< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/06/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: أصالة التخيير
 كما في المرأة التي تشك في حيضها، فيدور الأمر بالنسبة إلى دخولها في المسجد الحرام في الحج بين الوجوب والحرمة، فان الوجوب هنا - لو كان - فهو تعبدي( [1] ). وهذا المقام يشمل ما إذا كان كلا الأمرين تعبديّا أيضاً.
 أقول: ذكر الشيخ الأنصاري من أمثلة دوران الأمر بين المحذورين حيث يكونا تعبّدين ما إذا تردد شيء بين كونه شرطاً للصلاة أو مانعاً لها، مثل ما إذا تردد المكلّف بين وجوب القصر عليه فحينئذ يكون السلام على الركعتين شرطاً لها والقيام للركعتين الأخريين مانعاً لهان وبين وجوب الإتمام عليه فحينئذ يكون السلام على الركعتين مانعاً، والقيام إلى الركعتين الأخريين شرطاً.
 وأشكل عليه السيد الخوئي فقال ما حاصله: إنّ هذا المثال لا يكون مثالاً لدوران الأمر بين المحذورين مع وحدة الواقعة وكلاهما تعبديان، وذلك لإمكان أن تتعدّد الواقعة فيصليّ قصراً ثمّ يصليّ تماماً، فالاحتياط ممكن وهذا يخرجه عن مسألتنا التي يكون فيها الاحتياط غير ممكن لأنّ مسألة القصر والتمام قد جاء الأمر بالصلاة على الطبيعة المشكوك تقيّدها بالسلام على ركعتين أو بالسلام على الأربع، وحينئذ تكون الموافقة القطعية فيها ممكنة بإتيان فردين من الطبيعة أحدهما يلّم على ركعتين وثانيهما على الأربع، فحينئذ يكون العلم الإجمالي منجّزاً لإمكان الموافقة القطعية بفردين، فلا ينتهي الأمر إلى التخيير لأنّ التخيير فرع عدم إمكان الموافقة القطعية.
 أقول: نعم لو كان الوقت ضيّقاً إلّا عن صلاة واحدة فهنا يتخيّر في تطبيق ما يأتي به في الوقت على أحد الفردين ويكون مثالاً لما نحن فيه لأنّ السلام على الركعتين إمّا شرط أو مانع وكلاهما تعبّدي ويمكن المخالفة القطعية بترك السلام على الاثنين وعلى الأربع مثلاً، فيكون العلم الإجمالي منجّزاً لحرمة المخالفة القطعية ولا يصحّ ما ذكره السيد الخوئي في صورة كون الوقت ضيّقاً، حيث قال يصلّي أحد الصلاتين في الوقت ثمّ يقضي الثانية خارج الوقت فتمكّن من الاحتياط، لأنّ كلامنا في دوران الأمر بين المحذورين وهو أمر واحد، أمّا أمر القضاء فهو أمر جديد لا ربط له بالأمر الأوّل الأدائي الدائر بين كون السلام على الركعتين شرطاً أو مانعاً، إذ لا يجب عليه القضاء لأنّ القضاء ليس طرفاً للعلم الإجمالي، فإنّ أطرافه هي الصلاة إمّا قصراً أو تماماً في الوقت، ومع إتيان واحدة منهما لا يحرز موضوع القضاء وهو الفوت إذ يمكن أن يكون الواجب هو خصوص ما جاء به، فلاحظ.
 وقد ذكر الشيخ الأنصاري أيضاً مثالاً آخر وهو ما لو تردّد الجهر في القراءة بين كونه شرطاً أو مانعاً، واعترض عليه السيد الخوئي بأنّ هذا المثال أيضاً لا يصحّ لما نحن فيه لإمكان أن يصلّي صلاتين يجهر في أحدهما ويخفت في الأخرى وينوي الجزئية بما هو الجزء واقعاً.
 أقول: الكلام فيه كسابقه فإنّه يفرض كون الوقت ضيّقاً لصلاة واحدة فيتخيّر بينهما كما تقدّم ويكون مثالاً لما نحن فيه.
 وقد ذكر الشيخ الأنصاري مثالاً ثالثاً وهو ما إذا كان مشغولاً بالنهوض للقيام وشكّ في أنّه سجد سجدتي أم قد ترك واحدة فحينئذ يمكن ان يكون شكّه بعد تفاوت المحل فيكون عوده مبطلاً ويمكن ان يكون هذا النهوض محقّقاً للتجاوز فيكون الرجوع واجباً، وقد اعترض عليه السيد الخوئي بأنّ هذا أيضاً غير صالح لما نحن فيه إذ يمكن أن يترك الصلاة رأساً ويصلّي صلاة أخرى سالمة عن ذلك الحال والشكّ، فإن قيل: إنّ هذا قطع للصلاة وهو غير جائز، فنقول إنّه لا دليل على حرمة قطع العمل إلّا الإجماع، والقدر المتيقّن منه حرمة قطع العمل الذي لو أتى به المكلّف كان مجزياً ومقامنا ليس منه إذ تجب الموافقة القطعية بينما هنا لو عاد إلى السجود وكان نهوضه تجاوزاً فيكون هذا مبطلاً للعمل ولا تحصل الموافقة القطعية مع إمكان حصولها.
 أقول: هذا أيضاً يمكن أن يكون مثالاً لما نحن فيه إذا كان الوقت ضيّقاً.
 هذا وقد ذكر السيد الخوئي مثالاً زعم أنّه مثالاً للدوران بين المحذورين التعبديين في واقعة واحدة فقال: «لو كان المكلّف مشغولاً بصوم واجب معيّن وتردد الارتماس بين كونه شرطاً لصحّة صومه لكونه جنباً أو مانعاً لأنّ الارتماس مبطل للصوم، ففي مثله تكون الموافقة القطعيّة كالمخالفة القطعيّة لا تمكن فلابدّ من الحكم حينئذ بالتخيير لتحصيل الموافقة الاحتمالية» غاية المأمول من علم الأصول2: 32-33.
 أقول: إنّ الاغتسال من الجنابة بالارتماس الذي هو شرط الصوم هو ما كان قبل الفجر للدليل الدال على أنّ البقاء على الجنابة حتّى طلوع الفجر مضرّ بالصوم، بينما الارتماس الذي يبطل الصوم هو ما بعد الفجر، فلم يكن الفعل الواحد في الزمان الواحد دائراً بين الشرط والمانع، بالإضافة إلى أنّه يتمكّن من الموافقة القطعية هنا بأن يغتسل ترتيباً لا ارتماساً، فيحصل الشرط ويزول المانع لو كان الفعل واحداّ في زمن واحد فيخرج عن موردنا الذي هو دوران الأمر بين المحذورين مع عدم إمكان الاحتياط.
 أقول: وعلى هذا تبيّن أنّه يوجد مقال لدوران الأمر بين الوجوب والحرمة في التعبديين مع وحدة الواقعة كما في مثال السلام على الركعتين هل هو شرط تعبّدي أو مانع تعبّدي «عند الشك في القصر والتمام» عند ضيق الوقت وكما في مثال التردد بين الجهر والاخفات في الصلاة هل الجهر شرط والإخفات مانع أو هل الاخفات شرط والجهر مانع؟ وكلاهما تعبّدي وكما في مثال النهوض من القيام وشكّ أنّه هل سجد سجودين أو سجدة واحدة فهو يشكّ في العودة هل إنّه واجب تعبّدي او مانع تعبّدي؟ كل هذه أمثلة لما نحن فيه عند ضيق الوقت وعدم إمكان إتيان صلاتين يقطع بالامتثال، فلاحظ.
 


[1] ـ ومثال الآخر المرأة التي لا تعلم انها حائض أو طاهر فتكون الصلاة عليها اما محرمة لاحتمال الحيض(بناء على التحريم الذاتي للصلاة على الحائض) واما واجبة لاحتمال الطهارة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo