< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/04/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة: حجيّة الخبر الواحد
 تقدم أن عمل أصحاب الأئمة «مجتهدون ورواة أو غير مجتهدين وعوام» كان على أساس امارية الوثاقة وحجيتها وتقدم مثالين وهذا الثالث:
 3 ـ إذا حصل خبران متعارضان فكان الأصحاب يتحيرون في الأخذ بأيهما ولذا جاءت روايات العلاج بعد السؤال من الأئمة () ومعنى ذلك أن الأصحاب كانوا يفترضون ثبوت مقتضي الاعتبار في كل منهما في نفسه مع أن حصول الاطمئنان الشخصي لا يحصل عادة عند التعارض، وليس هذا الاّ لان الحجة هو خبر الثقة.
 4 ـ إذا تعارض خبر الثقة مع خبر غير الثقة فالعمل على الاخذ بخبر الثقة من دون الاعتناء بمعارضه، أما لو كان أساس الحجية هو الاطمئنان الشخصي بصدور الخبر فهذا قد لا يحصل مع وجود معارض له ولو من غير الثقة لأن المضعّف لا ينحصر بخبر الثقة بل بحساب الاحتمال.
 5 ـ إذا كان الراوي نخّاساً أو صرّافاً وينقل حكماً مرتبطاً بمهنته فهذه الخصوصية، قد تضعّف من قيمة احتمال الصدق وتمنع من حصول الاطمئنان الشخصي بصدق الراوي على أن العمل على قبول خبره إذا كان ثقة.
 6 ـ بناء الأصحاب العملي على العمل بالخبر مع الواسطة مع أنه لا اشكال في عدم حصول الاطمئنان الشخصي عادة مع تعدد الوسائط ولو فرض حصوله مع عدم تعدد الوسائط.
 اذن: ثبت أن أساس عمل الأصحاب لا يمكن أن يكون هو حصول الاطمئنان الشخصي لهم ولا الظنّ الشخصي [1]
  [5] وإنّما هو على أساس إمارية الوثاقة وحجتها شرعاً.
 تحديد دائرة حجيّة الاخبار:
 إنّ مدرك حجية الخبر إن كان مثل آية النفر فتثبت حجيّة مطلق الخبر بشرط أن يكون المخبر مؤمناً الا ما خرج بالدليل، وقد قام الدليل المخصص في خروج خبر الفاسق بآية النبأ التي أمرت بالتبيّن عن خبر الفاسق الذي هو إرشاد إلى عدم حجيته، ولكن المراد من الفاسق هو الفاسق الخبري (لا الفاسق الشرعي) أي المراد غير الثقة، بقرينة التعليل في ذيلها بالجهالة التي هي معنى السفاهة التي هي التعويل على خبر غير الثقة لا الثقة وإن كان فاسقاً من سائر الجهات.
 وإن كان المدرك لحجية الخبر السنّة والسيرة، فلا اشكال في خروج خبر الفاسق الاخباري (غير الثقة) لأن السيرة العقلائية المركوز فيها عدم حجية أخبار الكاذب، كما أن سيرة المتشرعة منعقدة على العمل بخصوص أخبار الثقاة فقط الذي يوجد مقتضي عقلائي للعمل به. وأما السنّة فهي تدلّ على حجيّة خصوص خبر الثقة من الرواة.
 ثم إن هذه الوثاقة يراد منها وثاقة الراوي بلا حاجة إلى الوثوق الشخصي بالنقل وصدقه كما لا حاجة إلى الظنّ الشخصي بصدق الثقة بنقله، كما أن الوثاقة يكفي فيها أقلّ المراتب ولا حاجة إلى المراتب العالية من الوثاقة، لأن السيرة العقلائية لا تشترط أكثر من ذلك وكذا السنّة اللفظية التي يكون متنها دالاً على حجية مطلق خبر الثقة.
 ولكن خبر الثقة إذا زوحم بأمارة أقوى من وثاقة الراوي، فهل يكون خبر الثقة مشمولاً لدليل الحجية؟
 الجواب: عدم شمولية دليل الحجية له وذلك لأن الوثاقة للراوي (بحسب الارتكاز العقلائي ودليل السنّة) ملحوظة باعتبار كاشفيتها النوعية عن صدق الخبر، فإذا ابتليت بمزاحم أقوى منها كما إذا حصل وثوق واطمئنان شخصي على عدم كاشفيتها عن الواقع أوجب وهن احتمال الصحة للنقل، فلا تشمله السيرة العقلائية، ولذلك فان المسألة المعروفة باعراض المشهور عن خبر صحيح هو من أجل سقوط الخبر عن الحجيّة إذا كانت الشهرة من قبل الأقدمين من علمائنا القريبين لعصر النصّ ولم يكن تفسير واضح لفتاواهم ضدّ الخبر الصحيح.
 ولكن خبر الثقة إذا زوحم بأمارة أقوى من وثاقة الراوي، فهل يكون خبر الثقة مشمولاً لدليل الحجية؟
 الجواب: عدم شمولية دليل الحجية له وذلك لأن الوثاقة للراوي (بحسب الارتكاز العقلائي ودليل السنّة) ملحوظة باعتبار كاشفيتها النوعية عن صدق الخبر، فإذا ابتليت بمزاحم أقوى منها كما إذا حصل وثوق واطمئنان شخصي على عدم كاشفيتها عن الواقع أوجب وهن احتمال الصحة للنقل، فلا تشمله السيرة العقلائية، ولذلك فان المسألة المعروفة باعراض المشهور عن خبر صحيح هو من أجل سقوط الخبر عن الحجيّة إذا كانت الشهرة من قبل الأقدمين من علمائنا القريبين لعصر النصّ ولم يكن تفسير واضح لفتاواهم ضدّ الخبر الصحيح.


[1] لأنّ الظنّ الشخصي قد يكون على خلاف خبر الثقة الحجة ومع هذا يعمل العلماء بالخبر الثقة وإن كان الظنّ الشخصي على خلافه كما نرى ذلك واضحاً بالنسبة للبينة إذا قامت عند الحاكم الشرعي على أنّ البيت لزيد ولكنّ الحاكم الشرعي كان عنده ظنّ شخصي بأن البيت لعمرو فيجب عليه الحكم على وفق ما قامت عليه البينة وإن كان ظنّه الشخصي على خلاف ذلك.
[2] وقد عرفنا أن السرّ في ذلك هو ربط الشارع «لنا للمحافظة على أحكامه الواقعية الغير المعلومة لنا» بطريق وثاقة الرواة لم يربطنا بالوثاقة بالصدور التي معناها الاطمئنان النوعي بالصدور أو الظنّ الشخصي بالصدور.
[3] أقول: قد يقال إنّ الشارع يريد أن يقنّن لنا قانوناً ويعطينا ميزاناً لأجل المحافظة على أحكامه الواقعية التي جهلناها، وقد جعل لنا قانون وثاقة الراوي «أو وثاقة الرواة عند تعدد الوسائط» وهذا الميزان والقانون ثابت عند جميع الفقهاء والرواة، أمّا الظنّ بالصدور فهو ميزان غير ثابت إذ قد يقول فقيه: أنا ظننت بالصدور من هذه الرواية غير الموثوقة، ويقول الآخر لم يحصل عندي الظن الشخصي بالصدور، إذ أنّ الظنّ الشخصي يختلف من شخص لآخر، بينما وثاقة الراوي ستكون عند الجميع واحدة، وهو تحرّج الناقل من الكذب والزيادة والنقيصة عند نقله للخبر، وهو ميزان ثابت عند الجميع.
[4] ولكن يرد على هذا عدم الفرق الواضح بين وثاقة الرواة والظنّ بالصدور من ناحية أنّ كليهما غير ثابت، فالوثاقة لزيد أيضاً تختلف من شخص لآخر، إذ يقول إنسان: إنّا نثق بزيد أنّه يتحرّج عن الكذب ويقول آخر أنّه لم تحصل لي هذه الوثاقة من تحرجّ زيد عن الكذب، كالظنّ بالصدور الذي قد يحصل عند فرد ولا يحصل عند آخر.
[5] إذن السرّ في الاعتماد على خبر الثقة دون الخبر المضنون الصدور هو ورود الدليل على حجية الأوّل دون الثاني فيكون الخبر المضنون الصدور داخلاً تحت عموم النهي عن العمل بالظنّ فهو ليس بحجة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo