< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/07/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: أصالة الاحتياط
 بل وكذا في محلّ كلامنا وهو ما إذا احتملنا المزيّة لأحدهما الخاص على الآخر، كما إذا احتملنا أنّ الغريق الذي على الجهة اليمنى هو نبيّ أو مرجع فهنا لا فحص عن سقوط فعلية الدليل الآخر أي يسقط إطلاق الدليل الآخر بخصوصه ويبقى إطلاق محتمل الاهمّية فيكون فعلياً دون الآخر وهو غير محتمل الأهمّية، فتكون القاعدة هنا البناء على التعيين دون التخيير، لأنّ الشكّ هنا هو شكّ في سقوط التكليف بعد العلم به وهو يقتضي الاحتياط.
 وبهذا نفهم: أن كل دوران للأمر بين التعيين والتخيير في مقام الامتثال لأجل التزاحم وكان احدهما معلوم الأهمية أو محتمل الأهميّة فيجب فيه الاحتياط بالحكم بالتعيين.
 أقول هذا الكلام يختلف عن كلامنا السابق الذي هو الشك في كيفية( [1]
  [2] ) الجعل فان هذا الكلام يكون الشك من جهة المزاحمة الخارجية مع أطلاق الخطابين في مرحلة الجعل واحراز ملاك كلا الحكمين «لا الشك في كيفية الجعل الذي يكون مع عدم الأصل اللفظي» أي ان المكلف علم أن الشارع قد جعل عليه وجوبين بنحو التعيين قطعا مثل وجوب إنقاذ الغريق، ولكن لو وجد غريقان ولم يتمكن المكلف من إنقاذهما معا وتمكن من إنقاذ احدهما، فأن كان متساويين تخيّر وان كان احدهما عالما أو احتمل كونه عالما فهنا يجب الاحتياط لأنه لو أنقذ العالم فقد برئت ذمته يقينا اما لأنه تكليف مطلق أو مشروط بعدم الإتيان بالآخر، اما لو جاء بإنقاذ غير العالم أو غير محتمل العالمية فانه يحتمل ان يكون عاصيا للأهم أو لمحتمل الأهمية فلاحظ.
 ثم ان هناك بحث لدوران الأمر بين التعيين والتخيير في الحجيّة كما إذا شككنا أن تقليد الأعلم للعامي العاجز عن الاحتياط واجب تعييني أو تخييري بين الأعلم وغير الأعلم، فهنا أيضاً لابدّ من الاحتياط بتقليد الأعلم وذلك: لأن ما علم حجيته وهو تقليد الأعلم قاطع للعذر في مقام الامتثال ومبريء للذمة يقينا، اما الطرف الآخر وهو تقليد غير الأعلم فهو محكوم بعدم الحجية عقلاً وشرعا لما ذكر في أول بحث الحجيّة من أن الشك في الحجية في مقام الجعل مساوق للقطع بعدمها، وهذا هو معناه الحكم بالتعيين( [3] ).
 أو نقول: ان فتوى الأعلم حجة قطعاً، اما لأنها حجة بخصوصها أو لأنها أحد طرفي التخيير، اذلا يحتمل تعيّن تقديم فتوى غير الأعلم على فتوى الأعلم أصلا، اما فتوى غير الأعلم فلا يعلم حجتيها بل هي مشكوكة والشك في الحجية يساوق القطع بعدمها.
 تنبيهات:
 (1) الأقل والأكثر في المحرمات: كما إذا علم بحرمة تصوير رأس الحيوان أو تصوير كامل حجمه.
 وحال هذا كحال دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الواجبات، لكن كان وجوب الأكثر هو الأشدّ مؤنة هناك، اما هنا فحرمة الأكثر تكون هي الأخف مؤنة لأنه يكفي في ترك الحرمة ترك أي جزء من الأكثر، فحرمة الأكثر تكون هي المتيقنه كوجوب الأقل في باب الواجب.
 فهنا البراءة عن حرمة الأقل لا تعارض البراءة عن حرمة الأكثر لأن فعل المجموع يعلم بحرمته على كل حال فهو مخالفة قطعية لا يمكن الترخيص فيها.
 وبعبارة أخرى واضحة نقول: إنّ دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين في المحرمات حاله حال دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين في الواجبات حيث تجري البراءة كما جرت في الواجبات عن الأكثر، إلّا أنّ حال الأقل هنا في المحرمات هو حال الأكثر في الواجبات وحال الأكثر هنا في المحرمات حال الأقل في الواجبات أي في حال الوجوب إذا تردد بين التسعة والعشرة أجزاء «أو في الشرائط» كان يجب عليه الاتيان بالأقل وهو الصلاة ذات التسعة أجزاء وترك الجزء العاشر «وهو جلسة الاستراحة أو السورة الكاملة بعد الحمد مثلاً» فتجري البراءة في الجزء العاشر، أمّا في فرض دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الحرمة فيحرم الإتيان بالأكثر وهو التصوير التام للإنسان وتجري البراءة عن حرمة التصوير الأقل وهو تصوير الرأس فقط، ولا تجري البراءة عن حرمة تصوير المجموع، لأن البراءة عن تصوير المجموع لا تعذّر من أتى بالمجموع لثبوت المخالفة القطعية بإتيان المجموع.


[1] ـ فالشكّ في كيفية الجعل مع عدم الأصل اللفظ، والعلم بالتكليف فإنّه يدور بين التعيين بالأقل أو التخيير بين الأقل والأكثر فهناك قد أجرينا البراءة عن التعيين لانحلال العلم الإجمالي بجريان البراءة في التعيين دون التخيير، لأنّ الأصل العملي يؤمّن من الضيق وهو التعيين، أمّا التخيير فلا معنى لجريان البراءة والتأمين عنه لأنّه ليس فيه ضيق على المكلّف ما دام مخيّرا بين التعيين والتخيير.
[2] أمّا هنا فالكلام في وجود أصل لفظي وهو وجوب الانقاذ للغريق وهو مطلق في انقاذ هذا الغريق أو انقاذ ذاك الغريق، فأحرز الخطابان والملاكان، ولكن لو لم يتمكّن من إنقاذهما معاً للتزاحم فإن كان أحدهما معيّن الاهمّية أو محتملها فيجب الاحتياط لأنّ الشك يكون في سقوط التكليف بعد العلم به وهو مجرى البراءة، وإلّا فالتخيير.
[3] ـ راجع مصباح الأُصول: 2 / 457.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo