< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/05/02

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: حجية القياس:
 والخلاصة: يمكن القول: بان القياس في نفسه لا يفيد العلم بالحكم لأنه لا يتكفل ثبوت الملازمة بين حكم المقيس عليه وحكم المقيس (الا في قياس منصوص العلة، بان عرفنا علة حكم الأصل، وهذه العلة بنفسها موجودة في الفرع).
 وتوضيح ذلك هناك احتمالات موجودة في كل قياس، ومع هذه الاحتمالات لا تحصل الملازمة بين حكم الأصل وحكم الفرع، وهذه الاحتمالات لا ترفع الا بورود نصّ من الشارع.
 والاحتمالات هي:
 1 ) ان يكون الحكم في الأصل معلَّلاً عند الله بعلّة أُخرى غير ما ظنّه القايس، كما إذا احتمل أنّ علة الطلاق للمدخول بها في سنيّ الحيض هو لأجل اختلاط المياه وضياع الأنساب، ولكن يحتمل أن تكون العلى عند الله تعالى هو احترام الزوج في هذه الحالة أو احترام الزوجة.
 2 ) يحتمل ان يكون هناك وصف آخر ينظّم إلى ما ظنه القائس علّة فيكون المجموع منهما هو العلّة للحكم، كما في مثال عدّة الطلاق المتقدم، إذ يحتمل أن تكون العدة للطلاق هي اختلاط المياه واحترام الزوج معاً.
 3 ) يحتمل ان يكون القائس قد أضاف شيئاً أجنبياً إلى العلّة الحقيقية لم يكن له دخل في الحكم في المقيس عليه، كما إذا قال ساعد الضعيف، فيضيف القائس إليه وصف الكبير بينما لم يكن للكبر دخل في الحكم.
 4 ) يحتمل ان يكون ما ظنّه القائس علّة ليس هو الوصف المجرد في أي موضوع، بل هو الوصف في موضوعه الخاص وهو الأصل لخصوصية في الأصل، فلو علم أن الجهل بالثمن علّة موجبة شرعاً لفساد البيع وأراد أن يقيس على البيع عقد النكاح إذا كان المهر فيه مجهولاً، فانه يحتمل ان يكون الجهل بالعوض الموجب لِفساد البيع هو الجهل بخصوص العوض في البيع، لا مطلق الجهل بالعوض ليسري الحكم إلى كل معاوضة كالصلح المعاوضي والنكاح الذي يتضمن معاوضة عن البضع.
 نعم لو ورد نصّ من الشارع يفيد تعيين علّة الحكم ووجدت هذه العلّة في مورد آخر فنعلم بالحكم الشرعي الذي هو يدور مدار علته، وهذا ما يسمى عند القوم بقياس منصوص العلّة.
 هذا وقد ذكر الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة إذ قال: «وفي الحق أن نفاة القياس قد أخطأوا إذ تركوا تعليل النصوص، فقد أداهم إهمالهم إلى أن قرروا احكاما تنفيها بدائه (بداهة) العقول، فقد قرروا أن بول الادمي نجس للنص عليه وبول الخنزير طاهر لعدم النصّ عليه، وان لعاب الكلب نجس وبوله طاهر. ولو اتجهوا إلى قليل من الفهم لفقه النصّ، ما وقعوا في مناقضة البديهيات على ذلك النحو»( [1] ).
 أقول: ان هذه النقوض ترد على أهل السنة الذين لم يقولوا بنجاسة الكلب والخنزير عينا، اما الإمامية القائلون بنجاستهما عينا فلا يرد هذا عليهم.
 
 التطبيقات:
  • لا يوجد تطبيقات للقياس بالمعنى الأول عند الإمامية، حيث وقف الأئمة من أهل البيت () وقفة المدافع عن الشريعة المقدّسة، وهذا واضح من محاججات الإمام الصادق () مع من يقول بالقياس بالمعنى الأول.
 ولكن يمكن ان توجد تطبيقات للردع عن القياس بهذا المعنى كما تقدم بعض الأمثلة على ذلك، فمما قاله الإمام الصادق () لأبي حنيفة. يا نعمان إياك والقياس، فانّ أبي حدثني عن آبائه () ان رسول الله () قال: من قاس شيئاً من الدين برأيه قرنه الله تبارك وتعالى مع إبليس، فانه أول من قاس حيث قال: خلقتني من نار وخلقته من طين فدعوا الرأي والقياس فان دين الله لم يوضع على القياس( [2] ).
 وفي رواية أُخرى

: ان الإمام الصادق () قال لأبي حنيفة عندما دخل عليه... قال له: البول أقذر ام المنيّ. قال: البول أقذر، قال () يجب على قياسك أن يجب الغسل من البول دون المنيّ، وقد اوجب الله تعالى الغسل من المنيّ دون البول( [3] ).
 2 ) وكذا لا يوجد تطبيقات للقياس بالمعنى الثاني (الاستواء بين الفرع والأصل في العلة المستنبطة من حكم الأصل) عند الإمامية، لعدم قيام الدليل على حجيّة هذا الظن الناشيء من التشابه بين الأصل والفرع، بل قام الدليل على عدم حجيّة هذا التشابه الظني كما تقدم ذلك.
 ولكن لا بأس بذكر بعض الأمثلة للقياس الظني عند القوم القائلين بحجيته فمن الأمثلة المسرودة:
 1ـ ان الله سبحانه وتعالى نصّ على تحريم الخمر بآية: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ وقد أدرك المجتهد أنّ علة التحريم هي الاسكار، كما سنعرف في مسالك العلّة، لأنه يترتب عليه وقوع مفاسد دينيّة ودنيوية كإيقاع العداوة والبغضاء بين الناس وإلحاق الضرر بالشارب.
 وعند التأمل وجد المجتهد أن الاسكار يتحقق بشرب النبيذ، فيكون النبيذ ملحقا بالخمر في حرمة تناوله، فالخمر أصل والنبيذ فرع والحكم التحريم والعلّة الجامعة بينهما هي الاسكار( [4] ).
 أقول: عند الشيعة الإمامية ان الاسكار هو علّة التحريم إذ ورد عن الأئمة سلام الله عليهم: ان الله لم يحرم الخمرة لاسمها وإنّما حرمها لعاقبتها فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو حرام، كما ورد أيضاً حرمت الخمر لإسكارها في بعض الروايات، وحتّى أهل السنة فقد ورد عندهم تحريم الخمر لأجل إسكارها، وعلى هذا فان العلّة بينها الشارع وهي الاسكار فخرج المثال عن كونه من القياس الظني المستنبط العلة، بل الحكم يدور مدار العلة ان وجدت في النبيذ وغيره من المسكرات والمخدرات.
 2 ـ نصّ الرسول عليه الصلاة والسلام على أن القتل يمنع الميراث، فقال: لا يرث القاتل( [5] ) والعلّة هي استعجال الشيء قبل أوانه فيعاقب بحرمانه. وهذه العلّة متحققه في قتل الموصى له للموصي، فتقاس الوصية على الإرث حالة القتل، فيمنع الموصى له القاتل من الوصيّة كما يمنع الوارث القاتل من الإرث( [6] ).
 أقول: الوصية اما عقد إن احتاجت إلى القبول، أو يلزم تنفيذها ويحرم تغييرها وإن لم تكن عقداً بنصّ القرآن فتغييرها أو ألحاقها بالإرث فيمنع منها القاتل ليس عليه أي دليل، بل اجتهاد وقياس في قبال النصّ وهو مردود بالإضافة إلى أن الوصية تشبه الهبة المقبوضة لأنّ كلّاً منها تمليك مجاني، وتخالف الإرث، والهبة المقبوضة صحيحة وان كان الموهوب له قاتلاً، فالقياس من هذه الناحية يوجب نفوذ الوصية للموصى له وان كان قاتلاً.
 3 ـ حرّم الرسول () الخطبة على الخطبة فقال: لا يبع بعضكم على بيع بعض ولا يخطب على خطبته والعلّة هي: إيذاء الخطيب أو البائع الأول وإثارة حقده وثوريث عداوته. وهذا المعنى متحقق في استئجار الأخ على استجار أخيه، فيحرم قياساً على تحريم الخطبة على الخطبة( [7] ).
 أقول: ان النهي الوارد في الدخول على مساومة الأخ، والنهي عن الدخول على خطبة الأخ ظاهره التحريم، الا أن الارتكاز القائل بان السلعة ما لم تُبع يجوز لمالكها ان يبيعها على من أراد ويجوز للفرد أن يقدم على شرائها وان كان هناك من أقدم على شرائها، وكذا الاتكاز القائل بان المرأة ما لم تتزوج ويعقد عليها لها الحق في اختيار أي زوج والرجل له الحق أن يختار أيّ أمرأة ويطلب يدها ما لم تكن مزوّجه، كل هذا إذا ضمّ إلى النهي عن الدخول على الخطبة أو على المساومة، يدلّ على أنّ النهي هو للكراهة، لأن الجواز في هذه الموارد صريح، فالنهي يحمل على الكراهة، وإذا علمنا ملاك الكراهة فنسريه إلى الأجارة أيضاً، واما إذا ظننا بملاك الكراهة فلا يمكن تسريته إلى الأجارة، فالكلام في معرفة الملاك.


[1] ـ أصول الفقه محمد أبو زهرة 217.
[2] ـ الاحتجاج للطبرسي، ج 2 / 114 ـ 116.
[3] ـ الاحتجاج للطبرسي، ج 2 / 114 ـ 116.
[4] ـ أصول الفقه الإسلامي/ وهبة الزحيلي 1 : 604.
[5] ـ ليس للقاتل من الميراث شيء، هذا هو نصّ الحديث كما رواه النسائي والدارقطني.
[6] ـ أصول الفقه الإسلامي، ج 1 : 604
[7] ـ المصدر السابق.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo