرون ان المال المغصوب يبقى على ملك مالكه، لكن لا سلطنة له عليه بعد بذل الغرامة، فمع الشك نقتصر على القدر المتيقن، فنقول: القدر المتيقن بعد بذل الغرامة من قبل الغاصب ان لا سلطنة للمالك على ماله. خرج عن ملكه ام لم يخرج، هذا لا نستيطع احرازه، لكن القدر المتيقن من بناء العقلاء ان الغاصب اذا بذل الغرامة لم تبق للمالك سلطنة على المال. فمقتضى هذا المرتكز: صحة صلاة الغاصب في هذا الساتر المشتمل على الخيط المغصوب نتيجة لبذله الغرامة. وكذلك في الوضوء كما ذكرنا، لو ان شخصا غصب ماءً وتوضأ به وبقي بلل من هذا الماء في كفه هل يستطيع ان يمسح به ام لا؟ قلنا: متى ما بذل الغرامة لمالك الماء صارت له سلطنة على الماء فيصح له المسح به ويكون الوضوء صحيحا.
هذا تمام في هذه الصورة، وهي صورة ما اذا كان المغصوب عينا في معرض التلف.
الصورة الثالثة: وهي: ما اذا كان المغصوب صفة او هيئة، كما اذا قام الغاصب وغصب صبغا للغير فصبغ به ساتر العورة، وفرض انه لم يبق من الصبغ الا لونه - الصفة - فصلى في ساتر العورة المتلون بلون مغصوب، او بناء على ملكية الهيئة كما سيأتي بحثه:
لو ان شخصا قام بخياطة قماش معتقدا ان القماش له، فبناء على ملكيته للهيئة ملك هذه الهيئة التي احدثها بالخياطة وان لم يكن القماش ملكا له، فاذا قام هذا الشخص وصلى بهذا المخيط مع انه لا يملك هذه الهيئة، فإنه يقال: صلى في المغصوب. الا ان المغصوب هو الصفة والهيئة وليس عينا من الاعيان.
ولأجل تنقيح هذه المسالة نذكر عدة مطالب تعرض له الاعلام:
المطلب الأول: ما ذكره سيد المستمسك «قده» في نفس المسألة «ص287، ج5، المستمسك»: قال: قام المرتكز العقلائي على أن تولد شيء من شيء يوجب الحاقه به في الإضافة. سواء كان المتولد عينا كالثمرة فإنها تلحق الشجرة فمن ملك الشجرة ملك الثمرة ومن ملك البقرة ملك ولدها، ومن ملك الدجاجة ملك بيضها، او كان المتولد أثرا لا عينا من الاعيان سواء كان الاثر عينيا كالصبغ، كما لو صبغ جدارا ولو لم يكن هذا الجدار ملكا لاحد فانه اذا صبغه فان الاثر الحاصل في الجبل المصبوغ يكون ملكا للصباغ. او كان الأثر هيئة: كمن ملك قماشا لا يملكه احد، فخاطه ثوبا، فان هذه الهيئة الحاصلة من خياطته تكون ملكا له، فالمرتكز العقلائي قائم على انه اذا تولد شيء من شيء لحق المتولد ما تولد منه في الاضافة.
ولكن هل هذا المرتكز عام وفي جميع الموارد ام لا؟.
ذكر سيد المستمسك: ان ظاهر كلماتهم في كتابي «الغصب والفلس» أن الصفة إنما تكون ملكا اذا اوجبت زيادة في المالية لا مطلقا. فلو ان شخصا اخذ ثوب الغير واحدث فيه صفة، فان كانت هذه الصفة توجب زيادة في مالية الثوب كأن صبغه صباغة ناضرة بحيث زادت مالية الثوب، فحينئذ تكون هذه الهيئة ملكا لمن احدثها، اما اذا افترضنا ان وجود الهيئة كعدمها، وان احدث هيئة الا انه لم تزد مالية الثوب الذي احدث فيه هذه الهيئة فهو لا يملك شيئا، إذن انما تكون الهيئة تابعة لمن احدثها اذا اوجبت زيادة في مالية الموضوع والا فلا اثر لهذ الاحداث بل يكون العمل لغوا.
فقال «ص287»: إن الغاصب اذا احدث في العين صفة محضة كالصياغة. او عينية كاللون، فليس له مطالبة المالك بشيء، وكذا المفلَّس اذا اشترى عينا فاحدث فيه صفة محضة او عينية ثم افلس جاز للبائع اخذها وليس للغرماء فيها شيء، بل عدم الاستحقاق بمجرد احداث صفة لا تزيد في مالية العين ينبغي ان يعد من الضروريات. ما دامت هذه الصفة لا توجب زيادة في المالية فلا ملك ولا حق لمن احدث الصفة فيها، هذا ينبغي ان يعد من الضروريات.
ثم اضاف «ص288»: بل الذي يظهر من الجواهر الاتفاق على عدم استحقاق الغاصب شيئاً وإن زادت المالية. وان احدث صفة ذات مالية - بحيث زادت مالية الثوب مع ذلك لا حق له في شي -. من دون فرق بين الصفة المحضة كالصياغة والعينية كاللون. نعم له حق اذا كان عين من الاعيان، كما لو زرع الغاصب نبتة في ملك الغير فان النبتة تبقى ملكا للغاصب وإن زرعها في ارض الغير، اما اذا لم يكن ما احدثه عينا من الاعيان بل كان صفة عينية او محضة فليس له شيء وان زادت المالية. بل قيل ايضا بذلك _بنفس هذا المبنى في الغاصب - في المفلّس، وقد اختاره في الجواهر حاكيا له عن العلامة في «القواعد» خلافا لما في «الشرائع، والتذكرة». ان المفلس قاسوه على الغاصب.
المطلب الثاني: وهو المهم تنقيحه: هل أن الهيئة تملك ويبذل بإزائها المال ام لا؟ فلو فرضنا ان شخصين اشتركا، أحدهما بذل القماش والاخر بذل الصفة وهو ان جعل القماش ثوبا مخيطا، فهل يكونان شريكين لان من احدهما القماش والآخر الصفة، وبتعبير الحكمة من احدهما العلة المادية ومن احدهما العلة الصورية، فهل يكونان شريكين في العين او شريكين في المالية ام لا؟ فانه اذا تنقح هذا المطلب عرفنا ان من حاز الصفة هل غصب ام لم يغصب؟
فلو فرضنا انه: قام المالك - مالك الثوب - وغصب صبغا من شخص وصبغ به الثوب ولم يبق من الصبغ الا اللون، الا الصفة، الا الهيئة، فهو إنما يعد غاصبا اذا بقيت الصفة على ملك المالك او اجبر شخصا ان يصنع في ثوبه صفة معينة، فانه يعد غاصبا اذا قلنا بان الصفة تملك ويبذل بإزائها المال.
وقد تعرض له الاعلام في «بحث المعاملات» في عدة فروع:
من هذه الفروع: بحثهم في حقيقة الارش: حيث بحث ذلك الشيخ الاعظم «قده» في «خيار العيب» حقيقة الارش فإن من اشترى سلعة ووجدها معيبة فانه مخير بين الرد والمطالبة بالارش، فهل الارش المقابل لصفة الصحة والسلامة هل هو على خلاف القاعدة؟ اي حكم تعبدي. او ان الارش على طبق القاعدة؟ واذا كان الارش على طبق القاعدة فهل ان الصفة تملك وتقابل بالمال ام لا؟.
فهنا عندنا ثلاثة اقوال:
القول الاول: ما ذهب اليه الشيخ الاعظم من ان الارش حكم تعبدي اي ان الارش قامت عليه الإجماعات والنصوص، فنتيجة لقيام الاجماعات والنصوص على ذلك قلنا بالارش وهو خلاف القاعدة، كما في صحيحة زرارة: «الوسائل، باب 16 من ابواب الخيار، حديث2» قال فيها: [ويرّد عليه - على المشتري - بقدر ما ينقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك لو لم يكن به]
القول الثاني: الارش على طبق القاعدة، الارش امر عقلائي وليس امرا تعبديا، وما ورد من الروايات ما هو الا ارشاد الى ما قام عليه المرتكز العقلائي في مسألة الارش. ولكن اذا قلنا ان الارش على طبق المرتكز العقلائي فهل يعني ذلك ان صفة الصحة تملك وتقابل بالمال، ام لا ملازمة بين الامرين، يعني لا ملازمة بين ان نقول ان الارش على طبق القاعدة وبين ان نقول: ان الصفة مملوكة ويبذل بإزائها المال.
فهنا: عدة تصورات:
التصور الاول: ما اشار اليه السيد اليزدي «قده» في حاشته على المكاسب: من أن المنظور في البين الانحلال. فكما ان البيع ينحل الى بيوع بلحاظ اجزاء المبيع ينحل الى بيوع بلحاظ اوصاف المبيع، فاذا افترضنا ان المبيع ذو اجزاء كالبيت المؤلف من عدة اجزاء او دورة الكتاب المؤلف من عدة اجزاء، فان البيع ينحل الى بيوع متعددة بحيث يقابل كل جزء جزء من الثمن، فكما ان البيع ينحل الى بيوع بلحاظ اجزاء المبيع ينحل الى بيوع بلحاظ اوصاف المبيع، فجزء من الثمن مقابل ذات السلعة وجزء من الثمن مقابل وصف الصحة.
إذن مقتضى هذا التحليل العقلائي: ان المشتري اذا وجد المبيع معيبا فان البيع قد انفسخ بلحاظ وصف الصحة وان بقي البيع بلحاظ ذات الموصوف، الا انه بلحاظ وصف الصحة انفسخ لان هذا الوصف ليس موجودا وبالتالي: يترتب على هذا التحليل أن المشتري يطالب بجزء من نفس الثمن الذي دفعه، لان الثمن دفعه مقابل امرين: موصوف ووصف، وحيث تخلف الوصف فهو يطالب بنفس الجزء من الثمن الذي دفعه مقابل الوصف وليس للبائع ان يمتنع عن ذلك ويعطي الثمن من مال آخر.
قالوا هذا التصور لم يقل به احد.
التصور الثاني: ما اختاره السيد اليزدي في حاشيته على المكاسب «كتاب الخيارات، ص101»، قال: ان للمعاملة مقامين: مقام الانشاء، ومقام اللب والغرض. ووصف الصحة وان لم يقابل بالمال في المعاملة الانشائية، لان المعاملة الانشائية وقعت على ذات العين لا على العين مع وصف الصحة، الا انه بحسب اللب والواقع لوحظ وصف الصحة ضمنا مقابلا بالمال، فاذا تخلف وصف الصحة فمقتضى ذلك: ضمانه بجزء من الثمن مع انه لم يكن مقابلا بالمال في المعاملة الانشائية، لكنه حيث انه مقابل بالمال بحسب اللب والغرض فلابد من ضمانه عند تخلفه.
واشكل على السيد اليزدي بان: المعاملة الللبية والغرضية لا اثر لها لدى المرتكز العقلائي وان المرتكز العقلائي يرتب الاثار على المعاملة الانشائية.
التصور الثالث: ما ذكره السيد الامام «قده» في «ج5، ص18، كتاب البيع»: قال الارش على طبق القاعدة العقلائية، لكن لا بالتحليل الاول ولا بتحليل السيد اليزدي وانما وصف الصحة له دخل في زيادة المالية حتما لان السلعة المعيبة اقل قيمة من السلعة الصحيحة، إذن وصف الصحة اوجب زيادة المالية وان لم يقابل بالمال، فوصف الصحة وان لم يقابل بالمال لا انشاء ولا لبا الا ان وصف الصحة موجب لزيادة المالية لدى المرتكز العقلائي فاذا كان موجبا لزيادة المالية كان وجوده بمثابة العلة لاعطاء الزيادة. كان المشتري يقول: ما اعطيت الزيادة الا لانني افترضت وجود صفة الصحة، فكون وصف الصحة موجبا لزيادة المالية صار علة لاعطاء الزيادة فاذا تخلف كان اعطاء الزيادة بلا وجه ولا مبرر. فله حق المطالبة به.
والصحيح: هو التحليل الاخير الذي ذكره الاعلام، منهم المحقق النائيني وسيدنا الخوئي، وهو ان يقال:
ان الوصف على قسمين: وصف مقوم للمبيع بنظر المتعاملين، ووصف غير مقوم، فما كان وصفا مقوما للمبيع بنظر المتعاملين سواء كان وصفا ذاتيا ككون هذا الحب حنطة او شعيرا، او كون هذا الجسم سيارة، او كان وصفا عرضيا، ككون هذا القماش ثوبا او قيمصا، فإن كون القماش ثوبا او قيمصا وصف عرضي، لكنه بنظر المتبايعين مقوم للمبيع، فمتى ما كان الوصف مقوما للمبيع بنظر المتبايعين كان تخلفه موجبا لبطلان المعاملة. اي ان الوصف المقوم للمبيع بنظر المتعاملين قيد في المعاملة نفسها. فهو بنظر العقلاء قيد في المعاملة اي انه هو موضوع المعاملة بحيث اذا تخلف تبطل المعاملة.
وتارة يكون الوصف غير مقوم للمبيع: كما اذا اشترى هذا الكتاب على اساس شرط ان يكون طبعة بيروت مثلا، فإذا لم يكن الوصف مقوما للمبيع بنظر المتعاملين وإنما هو وصف كمالي، فهو ليس قيدا في المعاملة وانما هو قيد في الالتزام بالمعاملة بهذا المقدار من الثمن. فكأن المشتري يقول: المعاملة مصبها السلعة وليس الوصف، ولكن التزامي - بمعنى عدم فسخي - في المعاملة بهذا المقدار من الثمن معلق على وجود الوصف. فان وجد فانا على التزامي بالمعاملة بهذا المقدار من الثمن، وان فقد فلي الحق في رفع التزامي، اما برفع التزامي برفع المعاملة او التزامي بالمقدار المعين من الثمن.
إذن فمرجع الارش الى تخلف الشرط، لانني علقت التزامي على وجود هذا الوصف وهذا هو حقيقة الشرط، فعندما نقول: بان الشرط على طبق القاعدة العقلائية فهذا لا يعني ان الوصف يملك او يقابل بالثمن، وانما رجوع الارش الى القاعدة العقلائية بلحاظ انه من آثار تخلف الشرط، لان المشتري علق التزامه بالمعاملة بهذا المقدار من الثمن على وجود الوصف، فان لم يوجد فليس له ذلك..
نتيجة الكلام في هذا الفرع: ان ما ذكر من ان الوصف يملك ويقابل بالثمن هو أحد الاقوال في هذا الفرع، وليس هو القول المقوم لصحته او فساده.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo