< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/05/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: البراءة الشرعية
 2 ـ حديث الرفع: روي عن النبي () انه قال: «رفع عن أُمتي تسعة: الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه وما لا يعلمون ومالا يطيقون وما اضطروا إليه والحسد والطيرة والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطقوا بشفة»( [1] ).
 وتقريب الاستدلال بفقرة «رفع مالا يعلمون» يتم على مرحلتين.
 الأولى: أن يكون الرفع رفعاً ظاهريا، بمعنى تامين الشاك ونفي وجوب الاحتياط عليه، في مقابل وضع التكليف المشكوك وضعا ظاهريا بإيجاب الاحتياط إتجاهه: وهذا هو المتعين بقرينة أخذ الشك وعدم العلم في لسان الدليل، ولان الرفع لو كان واقعيا فهو غير صحيح لأن الحكم لو ثبت في حق العالم فهو ثابت في حق الجاهل به أيضاً للقطع بعدم إناطة الحكم بالعلم به كما تقدم.
 وبعبارة أخرى: وهو وإن كان موجوداً في ظرف الشكّ، لاستحالة كون العلم بالحكم موضوعاً لنفس ذلك الحكم كما تقدم [2] إذ لا يمكن أن يقول لنا قائل: إذا علمت بالحكم فهو واجب وإن لم تعلم فهو ليس بواجب، إذ معنى هذا تقييد الأحكام الواقعية بالعالمين بها وهو باطل، فالشك بالحكم الواقعي لا يرفع الحكم الواقعي، بل هو موجود إلّا أنّ المكلّف غير ملزم به.
 ولكن الحكم الواقعي موجود بثقله على المكلّف أيضاً وهو الحكم الظاهري بمعنى الإتيان به احتياطاً للمحافظة على الحكم الواقعي عند الجهل به، وحديث الرفع «رفع ما لا يعلمون» امتناني لا يرفع الحكم الواقعي بوضعه الأوّل لأنّه مشترك بين العالم والجاهل، وليس في وجوده كلفة ما دام لم يُعلم، إلّا أنّه يرفع الحكم الثاني الذي هو ثقل الحكم الواقعي وهو الاحتياط، لأنّ الحكم الظاهري أيضاً بيد الشارع وضعه بواسطة الاحتياط ورفعه بواسطة البراءة، وحديث الرفع هو البراءة الذي فيه منّة على الأمّة.
 الثانية: إن الشك في التكليف تارة: يكون على نحو الشبهة الموضوعية كالشك في حرمة المائع المردد بين الخل والخمر، وأخرى: يكون على نحو الشبهة الحكمية، كالشكّ في حرمة لحم الأرنب مثلاً، وعليه فالرفع الظاهري في فقرة (رفع ما لا يعلمون) قد يقال: بعمومه لكلتا الشبهتين (الموضوعية والحكمية) وهذا الجامع له فرضيتان [3]
  [5] :
 الأولى: أن يراد باسم الموصول (الشيء) سواء كان تكليفا أو موضوعا خارجياً وهذا ما ذهب إليه صاحب الكفاية وقد اعترض عليه بأن الموصول إذا أُخذ بمعنى الشيء الجامع بين التكليف والموضوع الخارجي وأُسند الرفع إليه يلزم الجمع في الإسناد بين الإسناد الحقيقي والمجازي لأن إسناد الرفع إلى الشيء بمعنى الحكم والتكليف حقيقي ولكن إسناده إلى الشيء بمعنى الموضوع الخارجي مجازي أذلا يرتفع الموضوع الخارجي حقيقة والجمع بين الأمرين غير معقول.
 والجواب: ان الرفع في الحديث عنائيّ على كل حال إذا ليس المراد منه الرفع الحقيقي، بل المراد وهو الرفع الظاهري وهو رفع بالمجاز سواء اُسند إلى التكليف أو إلى الموضوع الخارجي والمعنى ان الكلفة والتبعة المترتبة على ما لا يعلمونه أو لا يطيقونه مرفوعة سواء كانت حكما أو فعلا أو موضوعا خارجيا [6] .


[1] ـ وسائل الشيعة باب 56 من أبواب جهاد النفس: ح 1.
[2] تقدم في قاعدة أخذ العلم بالحكم في موضوع الحكم رقم (58) المجلد الثاني.
[3] أقول: هاتان الفرضيتان متقوّمتان على كون المراد من «ما» في رفع ما لا يعلمون هو الشيء أو المراد الحكم المجعول، فإن كان المراد منها هو الشيء فالسياق موجود في جميع الفقرات في الحديث غاية الأمر أنّ هذا الشيء في رفع ما لا يعلمون يكون الحكم وفي ما لا يطيقون وما اضطروا إليه وما أكرهوا عليه يكون الفعل الخارجي، فالموضوع في الجميع هو الشيء أمّا ما ينطبق عليه الشيء يكون مختلفاً، فالسياق محفوظ.
[4] وكذا إن كان المراد من (ما) الحكم المجعول، فغاية الأمر في الشبهة الموضوعية يكون المشكوك حكمه هو المشكوك حكمه هو الموضوع الخارجي وهو المائع المردد بين الخمر وغيره، وفي الشبهة الحكمية يكون المشكوك هو أصل الحكم.
[5] نعم إذا قلنا: إنّ (ما) في رفع ما لا يعلمون مثل (ما) في رفع ما لا يطيقون وما اضطروا إليه وما أكرهوا عليه هو الفعل الخارجي، فيكون معناها هو رفع حكم الفعل الخارجي المجهول لوحدة السياق بين الجمل فحينئذ يكون الحديث بأجمعه دالاً على البراءة في الشبهة الموضوعية فقط دون الحكمية الذي هو مورد البحث، ويكون الحديث مثل حديث كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام بعينه فتدعه، أو مثل كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر.
[6] وقد يقال: إنّ المرفوع حقيقي وهو العقاب أو الآثار على تلك الأفعال، كما يمكن أن يكون المرفوع أمراً حقيقياً وهو الرفع في عالم التشريع، أي رفع الحكم عن الموضوع بمعنى نفي التشريع.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo