< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/04/09

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة: حجيّة الخبر الواحد
 ثم إذا وثقنا بمضمون خبر غير الثقة لوجود قرائن وامارات خارجية فهل يكون حجة؟
 الجواب: نعم يكون حجة لا لتوفر دليل من السنة أو القرآن أو السيرة على ذلك، بل لتنقيح المناط فإن خبر غير الثقة إذا وجدت قرائن وامارات خارجية على صدقه فسوف تكون له كاشفية، عن الخارج والواقع، وهذه الكاشفية حجة ككاشفية خبر الثقة، من أجل تحفظها على الواقع. ولذا ذهب المشهور إلى أنجبار الخبر الضعيف بعمل الأصحاب به.
 والخلاصة: إنّ ما استقر عليه الرأي في خبر الثقة هو على هذه المراحل الأربعة:
 الأولى: أنّ خبر الثقة حجة من دون اشتراط أن يكون اطمئنان شخصي على صحته، بل هو حجة سواء حصل اطمئنان شخصي على صحته أم لا، وأيضاً إنّ خبر الثقة حجة من دون اشتراط أن يكون ظنّ على صحته، بل هو حجة سواء حصل ظنّ شخصي على صحته أم لا، وذلك لدلالة الأدلة على حجية خصوص خبر الثقة من الكتاب والسنة والسيرة بقسميها.
 الثانية: خبر غير الثقة «أي إذا كان الخبر غير ثقة ولكنه مظنون الصدور إمّا ظنّاً شخصيّاً أو اطمئناناً نوعياً راجع إلى الظنّ الشخصي» فهو ليس بحجة وذلك لعدم الدليل على حجية الظنّ بالصدور وإن كان الظنّ بالصدور من الإمام (ع) لتحصيل الحكم الشرعي هو طريق أيضاً إلّا أنّ الشارع لم يجعله حجة، بل هو داخل تحل الظنّ المنهي عنه.
 الثالثة: خبر الثقة قد يكون في بعض الحالات ليس بحجة، بل الخبر الصحيح الاعلائي الذي يذكره العلماء في كتبهم وصرّحوا باعتباره إلّا أنّه إذا حصل اطمئنان شخصي على عدم صحته وعدم صدوره فلا يكون حجة، وهذا هو المعروف من إعراض المشهور عن مثل هذا الخبر الصحيح أو الموثوق من دون أن يكون هناك تفسير واضح لهذا الإعراض، فهذه الحالة تولّد عندنا اطمئناً شخصيّاً على عدم صحته واعتباره حيث نقول: لابدّ أنهم اطلعوا على عيب فيه فأعرضوا عنه، وهذا هو عبارة عن علم إجمالي بوجود عيب في هذه الرواية الصحيحة أو الموثوقة أوجب إعراضهم عنها، وبهذا تسقط الرواية الصحيحة أو الموثوقة عن الحجية لعدم كاشفيتها عن الواقع.
 الرابعة: خبر غير الثقة حجة إذا دلّت قرائن أوجبت الوثوق «الاطمئنان الشخصي» بصحته وذلك كما إذا عمل المشهور بهذا الخبر مع ذكره في كتبهم موصوفاً بالضعف، ولم يكن لعملهم تفسير واضح إذ يكون هذا الخبر كاشفاً عن الواقع لأننا نقول: لابدّ أنّ الاصحاب اطلعوا على صدوره من المعصوم أي نحن نعلم علماً شخصياً بصدوره ولكن من دون تفصيل عن معرفة قرائن الصدور، أي نعلم بالصدور مع إجمال لقرائن الصدور علينا.
 التطبيقات:
 غالب الاحكام الشرعية وأجزاء العبادات وشرائطها إنّما تثبت بأخبار الآحاد( [1] ) ونشير إلى بعض الموارد:
 1ـ قال في مجمع الفائدة والبرهان: «وتجب في الصلاة الثنائية، وفي الأوليين من غيرها، الحمد وسورة كاملة. ويدلّ على وجوبها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر () قال: سألته عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته؟ قال: لا صلاة له إلاّ أن يقرأها في جهر أو اخفات( [2] ). ورواية منصور بن حازم (الثقة) قال: قال أبو عبدالله () لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر( [3] ). وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما قال: سألته عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة؟ فقال: لا، لكل سورة ركعة»( [4] )( [5] ).
 2 ـ وقال أيضاً: «ويشترط وقوع الجبهة في السجود على الأرض أو ما أنبتته ممّا لايؤكل ولا يلبس. ودليل اشتراطه هو الإجماع على ما نقل مع الاخبار الكثيرة، منها: صحيحة حماد بن عثمان (الثقة) عن أبي عبدالله () أنه قال: السجود على ما أنبتت الأرض الا ما أكل أو لبس»( [6] )( [7] ).
 3 ـ قال في مستمسك العروة والوثقى: «إذا تعلّقت الزكاة بعين المال فلم يتمكن من أدائها فتلفت لم يضمن، وإن تمكن منه فأهمل ضمن... والمتعيّن الاعتماد في الحكم بالضمان مع الإهمال - بناء على عدم وجوب الفور - على الإجماع المحكي، وظاهر غير واحد من النصوص كمصحح زرارة: «سألت أبا عبدالله () عن رجل بعث إلى أخ زكاته ليقسّمها، فضاعت فقال: ليس على الرسول ولا على المؤدّي ضمان قلت: فإن لم يجد لها أهلاً ففسدت وتغيّرت، أيضمنها؟ فقال (): لا، ولكن إذا عرف لها أهلاً فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها»( [8] ). ومصحح ابن مسلم: «رجل بعث بزكاة ماله لتُقسّم فضاعت، هل عليه ضمانها حتى تقسّم؟ فقال (): إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها، وإن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان، لأنها قد خرجت من يده»( [9] )( [10] ).
 4 ـ قال صاحب الجواهر () في جواهره: «يحبى الولد الأكبر من تركة أبيه بثياب بدنه وخاتمه وسيفه ومصحفه وبذلك تضافرت النصوص عن الأئمة ففي صحيح ربعي بن عبدالله عن أبي عبدالله () إذا مات الرجل فلأكبر ولده سيفه ومصحفه وخاتمه وبرده»( [11] )( [12] ).
 5 ـ وقال أيضاً: «جوائز السلطان الجائر إن عُلمت حراماً بعينها فهي حرام والا فهي حلال مطلقاً وإن عُلم أن في ماله محرماً، للأصل والمعتبرة المستفيضة... كصحيح محمد بن مسلم وزرارة قال: سمعناه يقول جوائز السلطان ليس بها بأس( [13] )( [14] ).
 6 ـ وقال أيضاً: «

لو لم يكن للميت وارث سوى الإمام () فأسلم الوارث فهو أولى من الإمام () في الإرث... لرواية أبي بصير في الصحيح المروي في الكتب الثلاثة في مسلم مات وله قرابة نصارى إن أسلم بعض قرابته فإن ميراثه له، فإن لم يُسلم أحد من قرابته فإن ميراثه للإمام»(

[15] ).

 الاستثناءات: يستثنى من حجية خبر الواحد موارد:
 1 ـ قال الشهيد الصدر: الخبر الحدسي: «إذ لاشكّ في أنّ أدلة حجيّة خبر الثقة والعادل لا تشمل الخبر الحدسي المبني على النظر والاستنباط، وإنّما تختصّ بالخبر الحسي المستند إلى الإحساس بالمدلول، وعلى هذا فقول المفتي ليس حجة على المفتي الآخر بلحاظ أدلة حجيّة خبر الثقة، لان إخباره بالحكم الشرعي ليس حسيّاً، بل حدسيّاً واجتهاديّاً. نعم، هو حجة على مقلديه بدليل حجيّة قول أهل الخبرة والذكر»( [16] ). وكذلك الإجماع المنقول إذا كان نقلاً للمسبَب فهو خبر حدسي ليس بحجة.
 الثاني: قال صاحب الكفاية: الخبر المخالف للكتاب الكريم والسنّة النبوية القطعيّة على نحو المعارضة والمصادمة وذلك لما دلّ من الأحاديث على عدم حجيّة الخبر المخالف للكتاب الكريم والسنّة النبوية( [17] ).
 الثالث: الخبر الثقة أو الصحيح إذا اعرض عنه مشهور القدماء القريبين لعصر النص، مع عدم تفسير واضح لاعراضهم عنه، فيخرج عن الحجية لوهن احتمال الصحة للنقل، فلا كاشفية نوعية له للحفاظ على الواقع.
 ويوجد استثناء من مفهوم القاعدة وهو هذا الاستثناء الرابع.
 الرابع:

إذا عمل مشهور القدماء القريبين لعصر النصّ بخبر غير الثقة «الضعيف» مع تصريحهم بعدم وثاقة السند، وعدم وجود تفسير واضح لعملهم هذا مع تصريحهم بعدم حجيّة الخبر غير الثقة، فان هذا العمل يجعل الخبر الضعيف حجة وذلك لكاشفيته عن الواقع «وتحفظه على الواقع» والكاشفية عن الواقع حجة ككاشفية خبر الثقة عن الواقع.
 الخامس: إذا كان الخبر الصحيح أو خبر الثقة مخالفاً لحكم العقل فلا يكون حجة والمراد من حكم العقل هو الحكم البديهي كامتناع اجتماع الضدين أو النقيضين، فلو قال الخبر الصحيح بإمكان اجتماعهما خارجاً فلا يكون حجة وذلك للقطع بعدم كشفه عن الواقع وعدم صدوره، وبهذا يسقط الخبر عن كونه كاشفاً عن الواقع ومتحفظاً على الواقع.


[1] ـ يراجع مصباح الأُصول 2: 146.
[2] ـ وسائل الشيعة 4: باب 1 من أبواب القراءة في الصلاة ح1.
[3] ـ وسائل الشيعة: باب 4 من أبواب القراءة في الصلاة ح2.
[4] ـ المصدر نفسه: باب 4 من أبواب القراءة في الصلاة ح3.
[5] ـ مجمع الفائدة والبرهان 2: 200.
[6] ـ وسائل الشيعة 3: باب 1 من أبواب ما يسجد عليه ح2.
[7] ـ مجمع الفائدة والبرهان 2: 116.
[8] ـ وسائل الشيعة 6: باب 39 من مستحقي الزكاة ح2.
[9] ـ وسائل الشيعة 6: باب 39 من أبواب مستحقي الزكاة ح1.
[10] ـ يراجع مستمسك العروة الوثقى 9: 46 ـ 47.
[11] ـ وسائل الشيعة باب 3 من ميراث الأبوين والأولاد ح2 وفيه بدل برده: درعه.
[12] ـ جواهر الكلام 39: 127.
[13] ـ وسائل الشيعة 12: باب 51 مما يكتسب به ح5. وفيه بدل السلطان (العمال).
[14] ـ جواهر الكلام 22: 171.
[15] ـ جواهر الكلام 39: 20.
[16] ـ دروس في علم الأُصول (الحلقة الثالثة) القسم الأول/172.
[17] ـ يراجع الكفاية ص524.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo