< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/04/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة حجية الشهرة الفتوائية ـ حجية القياس:
 3 ـ قال المحقق الخوئي في منهاج الصالحين: «المشهور المنع عن بيع أواني الذهب والفضة للتزيين أو لمجرد الاقتناء والأقوى الجواز وأنّما يحرم استعمالها كما مرّ»( [1] )، والخوئي لا يرى حجيّة الشهرة الفتوائية.
 4 ـ وقال أيضاً في مسألة بيع الفضولي: «والمشهور أن الأجازة بعد الردّ لا أثر لها ولكنه لا يخلو عن اشكال بل لا يبعد نفوذها»( [2] ).
 5 ـ وقال أيضاً: «المشهور على اعتبار أن يكون المبيع والثمن مالاً يتنافس فيه العقلاء، فكلّ ما لا يكون مالاً كبعض الحشرات لا يجوز بيعه ولا جعله ثمناً، ولكن الظاهر عدم اعتبار ذلك وان كان الاعتبار أحوط»( [3] ). فأتضح عدم فتواه على وفق الشهرة الفتوائية.
 
 قاعدة: القياس
 التوضيح:

القياس المبحوث عنه هنا ليس هو المنطقي الحجة (الاقتراني والاستثنائي)، بل هو قياس فقهي يسمى عند المناطقة بالتمثيل( [4] ).
 وللقياس الفقهي اصطلاحان:
 المصطلح الأول: وهو المسلك الذي يُخضِع النصوص الشرعية للعقل، فما وافق العقل اخذ به وما خالف العقل ترك.
 وفحواه: التماس العِلل الواقعية للاحكام الشرعية من طريق العقل، وجعلها مقياسا لصحة النصوص الشرعية فما وافقها فهو حكم الله الذي يؤخذ به وما خالفها كان موضعا للرفض أو التشكيك( [5] ).
 وعلى هذا الأساس يكون الإنسان قادرا على معرفة العِلل الواقعية للاحكام الشرعية بواسطة عقله ويجعلها هي المقياس لصحة النصوص الشرعية.
 وهذا المعنى للقياس هو الذي وقف منه أئمة أهل البيت () وبالخصوص الإمام الصادق () وقفة المدافع عن الشريعة لابطاله، لأنه يؤدي إلى التلاعب بالشريعة ويمسخ احكامها باسم مخالفة القياس، فهو خطر عظيم على شريعة الإسلام، لذا وردت الروادع القوية عن هذا القياس فقد شاع عن أئمة أهل البيت قولهم: «إن دين الله لا يصاب العقول» «وان السنة إذا قيست محق الدين».
 ومن أمثلة هذا القياس:
 1 ـ ما رواه أبان قال:

قلت لأبي عبدالله () الإمام الصادق () ما تقول في رجل قطع أصبعاً من أصابع المرأة كم فيها؟ قال عشرة من الإبل.
 قلت قطع اثنين؟ قال عشرون.
 قلت قطع ثلاثة؟ قال ثلاثون.
 قلت قطع أربعة؟ قال عشرون.
 قلت: سبحان الله، قطع ثلاثا فيكون عليه ثلاثون، ويقطع أربعا فيكون عليه عشرون ! إن هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق فنبرأ ممن قاله ونقول: الذي جاء به شيطان.
 فقال () مهلا يا أبان هذا حكم رسول الله () ان المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الديّة فإذا ابغلت الثلث رجعت المرأة إلى النصف، يا أبان إنك أخذتني بالقياس، والسنة إذا قيست محق الدين( [6] ).
 أقول: ان الذي وقع من أبان هو قياس مجرد لم يكن مستنده فيه الاجهة الأولوية الناشئة من القاعدة العقلية الحسابية إذ اعتقد ان الدية تتضاعف بالنسبة بتضاعف قطع الأصابع فإذا كان في قطع الثلاث ثلاثون من الابل فلابدّ ان يكون في قطع الأربع أربعون، لأن قطع الأربع قطع للثلاث وزيادة.
 وهذا قطع من أبان كان حجة له، ولذا لم ينهه الإمام عن قطعه وإنّما اخذ في زلزلة قطعه بذكر حديث رسول الله (): ان المرأة ديتها نصف دية الرجل فيما يبلغ ثلث الدية فما زاد لذا قال له ان الرسول () قال: ان المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف، فبهذا الكلام تزلزل قطع أبان أوزال فكان عمل أبان قياساً ناشئاً من القاعدة العقلية الحسابية وليس أولوية ليقال انه حجة لأن الأولوية أو قياس الأولوية الحجة هو ما كان ظاهراً من اللفظ كآية التأفيف وآية «ومن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ» الدال بالأولوية على ثبوت الجزاء على عمل الخير الكثير.
 فالأولوية وقياس الأولوية إنّما يكون حجة إذا كان يفهم من فحوى الخطاب لا من القاعدة العقلية الحسابية فان ما ينشأ من القاعدة العقلية الحسابية قطع وليس أولوية.
 ولكن نقول: إذا كان عند أبان قطع بالحكم الشرعي لوجود دلالة التزامية عرفية يقطع بواسطتها الإنسان على عدم صحة كون (دية قطع أربعة أصابع من أصابع المرأة أقل من دية ثلاثة أصابع) فلماذا زجر الإمام أبان وأنبّة؟
 والجواب: إن الزجر والتأنيب لأبان هو تحكيم قطعه على النصّ، حيث سمع أبانا بالعراق النصّ على كون دية أربعة أصابع المرأة أقل من دية قطع ثلاثة أصابع المرأة وردّه لعدم معقولية ذلك، بل إن الإمام () ذكر له ذلك مباشرة، وبقي مصرّاً على الاستغراب وهذا مما أنّبه الإمام عليه.
 ولنا ان نقول أيضاً: إن أبان وكل راوي للأحاديث كان يعلم في الجملة وجود فرق بين ديّة الرجل والمرأة في شريعة الإسلام، وعلى هذا ينبغي أن لا يبقى قطع لأبان على لابديّة أن تكون دية قطع أربعة أصابع من المرأة بمثابة قطع أربعة أصابع من الرجل بزيادة الديّة.
 فإصراره يكون من باب إخضاع الحكم الشرعي الثابت بدليل واضح إلى عقله. وهو باطل.
 2 ـ وقال ابن جميع

: دخلت على جعفر بن محمد (الإمام الصادق () أنا وابن أبي ليلى وأبو حنيفة، فقال لابن أبي ليلى: مَنْ هذا معك؟ قال: هذا رجل له بصر ونفاذ في أمر الدين.
 قال: لعلّه يقيس أمر الدين برأيه... ثم قال له جعفر () كما في رواية ابن شبرمة: «أيهما أعظم قتل النفس أو الزنا؟ قال: قتل النفس. قال: فان الله عز وجل قبل في قتل النفس شاهدين ولم يقبل في الزنا إلاّ أربعة.
 ثم قال: أيهما أعظم الصلاة أو الصوم؟ قال الصلاة قال: فما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ فكيف ويحك يقوم لك قياسُك، إتق الله ولا تقس الدين برأيك»( [7] ).
 ونتيجة لهذه المعركة الفكرية في عهد الإمام الصادق () تضاءل استعمال هذا المصطلح على ألسنة المتأخرين وكاد أن يهجر هذا المعنى حتى على السِنَة أهل السنّة الذين يقولون بحجيّة القياس ولكنه بمعنى آخر.
 المصطلح الثاني: هو عبارة عن «الاستواء بين الفرع والأصل في العلّة المستنبطة من حكم الأصل»( [8] ).
 وأركانه أربعة:
 الأصل: وهو المقيس عليه.
 والفرع: وهو المقيس.
 والحكم: وهو الاعتبار الشرعي على الأصل
 والعلّة: وهي الجهة المشتركة بينهما التي بنى الشارع حكمه عليها في الأصل( [9] ).
 وواضح من هذه الأركان: أن القياس إنّما يصار إليه في مورد لم يرد فيه نص شرعي، واستوى الأصل والفرع في العلّة المستنبطة، فان «الفرع ينبغي أن يكون محكوما عند الشارع بمثل حكم الأصل للعلّة المشتركة بينهما»( [10] ).
 ومما لا يخفى أن جمهور علماء أهل السنّة قالوا بجريان القياس في الاحكام الشرعية كالحدود والكفّارات، فيجوز التمسك به لاتيان كلّ حكم من الحدود والكفّارات والرخص والتقديرات إذا وجدت شرائط القياس فيها( [11] ).
 اما الإمامية: فقد أبطلوا العمل بالقياس تبعا لائمة أهل البيت () وكذا لم يعمل بالقياس أهل الظاهر المعروفون بالظاهرية أصحاب داود بن خلف أمام أهل الظاهر وكذا النظّام وكذلك الحنابلة لم يكن يقيمون للقياس وزنا( [12] ).


[1] ـ 2 / 5، مسألة 13.
[2] ـ المصدر نفسه 17 (الرابع من شرائط العوضين)
[3] ـ المصدر نفسه 23 مسألة (85).
[4] ـ القياس الاقتراني: الذي يدلّ على النتيجة بدون أداة الاستثناء مثل كل إنسان حيوان وكل حيوان جسم. فكل إنسان جسم ومثل كل نبيذ مسكر وكل مسكر حرام، فكل نبيذ حرام. القياس الاستثنائي: وهو الذي يدل على النتيجة بواسطة أداة الاستثناء مثل كل ما كانت الشمس طالعه فالنهار موجود، لكن الشمس طالعة، فالنهار وموجود.
[5] ـ الأصول العامة للفقه المقارن: 306.
[6] ـ وسائل الشيعة باب 44 من ديّات الأعضاء /ح 1.
[7] ـ حلية الأولياء 3 : 197 ورويت أيضاً في الاحتجاج 2 : 116 ورويت في وسائل الشيعة باب 6 من صفات القاضي/ ح 25 و 28.
[8] ـ راجع الأصول العامة للفقه المقارن: 304، نقلاً عن الإحكام في أُصول الأحكام للآمدي 3/4.
[9] ـ راجع الأصول العامة للفقه المقارن : 307 وأُصول الفقه / للمظفر 2 : 184 ـ 185.
[10] ـ أصول الفقه: للمظفر 3 : 183.
[11] ـ أصول الفقه الإسلامي 1 : 706 (وهبه الزحيلي).
[12] ـ راجع أصول الفقه / للمظفر 3 / 181 وراجع أصول الفقه الإسلامي / وهبة الزحيلي 1 / 610.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo