< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/05/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: حجية القياس:
 12ـ ذكر صاحب كتاب المنهاج الواضح في علم أصول الفقه أنّه: « أن يقال في من طلّق زوجته طلاقاً بائناً في مرض موته لئلّا ترثه، أنّه يعامل يعامل بنقيض مقصوده فيحكم بإرثها قياساً على القاتل، حيث عومل بنقيض مقصوده فحكم بعدم إرثه «وهو يريد أن يرث» والجامع بينهما كونه فعلاً محرّماً فهذا أمر مناسب إذ أنّ في ترتب الحكم عليه تحصيل مصلحة وهو نهيهما عن الفعل الحرام، لكن لم يشهد له نصّ بالاعتبار بنصّ أو إجماع، فلو لم يدل حديث «لا يرث القاتل» على هذا الحكم لكان غريباً» [1] .
 
 ملاحظة: ان هذه الأمثّلة التي مثّلت للقياس قال بها بعض أهل السنة، وخولفت من قبل بعض أهل السنة فليست هي مقبولة عند الجميع فلاحظ.
  الاستثناءات:
 هناك استثناءان من عدم حجيّة القياس وهما:
 1) قياس منصوص العلّة: «إذا علمنا ـ بطريق من الطرق ـ أن جهة المشابهة علّة تامة لثبوت الحكم في الأصل عند الشارع، ثم علمنا أيضاً، بأن هذه العلّة التامة موجودة بخصوصياتها في الفرع، فانه لا محالة يحصل لنا على نحو اليقين استنباط أنّ مثل هذا الحكم ثابت في الفرع كثبوته في الأصل لأستحالة تخلّف المعلول عن علته التامة، ويكون من القياس المنطقي البرهاني الذي يفيد اليقين»( [2] ).
 وهذا النوع من القياس لا إشكال في حجيّته عند جميع الفقهاء، فقد روى محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الإمام الرضا () أنه قال: «ماء البئر واسع لا يُفسده شيء الاّ أن يتغيّر ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه، لأن له مادّة»( [3] )، فالظاهر منه: أنّ كل ماء له مادة واسع لا يُفسده شيء، وماء البئر هو أحدُ مصاديق الموضوع العام. ولكن لا نستظهر شمول العلّة (لأن له مادّة) لكل ما له مادّة وإن لم يكن ماءُ مطلقا فلا نتعدّى إلى الماء المضاف الذي له مادّة الا بالقياس، وهو ليس بحجّة( [4] ).
 وروى عليّ بن رئاب عن الإمام الصادق () في سقوط خيار الحيوان فيمن اشترى جارية وتصرف فيها ـ أنه قال: «فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيام فذلك رضا منه، فلا شرط له»( [5] ). بناء على أن جواب الشرط هو لا شرط له، وعلتّه هو الرضا من المشتري بالبيع، فنفهم أنّ الرضا بالبيع هو علّة مستقلّة ومتعديّة، لسقوط الخيار( [6] ).
 ومن أمثلة قياس منصوص العلّة ما ذكر في روضة الناظرين حيث قال: « مثل قول النبي (ص) في الهرة أنّها ليست بنجسة لأنّها من الطوافين عليكم والطوافات، فالحكم للهرة بعدم النجاسة معلل بأنّها من الطوافين عليكم والطوافات، فحينئذ يتعدّى الحكم إلى الفأرة لأنّها من الطوافين عليكم والطوافات، فلا تكون نجسة إلحاقاً لها بالهرة، وهذا قياس جلي قال به من ينكر القياس» [7] .
 وأيضاً من القياس المنصوص العلة ما ذكه في القوانين المحكمة: «التعدّي من قوله «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» إلى وجوب غسل البدن والإزالة عن المسجد والمأكول والمشروب وغيرهما إنّما هو لأجل استفادة أنّ علة وجوب الغسل عن الثوب هو النجاسة ودليله هو الإجماع فيجب الاحتراز عنا في كلّ ما يشترط فيه الطهارة» [8] .
 كذا مثال ما إذا قال الشارع لمن شراب ماء نجسا: طهّر فمك، فنتعدّى إلى تطهير الثوب إذا تنجّس وأراد الصلاة فيه لعلمنا بأنّ العلة هي النجاسة ولا خصوصية للفم.
  • قياس الأولوية أو (مفهوم الموافقة): وهو عبارة عن كون اقتضاء الجامع للحكم في الفرع أقوى وآكد منه في الأصل، كما في النهي الوارد في كتاب الله عن التأفّف من الوالدين (ولا تقل لهما أُفٍّ)( ـ سورة الإسراء: 23.)، القاضي بتحريم ضربهما وشتمهما وتوجيه الأهانة إليهما الذي هو أشدّ إهانة من التأفّف( ـ راجع أصول الفقه 3 : 202 وراجع الأصول العامة للفقه المقارن / 317.).
 ومنه دلالة الاذن بسكنى الدار على جواز التصرف بمرافقها بطريق أولى، وهذا يقال له في عرف الفقهاء (اذن الفحوى) ومنه الآية الكريمة وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ الدال بالأولوية على ثبوت الجزاء على عمل الخير الكثير.
 ملاحظتان:
 (1) قد يقال: إن القياس المنصوص العلة وقياس الأولوية، هما من باب الأخذ بالظواهر، لأن العلة إذا كانت عامة ينقلب موضوع الحكم من كونه خاصا بالمعلَّل (الأصل) إلى كون موضوعه كلّ ما فيه العلّة. وكذا الأمر في قياس الأولوية حيث يفهم من النصّ الوارد في حرمة التأفف التعدّي إلى كل ما هو أولى في علّة الحكم( [9] ).
 ولكن المهمّ هو حجيّة ما يفهم من النصّ سواء كان بعنوان القياس المنصوص العلّة أو قياس الأولوية، أو بعنوان حجيّة الظهور، ولامشاحّة في الاصطلاح.
 (2) لاخلاف في عدم جريان القياس في الأُمور العاديّة ولا يكون حجة فيها، مثل أقل الحيض وأكثره وأقل الحمل وأكثره ونحوهما من العادات المترتبة على الخلقة والطبيعة البشرية، فلا يقاس أقل حيض فلأنه على أقل حيض فلأنة، لأن هذه الأُمور تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والزمان، فلا يكون لها ضابط يمكن تحققه في غيرها، ومن المعروف أنّ القياس مبني على وجود الجامع بين المقيس والمقيس عليه، فامتنع القياس فيها لذلك( [10] ).


[1] المنهاج الواضح2: 223.
[2] ـ أصول الفقه 3: 186 ـ 187.
[3] ـ وسائل الشيعة/ باب 3 من الماء المطلق، ح 12.
[4] ـ راجع أصول الفقه 3: 201.
[5] ـ وسائل الشيعة باب 4 من الخيار/ ح 1.
[6] ـ راجع المكاسب 5 : 100 ـ 102.
[7] الأصول العامة للفقه المقارن: 314، عن روضة الناظر وجنّة المناظر لأحمد بن قدامة المقدسي.
[8] القوانين المحمة2: 84.
[9] ـ راجع أصول الفقه 3 : 200 ـ 202.
[10] ـ أصول الفقه الإسلامي د. وهبة الزحيلي عن اللمع للشيرازي 53 والابهاج للسبكي 2 / 26.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo