< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/07/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: أصالة الاحتياط
 (2) الدوران بين الجزئية والمانعية:
 إذا تردد الشيء بين كونه جزء من الواجب أو مانعا عن الواجب فهنا يتشكل علم إجمالي بوجوب زائد متعلق إما بالتقييد بوجود ذلك الشيء أو التقييد بعدمه، وهذا العلم الإجمالي منجّز، فتتعارض أصالة البراءة عن الجزئية مع أصالة البراءة عن المانعيّة، فيجب على المكلّف الاحتياط بتكرار العمل مرة مع الايتان بذلك الشيء ومرة بدونه.
 (3) الشبهة الموضوعية للأقل والأكثر:
 قال السيد الشهيد: «كما إذا علم المكلّف بأنّ مالا يؤكل لحمه مانع في الصلاة، وشك في أن هذا اللباس هل هو مما يؤكل لحمه أولاً؟ فتجري البراءة عن ما نعيته أو تقييد الصلاة بعدمه»( [1] ).
 أقول: لا بدّ أن نفرض وجود ثوب ما ممّا لا يؤكل لحمه يقيناً ثم وجد لباس أو ثوب نشكّ أنّه من ثوب شعر البعير أو شعر القطة، فهنا تكون الشبهة موضوعية دائرة بين الأقل والأكثر، فلاحظ.
 وتوضيح ذلك: إنّ الكلام في صورة دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين من ناحية الشبهة الموضوعية التي قال المحقّق النائيني: إنّ الشيخ الأنصاري لم يتصوّر دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الشبهات الموضوعية( [2] ) والذي قال المحقّق العراقي: إنّ هذا الكلام فيه إساءة للأدب بالنسبة للشيخ الأعظم( [3] ).
 وعلى كلّ حال فنقول: إنّ التكليف إذا كان له موضوع فيمكن أن يدور الأمر في هذا الموضوع بين الأقل والأكثر من ناحية الشبهة الموضوعية، فمثلاً:
 1ـ إذا علمنا بوجود ثوب ما عندنا ممّا لا يؤكل لحمه وشككنا في ثوب آخر هل هو مصنوع من وبر البل أو من شعر الهرّ مثلاً ونحن نعلم مانعية ما لا يؤكل لحمه من صحّة الصلاة، فهنا يدور الأمر بين الأقل والأكثر من ناحية الشبهة الموضوعية والاشتباه في أمر خارجي مع كون الحكم الإلهي معلوماً.
 2ـ لو علم المكلّف أنّ السورة «في الفريضة» تجب على المكلّف الصحيح الذي لا عجلة له دون المريض أو المستعجل( [4] ) وشكّ في أنّه هل هو صحيح أو مريض. أو شكّ أنّه في عجلة أو ليس في عجلة؟ فهنا يكون شكّه في وجوب الحمد عليه فقط أو وجوب الحمد والسورة، فدار الأمر بين الأقل والأكثر للشبهة الموضوعية والاشتباه في الأمر الخارجي مع أنّه لم يشكّ في الأحكام الإلهية.
 فتدخل هاتان الصورتان في محلّ البحث، ويأتي الخلاف المتقدّم من جريان البراءة في مورد لا يجري أصل موضوعي ينقّح الموضوع كاستصحاب الصحّة أو المرض أو الاستعجال أو عدمه، فتجري البراءة عن السورة على ما تقدّم منّا من أنّ العلم الإجمالي منحلّ إلى علم بوجوب الأقل وشكّ في وجوب الأكثر وهو السورة في هذا المورد تجري فيه البراءة.
 التطبيقات:
 1 ـ قال السيد الشهيد: « لو علمنا ان ذمتنا مشغولة لشخص بدراهم لكن لا نعلم أنها عشرة أو ثمانية فيكفي دفع ثمانية دراهم، لأن التكليف بدفع الدرهمين الباقيين مشكوك فيه فتجري فيه البراءة. دون الاشتغال»( [5] ).
 2 ـ قال العلماء ومنهم السيد الخوئي (): «إذا علم بالفوات (فوات الصلاة) وشك بين الأقل والأكثر جاز له الاقتصار على الأقل وأن كان الأحوط استحبابا التكرار حتى يحصل العلم بالفراغ»( [6] ).
 3 ـ إذا علمنا بوجوب الصلاة ولكن شككنا أنها عشرة أجزاء أو تسعة كما لو شككنا في وجوب الاستعاذة حيث ذهب إليه بعضهم( [7] ). فهل تجري فيه البراءة أو قاعدة الاشتغال؟ فمن يرى أنه تجري البراءة في الأكثر الارتباطي يقول بعدم وجوبه( [8] ). ومن يرى عدم جريانها واشتغال الذمة بالواجب ولا يحصل إلا بإتيان الأكثر يقول بوجوبه( [9] )، ونحن قد اخترنا البراءة عن وجوب الأكثر لانحلال العلم الإجمالي حقيقة أو حكماً كما تقدّم.
 4 ـ إذا دار الأمر بين الأقل والأكثر من ناحية الشرط فقال السيد الشهيد الصدر كاشتراط الإيمان في عتق الرقبة فتجري البراءة عن وجوب الشرط، لأن مرجع الشرطيّة إلى تقييد الواجب بقيد زائد، وهو من الدوران بين الأقل والأكثر بلحاظ ما يدخل في العهدة، وهذا يعني انحلال العلم الإجمالي انحلالاً حقيقيّاً إلى علم تفصيلي بالأقل وشك بدوي بلحاظ ما يدخل في العهدة، فتجري البراءة عنه( [10] ).
 5 ـ قال الشهيد الصدر: «إذا علم المكلّف بأن ما لا يؤكل لحمه مانع في الصلاة وشك في ان هذا اللباس هل هو مما يؤكل لحمه أولا؟ فتجري البراءة عن ما نعيته أو عن تقييد الصلاة بعدمه»( [11] ).
 أقول: لأجل تصحيح هذا التطبيق وكونه شبهة موضوعية دائرة بين الأقل والأكثر لابدّ من افتراض وجود ثوب ما، نقطع أنّه من جلد ما لا يؤكل لحمه ثمّ ثمّ نشكّ في ثوب آخر أنّه من جنس ما لا يؤكل لحمه أو جنس ما يؤكل لحمه فيكون شكّا بين الأقل والأكثر في الشبهة الموضوعية.
 6 ـ قال السيد الخوئي () «إذا علم أن أحد الشخصين أعلم من الآخر وعلم الاختلاف وجب الفحص عن الأعلم (لأجل أن يعمل بفتواه)... ومع عدم معرفة الأعلم يختار من كان احتمال الاعلمية فيه أقوى منه في الآخر...»( [12] ).
 7ـ إذا دار أمر المكلّف بين القصر والتمام، فإنّ المكلّف بعد التشهد يدور أمره بين أن يجب عليه السلام أو يكون السلام مانعاً، فهنا يجب عليه الاحتياط باتيان صلاة قصراً وصلاة تماماً.
 8ـ قال السيد الخوئي: «إذا علم أنّ الشارع جعل وجوبين بنحو التعين مثل وجوب إنقاذ الغريق، فلو أنّ غريقين في الماء ويتمكّن المكلّف من انقاذهما معاً فقد جعل الشارع عليه انقاذ كل منهما... فإذا لم يقدر المكلّف إلّا على انقاذ أحدهم... [فإذا] احتملنا كون من على جهة اليمين نبيّاً فلا محيص عن سقوط اطلاق الآخر بخصوصه وبقاء اطلاق الأهم ... ومقتضى القاعدة هنا هو البناء على التعيين دون التخيير...فإنّه شكّ في سقوط التكليف بعد العلم بالجعل.
 ولو أتى بخصوص محتمل الأهمّية يقينا برئ [يقيناً] إمّا لأنّه مطلق أو مشروط بعدم الاتيان بالآخر، بخلاف ما لو أتى بغيره فإنّه يحتمل أن يكون عاصياً للأهم لاحتمال إطلاقه.
 وبعبارة أخرى: سقوط الاطلاق في طرف المهم قطعي، وسقوط الاطلاق في طرف الأهم غير معلوم»( [13] ).


[1] ـ بحوث في علم الأصول 5: 365..
[2] ـ راجع فوائد الأصول4: 66.
[3] ـ راجع نهاية الأفكار القسم الثاني من الجزء الثالث: 409.
[4] ـ أو الخائف من شيء إذا قرأها ومن ضاق وقته، فإنّه في هذه الأمور يجوز عدم قراءة السورة.
[5] ـ راجع بحوث في علم الأُصول 5 / 356 وص 325.
[6] ـ منهاج الصالحين / ج 1 / 202 (مسألة 728).
[7] ـ نسب إلى الشيخ أبي علي ولد الشيخ الطوسي، انظر الذكرى: 3 / 331 ومال إليه العلامة المجلسي، بحار الأنوار: 82 / 6 كتاب الصلاة باب 23.
[8] ـ كالشيخ الأنصاري: انظر فرائد الأُصول: 2 / 317.
[9] ـ كصاحب الكفاية في حاشيته على الفرائد.
[10] ـ بحوث في علم الأُصول 5 : 352 و 365.
[11] ـ بحوث في علم الأُصول 5 : 352 و 365.
[12] ـ منهاج الصالحين ج 1 : 6، مسألة 9 بتصرف.
[13] ـ غاية المأمول من علم الأصول2: 416و417.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo