< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/06/08

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: البراءة الشرعية
 6) من الروايات المعروفة على البراءة رواية الحلّية «كل شيء لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه من قبل نفسك، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة، أو المملوك عندك لعله حر قد باع نفسه، أو خدع فبيع قهرا، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك، والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البينة»( [1] )، وهذا الحديث ضعيف بمسعدة بن صدقة الذي لم يرد فيه توثيق، ولكنّ السيد الخوئي وثّق مسعدة بن صدقة بالتوثيق العام لأنّه روى في كامل الزيارات وتفسير القمّي فعبّر عن الرواية بالموثّقة.
 أقول: هذه الرواية بالإضافة إلى ضعفها فيه أجنبية عن البراءة الشرعية في الشبهات الموضوعية والشبهات الحكمية، بل هي تقول بمعونة ذيلها: إذا كانت عندك قاعدة اليد فإنّها مطلقة وإذا كانت عنك قاعدة الاستصحاب فإنّها مطلقة، بمعنى إذا ثبت لك حليّة شيء من الأشياء الخارجية فلا ترفع اليد عن الحليّة بوسوسة أو شكّ أو حصول ظنّ بالخلاف، بل تبقى اليد على تلك القواعد التي ثبتت عندك حتّى يستبين لك غيرها، فالثوب الذي اشتريته كان صحيحا لقاعدة اليد التي كانت للبائع على ذلك المملوك، والمرأة التي تحتك وقد تزوّجتها يكون زواجك صحيحاً لا ستصحاب عدم الاختية، وهذه الحليّة الناشئة من هذه القواعد مطلقة، فلا ترفع اليد عن الحليّة بقاءً أيضاً، فالرواية ناظرة إلى مرحلة البقاء والحلية لهذه المرحلة إذا ثبتت الحليّة بقاعدة ابتداء، فهي اجنبية عن أصالة البراءة في الشبهات الحمية والموضوعية معاً( [2] ).
 نعم، وردت روايات الحليّة بصيغة أخرى دلّت على البراءة الشرعية وهي صيغة (كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه)( [3] ). كما في صحيحة عبد الله بن سنان. وهذه تدل على أصالة الحل ولكنها مختصة بالشبهة الموضوعية لأن منشأ الاشتباه ان يكون صنفاً حلالاً وصنفاً حراما كالجبن المتخذ من الميته فيكون حراما والمتخذ من المذكى فيكون حلالاً، وكذا اللحم فإنّه ينقسم إلى الحلال وهو المذكّى والحرام وهو الميتة، وهذا لا يصدق الا في الشبهات الموضوعية لأن الشبهة الحكمية فيها ترديد( [4] ) لا تضييق.على ان كلمة (بعينه) تكون احترازا لمعرفة الحرام لا بعينه لا تأكيدا للاهتمام بالعلم بالحرمة وهذا لا يكون الا في الشبهة الموضوعية حيث يكون الحرام فيها معلوماً ولكن لا بعينه كما في موارد العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة( [5] ) فتجري البراءة فيها، وهذا يكون كثيرا في الشبهة الموضوعية بخلاف الشبهة الحكمية فان فرض العلم الإجمالي غير المحصور فيها نادر جداً( [6] ).
 وبعبارة أخرى: إنّ جملة وحتّى تعرف الحرام منه بعينه يراد منها معرفة الحرام لأمر خارجي ولا يراد معرفة الحرام المرتبطة بالألفاظ كما في الشبهة المفهومية، فالشبهة الحكمية خارجة عن مورد الحديث لأنّ معرفة الحرام فيها تكون بمعرفة مدلول اللفظ، بينما الشبهة الموضوعية مرتبطة بمعرفة أمر في عالم الخارج، فلاحظ.
 هذه هي أهم النصوص التي أستدل بها على البراءة الشرعية، وقد تبين أن الآية الأولى تامة الدلالة على البراءة وكذا رواية عبد الأعلى وعبد الصمد، الا أن الروايتين الأخيرتين إنّما تدلّان على البراءة عند تساقط أدلة البراءة والاحتياط لو تعارض فتكونا عموما فوقانيا يرجُع إليه بعد التساقط، والاّ فأن أدلة الاحتياط حاكمة عليها، لان من لم يعرف شيئاً في رواية عبد الأعلى، ومن ارتكب شيئاً بجهالة لا يصدق مع أدلة الاحتياط فلاحظ.


[1] ـ وسائل الشيعة باب 4 مما يكتسب به ح 4.
[2] ـ هناك من استدل على البراءة الشرعية في خصوص الشبهات الموضوعية وذلك لوجود قرائن:أـ وجود لفظة بعينه الظاهر عرفاً في الشيء الشخصي المتيقّن، واحتمال إرادة التأكيد من لفظ «بعينه» بعيد جدّاً لعدم موجب للتأكيد.ب ـ الأمثلة المذكورة في الرواية لها ظهور في أنّ القاعدة مختصّة بهذه الأمثلة ممّا كانت الشبهة موضوعية، فيكون من قبيل احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية.ج ـ قوله في الرواية: «أنّ الأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البينة»، فإنّ حصر دليل الحليّة بهين الدليلين وهما العلم الوجداني وشهادة عدلين المختصة بالموضوعات يدلّ على إرادة الشبهة الموضوعية، لأنّ الحكم يثبت بخبر الواحد وغيره من الأدلة الظنّية.ويرد على هذا ما تقدم في الأصل من كونها بعيدة عن البراءة الشرعية في الشبهات الموضوعية فضلاً عن الشبهات الحكمية كما تمسّك بها بعض لأنّها مطلقة كما هو عبارة صدر الحديث إذا فصلناه عن ذيل الحديث، فلاحظ.ملحوظة: أقول: لأبدّ من تحصيل هذا العموم بعدّة أمور قد ثبت من الخارج ارتفاع الحليّة بها، كالاقرار وحكم الحاكم والاستصحاب.نعم هناك قول يقول إنّ المراد من البيّنة هو معناها اللغوي أي ما يتبيّن به الشيء ويتضح فيكون المراد منها مطلق الدليل، كما في قوله تعالى: «إنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي» فمع هذا تدل الرواية على الإباحة في الشبهات الموضوعية حتّى يأتي العلم بالحرمة أو تتضح الحرمة بالدليل، وعلى هذا لا يلزم تخصيص في الرواية على هذا المعنى، لأنّ البينة المصطلحة والإقرار وحكم الحاكم والاستصحاب وغيرها من الأدلة كلّها تدخل في البينة أي الوضوح بالدليل.
[3] ـ وسائل الشيعة باب 4 مما يكتسب به ح 1.
[4] ـ فمثلاً إذا شككنا في حرمة شرب التتن فالتتن ليس مقسّماً بالفعل إلى قسم حلال وقسم حرام، بل هو مردّد بين أن يكون حلالاً أو يكون حراماً، فهو مردد أو قابل للحليّة وقابل للحرمة، فإنّه فعل اختياري يتصف بالحل أو بالحرمة.
[5] ـ الشبهة غير المحصورة يكون بعض أفرادها خارجاً عن محلّ الابتلاء، ولذا لا تكون منجّزة، بل تجري البراءة في الاطراف التي هي محلّ الابتلاء لأنّنا نشكّ فيها وفي حكمها شكّا بدوياً.
[6] ـ إنّ التقسيم العقلي للشيء إلى حلال وحرام كما في اللحم فإنّ فيه حلال وهو المذكّى وفيه حرام وهو الميتة، وكما في الجبن فإنّ فيه حلال وهو المتخذ انفحته من الحيوان المذكّى، وفيه حرام وهو المتخذ أنفحته من الميتة، وهذا مختصّ في الشبهة الموضوعية للشيء الذي نعلم حكم الحلية ونعلم حكم الحرمة، إلّا أنّ الموضوع الخارجي وهو الشيء لا نعرفه أنّه من قسم الحلال أو من قسم الحرام، إلّا أنّ هذا أيضاً يتصوّر في الشبهة الحكمية فيقال: إنّ اللحم فيه حلال وهو لحم الغنم وفيه حرام وهو لحم الأرنب، وفيه مشكوك وهو لحم الحمار، إلّا أنّ الظاهر من الحديث هو أن يكون الانقسام دخيلاً في الشكّ، وليس الأمر كذلك في الشبهة الحكمية، إذ الشكّ في حكم لحم الحمار موجود بغض النظر عن حرمة لحم الأرنب وحليّة لحم الغنم، بل إنّ الشك في حليّة لحم الحمار موجود ولا يرتبط بحلية لحم الغنم وحرمة لحم الأرنب، وإنّما هو مشتبه في نفسه، بمعنى أنّ الحرام هو حرمة لحم الأرنب وحرمة لحم الحمار أو فقط حرمة لحم الأرنب؟

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo