< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/04/27

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: حجية القياس:
 ومن السنّة:
 1) الحديث المأثور عن معاذ بن جبل أن رسول الله () بعثه قاضياً إلى اليمن وقال له فيما قال: بماذا تقضى إذا لم تجد في كتاب الله ولا في سنّة رسول الله؟ قال معاذ: اجتهد رأيي ولا آلو، فقال (): الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يرضي رسولَ الله.
 والحديث كما هو موجود في جامع الأصول في أحاديث الرسول: رواه الحارث بن عمرو يرفعه إلى معاذ بن جبل، أنّ النبي (ص) لما أراد أن يبعث معاذا إلى اليمن قال له: كيف تقضى إذا عرض لك قضاء.
 قال: اقضي بكتاب الله.
 قال: فإن لم تجده في كتاب الله.
 قال اقضي بسنة رسول الله.
 قال: فإن لم تجده في سنة رسول الله.
 قال اجتهد برأيي ولا آلو.
 قال فضرب رسول الله صدري وقال: الحمد لله الذي وفق رسولَ رسول الله لما يرضى رسولَ الله.
 وفي رواية: الحارث بن عمرو يحدث عن أصحاب معاذ من أهل حمص عن معاذ عن رسول الله [1] .
 إذن هذه الرواية مرفوعة أي يوجد فاصل بين الحارث بن عمرو ومعاذ كما في النصّ الأوّل، أو أنّها مرسلة عن رجل كما رواه الترمذي وعن اناس من أهل حمص كما عنه بنقل آخر ولم نعرفهم فهي إمّا مرفوعة أو مرسلة عن رجل أو أناس لا نعرفهم.
 فقالوا: لقد أقر رسول الله () الاجتهاد بالرأي، والاجتهاد بالرأي هو القياس.
 ويرد على هذا
 1): ما قاله ابن حزم في كتابيه إبطال القياس والاستحسان:
 ان الحديث مرسل لا حجة فيه لأن راويه الحارث بن عمرو (ابن أخي المغيرة بن شعبة) رواه عن أناس من أهل حمص.
 

أقول: ذكر وهبة الزحيلي في كتابه أصول الفقه الإسلامي وجود سند آخر للحديث كل أصحابه ثقات ضابطون( [2] ).
 أقول: ان السند الثاني الذي يدعي وهبة الزحيلي ان رجاله كلهم ثقات هو ما ذكره البخاري في تأريخة الكبير إذ قال ان الحديث: «مرسل الا أن عدم اتصال إسناده لا يمنع صحته لأنه مروي عن أصحاب معاذ وهم كلهم ثقات» وهذا الكلام في الحقيقة لا يدلّ على وجود سند آخر للحديث، بل هي محاولة لتصحيح الحديث المرسل بحجة ان الرواة هم أصحاب معاذ وكلهم ثقات. فهي محاولة لتصحيح الحديث المرسل كما ذكر الشوكاني في إرشاد الفحول (227) قال: «وهو حديث مشهور له طرق متعددة ينتهض مجموعها للحجة كما أوضحنا ذلك في مجموع مستقل»( [3]
  [4] ).
 2 ) الحارث نفسه مجهول لا يعرف له غير هذا الحديث.
 3) الحديث معارض بحديث آخر في نفس الواقعة إذ جاء فيه: «لا تقضينَّ ولا تفضلن الا بما تعلم، وان أشكل عليك أمر فقف حتى تتبينه أو تكتب إليَّ».
 4) على انه قد يراد من الاجتهاد بالرأي استفراغ الوسع في الفحص عن الحكم ولو بالرجوع إلى العمومات أو الأصول العملية.
 وهذا الحديث ضعيف عند القوم حيث قال الترمذي: «هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وليس إسناده بالقوى»، وقال الحافظ في التلخيص والبخاري في تاريخه: الحارث بن عمرو عن أصحاب معاذ، وقال الحافظ: قال ابن الجوزي في العلل المتناهية: لا يصحّ وإن كان الفقهاء كلّهم يذكرونه في كتبهم ويعتمدون عليه، وإن كان معناه صحيحاً [5] .
 2) حديث الخثعمية التي سألت رسول الله () عن قضاء الحج عن أبيها الذي فاتته فريضة الحج: أينفعه ذلك؟
 فقال (): أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيتيه أكان ينفعه ذلك؟ قالت: نعم. فقال: فدين الله أحق بالقضاء.
 قالوا: فالحق رسول الله () دين الله بدين الآدمي في وجوب القضاء، وهو عين القياس، وقد روي الحديث عن رجل من خثعم.
 ويجوز تعدد الحادثة.
 ويرد على هذا: (على تقدير صحة الحديث) ان الرسول أراد أن ينبّه الخثعمية على تطبيق العام على ما سألت عنه فالعام هو وجوب قضاء كل دين، والحج هو مما يعدّ من الديون التي يجب قضاؤها عن الميت فهو فرد من افراد الدين الواجب الأداء، بل هو أولى لأنه دين الله، وحينئذٍ يكون تطبيق العام على مصداقه المعلوم ليس من القياس في شيء.
 ومثل هذا عندما سؤل () عن بيع الرطب بالتمر (متساويا)، فقال رسول الله () أينقص الرطب إذا يبس؟ فقالوا نعم، قال (فلا اذن). فهذا الحديث على تقدير صحته تنبيه للسائل على أن بيع الجنس بجنسه لا يجوز الامع التساوي، فإذا كان ينقص الرطب إذا جفّ، فهو عبارة عن بيع الجنس بجنسه مع عدم التساوي وهو لا يجوز.
 3 ) استدل بما كتبة عمر إلى أبي موسى الأشعري حينما ولاّه على البصرة يقول فيه: أعرف الأشباه والنظائر وقس الأُمور برأيك( [6] ).
 ويرد عليه: أنه ليس بكتاب ولا سنّة ولا يكشف عن السنّة لأنه عمل فرد واحد وليس بإجماع.
 واما الإجماع: فمرادهم إجماع الصحابة على العمل بالرأي (وهو القياس)
 ويرد عليه:
  1) ما قاله ابن حزم: «أين وجدتم هذا الإجماع؟ وقد علمتم أن الصحابة الوفٌ لا تحفظ الفتيا عنهم في أشخاص المسائل الا عن مائة ونيف وثلاثين نفراً: منهم سبعة مكثرون وثلاثة عشر نفساً متوسطون، والباقون مقلوّن جدا تروى عنهم المسألة والمسألتان حاشا المسائل التي تيقن إجماعهم عليها كالصلوات وصوم رمضان، فأين الإجماع على القول بالرأي؟»( [7] )
 2 ) ان القياس الذي كان سائداً زمان أبي حنيفة وما قبله هو القياس بالمعنى الأول الذي وقف منه أئمة أهل البيت الموقف الصريح الرادع، وهذا غير القياس بالمعنى الثاني الذي حصل متأخراً فكيف يدعّى إجماع الصحابة على القياس بالمعنى الثاني؟ ! ثم ان القياس بالمعنى الأول ردع عنه غير الأئمة كابن عباس وابن مسعود وأضرابهما، حتى انتهى الأمر إلى ذكر المباهلة والتخويف من الله تعالى( [8] ).
  بل روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: إياك وأصحاب الرأي فانهم أعداء السنن أعيتهم الأحاديث ان يحفظوها فقالوا بالرأي فضلّوا وأضلّوا( [9] )


[1] جامع الأصول 8: 139، ح7673.
[2] ـ الأصول الفقه الإسلامي ج 1 : 227.
[3] ـ راجع أصول الفقه الإسلامي، وهبة الزحيلي 1 : 625 يراجع جامع الأصول 10 : 551 لمعرفة إسناد الحديث، أقول: إنّ ما ذكره الدكتور وهبة الزحيلي غير صحيح لأنّ الحديث لم يروَ عن أصحاب معاذ، بل روي عن رجل من أصحاب معاذ كما ذكر ذلك الترمذي وبينهما بون بعيد، فإنّه إن كانت مروية عن أصحاب معاذ فمعناه أنّه رواها على الأقل ثلاثة من أصحاب معاذ، بينما إن كانت الرواية عن رجل من أصحاب معاذ فهو نفر واحد من أصحابه وقد يعتنى بالثلاثة في بعض الأحيان أمّا الواحد فلا فلاحظ.
[4] ثمّ إنّ ما ذكره الشوكاني غير صحيح أيضاً فإنّ طرق هذا الحديث معيبة كلّها إمّا للقطع او الإرسال عن رجل أو أناس من أهل حمص، والطرق الباطلة لا ينهض مجموعها للحجيّة.
[5] جامع الأصول 8: 139، ح7673.
[6] ـ أنكر ابن حزم في كتابيه المحلى 1 : 59 وابطال القياس والرأي / ص 6 هذه الرسالة واثبتها غيره، لكن نحن الإمامية في غنى عنها حتى مع إثباتها لأنها ليست بكتاب ولا سنة بل هو رأي عمر حجة عليه لا علينا.
[7] ـ ابطال القياس والاستحسان : 19.
[8] ـ أصول الفقه، للمظفر : ج 3 : 198.
[9] ـ راجع ابطال القياس 58 والمستصفى 2 : 61.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo