< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/04/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة مثبتات الأمارة حجة
 وبعبارة أوضح نقول: إن الأمارة يترتب الأمر على لازمها بطريقين:
 الأوّل: أنّ الأمراة ـ كخبر الثقة ـ إذا قامت على الملزوم فيجب ترتيب أثر الملزوم، ولكن الأمارة هي مستعدّة دائماً للإخبار عن اللازم أيضاً ليترتب أثره وهذه الملازمة في الخبر بين الاخبار عن الملزوم والاخبار عن اللازم عند الالتفات إلى اللازم هي موجودة عند عامة الناس، فالاخبار عن حليّة اللحم هو اخبار عن كون اللحم من حيوان قابل للتذكية غير جلال لو التفت إلى هذا اللازم للحليّة، فيكون الناقل للخبر المطابقي هو مستعد للاخبار عن اللازم لو التفت إليه.
 الثاني: إنّ المنقول إليه الخبر (الأمارة) لا يحتمل نفي المدلول الالتزامي إلّا بنفي المدلول المطباقي، فالخبر كاشف بنظر المنقول إليه عن المدلول الاتزامي بمستوى كشفه عن المدلول المطابقي، وهذه الملازمة حاصلة عند المنقول إليه وإن لم تكن عند الناس.
 وروح هذين الطريقين هو أنّ الأمارة كاشفة عن الملول المطابقي والالتزامي معاً على حدّ سواء، بينما الأصل العملي لا يكشف إلّا عن المدلول المطابقي ليترتب عليه أثره، وهو غير ناظر إلى الملول الاتزامي أصلاً حتّى يترتب عليه أثره، فالأصل العملي كالبراءة إذا قامت على عدم حرمة أكل اللحم من الحيوان المشكوك حليته وقد وقعت عليه التذكية لا تقول بأنّ هذا يجوز الصلاة في جلده، بل دليل البراءة غير ناظر إلى جواز الصلاة في جلده إذ هو ناظر إلى البناء على عدم حرمة هذا اللحم فقط .
 نعم اللازم العقلي والعادي يقول بأنّ لازم عدم الحرمة هو أنّ الحيوان هو من جنس المذكّى فيجوز الصلاة في أجزائه، وهذه لا يقولها الاستصحاب ولا الشرع.
 التطبيقات:
 سوف نذكر تطبيقات لقاعدة حجيّة مثبتات الامارات وتطبيقات لعدم حجية مثبتات الأُصول العملية أيضاً.
 1ـ ذكر في أجود التقريرات: إذا قامت الامارة على حليّة لحم مثلاً يكون المحرز هي الحليّة الواقعية فيحرز كون الحيوان من الأقسام المحلّلة فيجوز الصلاة في أجزائها، بخلاف ما لو ثبت حليته بالأصل العملي فانه لا يثبت به الا الجري العملي على طبق الحليّة الظاهرية، وأما جواز الصلاة في أجزاء الحيوان المتخذ منه اللحم فلا، فان جواز الصلاة في الفرض مترتب على كون الحيوان من الأقسام المحلّلة كالشاة والبقر ونحوهما، ومن المعلوم أنّ الأصل غير ناظر إلى إثبات ذلك أصلاً( [1] ).
 2 ـ ذكر في فوائد الأُصول: لو اختلف الولي والجاني، فادعى الجاني أن المجني عليه كان ميِّتاً قبل الجناية، وقال الولي: بل مات بالجناية، ففي الضمان وعدمه وجهان: من أصالة عدم الضمان ومن استصحاب بقاء حياة المجني عليه إلى زمان وقوع الجناية عليه... والظاهر أن الحكم بالضمان في المثال لا يمكن تصحيحه الا على القول بالأصل المثبت فان استصحاب بقاء حياة المجني عليه إلى زمان وقوع الجناية عليه لا يثبت قتل الجاني الذي هو الموضوع «للضمان». هذا إذا لم تقم امارة على بقاء حياته إلى حين الجناية والا فيثبت عنوان القتل بإثبات بقاء حياته إلى زمان وقوع الجناية بلا اشكال( [2] ).
 3 ـ قال في الأُصول العامة للفقه المقارن: لو علمنا بوجود الكرّ في البيت ولم نشخص موضعه، وشككنا في ارتفاعه، فمقتضى الاستصحاب هو بقاء الكرّ في البيت. ثم فحصنا بعد ذلك فوجدنا كميّة من الماء نحتمل أنها هي الكرّ ولم نجد غيرها، فبمقتضى الملازمة العادية أنّ الكر المستصحب هو هذا الماء الا أن تطبيق الكرّ المستصحب على الموجود خارجاً ليس مما يقتضيه حكم الشارع، وإنّما اقتضته الملازمة العادية أو العقلية ـ بحكم عدم عثورنا على غيره ـ فتطبيق احكام الكرّ على هذا الماء إنّما هو بالأصل المثبت أي بتوسيط تطبيق الكرّ عليه الذي اقتضه الواسطة غير الشرعية، ومن المعلوم هنا أن هذا الماء الذي يراد اثبات الكريّة له غير معلوم الكريّة سابقاً، وإنّما المعلوم هو وجود الكرّ في البيت لا أكثر( [3] ).
 4 ـ وقال صاحب الأُصول العامة للفقه المقارن: من ضرب شخصاً خلف ستر فقدّه نصفين ثم شك بان هذا الشخص هل كان حيّاً عندما ضربه أم لا؟ أي إن الموت استند إلى الضرب أو إلى غيره، فاستصحاب حياته إلى حين الضرب لا يكشف عن أن الموت كان مستنداً إلى ضربته، فلا يترتب عليه آثار القتل الشرعية في هذا الحال لوضوح أن الاستناد وعدمه ليس من آثار حكم الشارع ببقائه حيّاً وإنّما هو من آثار حياته الواقعية وهي غير محرزة هنا( [4] ).
 أقول: هذا المثال هو نفس ما ذكره في فوائد الأُصول تحت رقم 2.
 5 ـ ذكر في فوائد الأُصول: لو وقع الثوب النجس في حوض كان فيه الماء سابقاً ثم شك في بقائه فيه ،فلا يحكم بطهارة الثوب بثبوت انغساله باستصحاب بقاء الماء( [5] ).
 أقول: لابدّ أن يكون هذا تطبيقاً صحيحاً فيما إذا قلنا بعدم احتياج انغسال الثوب إلى العصر بعد إزالة النجاسة وكان حوض الماء كرّاً، فيكون اللازم العادي لاستصحاب كريّة الماء هو انغسال الثوب وهو لا يثبت باستصحاب بقاء الكرّ.
 6 ـ وقال في فوائد الأُصول أيضاً: لو رمى صيد أو شخصاً على وجه لو لم يطرأ حائل لأصابه، فلا يحكم بقتل الصيد أو الشخص باستصحاب عدم الحائل( [6] ). لأن اللازم العقلي يقول بإصابة الصيد ولا يقول به استصحاب عدم الحائل الذي هو حجة.
 7 ـ قال السيد الخوئي (): إذا جرى استصحاب عدم التذكية في اللحم المشكوك التذكية فيحرم أكله ولكن عدم جواز شرب الماء الذي طبخ فيه اللحم يكون من الأصل المثبت لأنه لازم عقلي للنجاسة ولا يثبت الحكم الشرعي على اللازم العقلي، لذا حكم السيد الخوئي بطهارة شرب ماء اللحم الذي طبخ فيه اللحم المشكوك التذكية.


[1] ـ أجود التقريرات 2: 416، ولتوضيح المثال نقول: إذا وجد حيوان مذكّى قطعاً ولكن شككنا في حلية أكل لحمه فإنّ حلية اكل اللحم لا تتوقّف على التذكية فقط، بل على التذكية وكون الحيوان ممّا يحل أكل لحمه، فإذا جاءت بينة وقالت: أنّه حلال الأكل فتكون شاهدة على أنّه من جنس الغنم أو البقر أو أمثالهما ولم يكن موطوءاً ولا جلالاً، فحينئذ نرتب آثار اللحم الحلال كما نرتب آثار لوازم كون اللحم الحلال وهو أنّه من جنس الغنم أو البقر ممّا يحل أكله وهو ليس موطوءا ولا جلالاً فيجوز الصلاة أجزائه.أمّا إذا قامت البراءة على عدم الحرمة، لأننا عندما نشك في حلية الأكل فإنّه يعني إذا كان المذكى من جنس الغنم أو البقر وأمثالهما ولم يكن جلالاً ولا موطوءا فهو حلال الأكل، وإذا لم يكن من جنس الغنم أو البقر وأمثالهما أولم كان جلالاً أو موطوءا فهو محرّم الأكل فشكّ في أصل الحرمة فالبراءة من الحرمة تقول: إنّه على حليته الظاهرية ولم تقل ولم تنظر إلى كونه من جنس الغنم أو البقر وأمثالهما حتّى يحل الصلاة في أجزائه.إذن الأصل يقول إنّ هذا اللحم ابن على حليته لأجل أن لا تبقى متحيّراً، وحينئذ لا يثبت أنّه من جنس الغنم أو البقر ولم يثبت عدم جلاليته أو وطئه، فنرتب آثار الحلية فقط، ولا نرتب آثار لوازم الحلية من جواز الصلاة في أجزائه لعدم النظر إلى جنسه وإثباته.
[2] ـ يراجع فوائد الأُصول 4: 502.
[3] ـ الأُصول العامة الفقه المقارن: 450.
[4] ـ الأُصول العامة للفقه المقارن: 452.
[5] ـ فوائد الأُصول 3: 243.
[6] ـ فوائد الأُصول 3: 243.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo