< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/04/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: القاعدة: حجيّة الإجماع
 ثانياً: وقد استدل على حجيّة الإجماع المحصل من قبل الجمهور بدليل شرعي مثل النبوي المشهور «أمتي لا تجتمع على ضلالة» فقد روى أنس بن مالك أنه سمع رسول الله () يقول: أمتي لا تجتمع على ضلالة، فإذا رأيتم اختلافاً فعليكم بالسواد الأعظم( [1] ).
 وقد نقل شريح عن أبي مالك الأشعري أنه قال: قال رسول الله (): إن الله أجاركم من ثلاث خلال: أن لا يدعو عليكم نبيّكم فتهكلو جميعاً... وان لا تجتمعوا على ضلالة( [2] ). فقالوا: إن هذه شهادة من النبي () بعصمة مجموع الأُمة.
 أقول: إن ظاهر هاتين الروايتين وجود معصوم وهو مجموع الأمّة، فعلى عقائد الإمامية من وجود الإمام المعصوم في ضمن الأُمة، فالأُمة المعصومة غير مفيدة بالنسبة لنا ما دام المعصوم موجود فيها. فلو أحرزنا وجود المعصوم ضمن الأُمة كفى وجوده في المجمعين في الحجيّة، وإن لم يحرز رضا المعصوم () فلا يحرز المعصوم الثاني لأن الإمام () جزء من الأُمة.
 نعم قد يقال في جواب هذا الكلام إن الرواية قالت عليكم بالسواد الأعظم فيراد من الرواية معناها العرفي لا الدقيّ فلا ينثلم المعصوم الثاني وهو الأُمة بوجود فرد أو اثنين خارجين عن هذه الأُمة، بل أكثر من ذلك بكثير.
 وبعبارة اخرى: إنّ الاستدلال بهاتين الروايتين بأنّ المنافرة تكون بين اجتماع الأمّة والضلالة، لا بين شخص معيّن منهم وهو المعصوم والضلالة، ولذا جعل ذلك من مميّزات هذه الأمّة أمّا المعصوم فد كان موجوداً في تمام الأمم، فالظاهر أنّ المقصود بهذين الحديثين هو عدم اجتماع غير المعصومين على الضلالة ممّن يتصوّر في كلّ واحد منهم بخصوصه الضلال.
 فما أُرد على الاستدلال من أنّ الأمة لا تجتمع على الخطأ قطعاً لأنّ فيها المعصوم والمعصوم لا يوافق مع غيره على الضلال غير صحيح، فلاحظ.
 ولكن مع هذا لا يصح الاستدلال بهذه الروايات على حجيّة الإجماع، لأن الرواية تقول لا تجتمع الأُمّة على ضلالة والضلالة تستبطن الإثم والانحراف عن الحقّ ..... وتقصير وهو أحض من الخطأ وعدم الحجيّة التي نحن بصددها، فإن خطأ المجمعين في مسألة فرعية (فقهية) لا تعني الضلالة.
 على أن سند الحديثين فيهما ضعف على مباني القوم فضلاً عن مبانينا لأن أبي خلف الأعمى الناقل للحديث بصيغته الأولى قد شهد بضعفه جملة من علماء أهل السنّة فقالوا أبو خلف الأعمى البصري خادم أنس قيل أسمه حازم بن عطاء روى عن أنس حديث «لا تجتمع أمتي على ضلالة» قال أبو حاتم: منكر الحديث. وقال ابن الجوزي عن ابن معين: أنه قال في الأعمى (أبو خلف الأعمى) الراوي عن أنس كذّاب.
 وجزم الدارقطني: بان أبي خلف الراوي عن أنس حازم بن عطاء وأنه تفرد بالحديث الذي أخرجه ابن ماجة( [3] ).
 أما الصيغة الثانية: ففي سندها ضمضم الذي هو ضمضم بن زرعة بن ثوب الحضرمي الحمّصي روى عن شريح بن عبيد قال عثمان الدارمي عن ابن معين: ثقة وقال أبو حاتم: ضعيف( [4] ).
 اذن ضمضم هو محل خلاف عندهم من حيث الصحة وعدمها. وشريح الذي ينقل عنه ضمضم هذا الحديث، قد روى الحديث عن أبي مالك الأشعري، وهو لم يدرك أبي مالك الأشعري فتكون الرواية فيها إرسال وقطع، وقد صرح أبو حاتم أن كل ما يرويه شريح عن أبي مالك الأشعري فهو مرسل.
 وقال الآجري عن أبي داود: لم يدرك شريح سعد بن مالك. وقال ابن أبي حاتم في المراسيل ان شريح لم يدرك أبي مالك الأشعري قال محمد بن عوف: ثم هو ثقة ولا يقول عن جماعة يروى عنهم أنه سمع منهم( [5] ).
 أقول: ذكر السيد الشهيد الصدر وجود احتمال معتد به بأنّ هذه الروايات قد اختلقت لوجود نكتة سياسية في ذلك الزمان، أقول: وقد تكون هذه النكتة لأجل اتباع مدرسة الخلفاء التي سارت على خلاف النص الوارد في اتباع الأئمة (عليهم السلام) بعد الرسول (ص)، فلاحظ.
 ثمّ إنّ هذه الصيغ قد وردت على شكل مراسيل في الكتب الشيعية أيضاً كالاحتجاج وتحف العقول كما ذكر ذلك صاحب كشف القناع (ص6) وقد وردت أيضاً في البحار عن الإمام الصادق بسند مشتمل على مجاهيل في قصة احتجاج أمير المؤمنين (ع) على أبي بكر حيث تمسّك الثاني في تلك القصة بقول رسول الله (ص) إنّ الله لا يجمع امتي على ضلالة [6] ، وقد ناقشه الإمام (ع) في الصغرى ولم يناقشه في الكبرى.
 ثالثاً: استدل على حجية الإجماع بمدركات العقل النظري، فذكروا بأن الإجماع كاشف عن الواقع (الحكم الواقعي) بالملازمة العقلية، والعاديّة أو الاتفاقية، ومثّلوا للأولى بالتواتر الموجب للقطع «أي التلازم بين التواتر وصحة الخبر» ومثّلوا للثانية بطول العمر الملازم عادة مع الهرم والشيخوخة وبالتلازم بين اتفاق المرؤوسين على شيء ورأي رئيسهم وإن كان لا يستحيل الانفكاك عقلاً ومثّلوا للثالثة بالقطع الحاصل صدفة من مجموعة اخبار لا تبلغ حدّ التواتر.
 وبعبارة أخرى: أن الملازمة: هي عبارة عن استحالة الانفكاك عقلاً بين شيئين، وهذه الاستحالة تارة يحكم بها العقل مطلقاً وتارة يحكم بها في ضمن ظروف موجودة عادة وثالثة يحكم بها في ضمن ظروف اتفاقية.
 وقال السيد الشهيد: ويرد على هذا: أن الإجماع يكشف عن الواقع ولكن لا بالملازمة العقلية بل بالدليل الاستقرائي المبني على أساس حساب الاحتمالات، فاحتمال الخطأ في كل فتوى وإن كان وارداً الا أنه بملاحظة مجموع الفقهاء المجمعين واجراء حساب الاحتمال فيها عن طريق ضرب احتمالات الخطأ بعضها بالبعض نصل إلى مرحلة القطع والاطمئنان بعدم خطئها جميعاً، وهذا هو الحجة لي كل حال( [7] ).


[1] ـ راجع ابن ماجة في سننه 2: 1203.
[2] ـ راجع أبو داود في سننه 4: 98.
[3] ـ راجع تهذيب التهذيب / ج 6 : 347 .
[4] ـ راجع تهذيب التهذيب 2: 578 ترجمة ضمضم. ملاحظة: ذكر صاحب بحوث في علم الأُصول أن هذا اسمه قضمضم وهو اشتباه لأنه لا يوجد راوي باسم قضمضم بل الراوي عن شريح هو ضمضم فلاحظ.
[5] ـ راجع تهذيب التهذيب 2، 492 ترجمة شريح بن عبيد بن شريح.
[6] بحار الأنوار 8: من لمجلدات القديمة، الفتن والمحن باب5: 78، نقلاً عن الخصال.
[7] ـ راجع بحوث في علم الأُصول 4: 311 ـ 316.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo