< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/04/05

بسم الله الرحمن الرحیم

  الموضوع: قاعدة: حجيّة الخبر الواحد
 أقول:
  أولاً: نحن نقبل السيرة العقلائية على العمل بأخبار الثقات في أعمالهم اليومية التي تؤثّر في الأحكام الشرعية وجعله حجة في مجال الإدانة وتحميل المسؤولية ولم يكن ردع عن هذه السيرة، فنستكشف الإمضاء، فيثبت حكم الشارع بحجية خبر الثقة، فالسيرة هي علة للحجية.
 ثانياً: وكذا بالنسبة إلى سيرة المتشرعة، فهي في الحقيقة متحققة، فإنّ جميع المتشرعين «المجتهدون وغيرهم» يعملون بأخبار الثقات في أمورهم الدنيوية والدينية وفي المسائل الفرعية إذا أخبرهم الثقة بها ويعتمدون على هذا الإخبار من دون تقييد فيكون هذا العمل منهم معلولاً لحجية خبر الثقة.
 ولكنّ إذا كان المراد من سيرة المتشرعة عمل خصوص المجتهدين في المسائل الأصولية التي تقع في طريق الاستنباط [1] في ابواب الفقه فهذه السيرة ليست مطلقة، بل سيرة من المجتهدين مقيدة فلا تكون حجة، ببيان: أنّ مشارب المجتهدين في العمل بخبر الثقة مختلفة، فمنهم من يعمل بالأخبار لكونها مقطوعة الصدور عنده كالإخباريين مثلاً، ومنهم من يعمل بالأخبار لأفادته الظنّ مع بنائه على حجية مطلق الظنّ بدليل الانسداد، ومنهم من يعمل بالأخبار لقيام الدليل على اعتبارها من قرآن أو سنة أو سيرة، وعليه فتكون السيرة المتشرعة من المجتهدين في العمل بخبر الثقة مقيدة وليست مطلقة، ولا عبرة بمثل هذه السيرة في المقام لكون الصغرى تكون مقيدة وليست بمطلقة، إذ حقيقتها إنّ هذا الأمر ممّا دل عليه خبر الثقة المقطوع الصدور عند بعض أو الذي يفيد الظنّ وتمّ عنده دليل الانسداد، أو ممّا قام الدليل عنده على اعتبار خبر الثقة.
 وقد استدل بالدليل العقلي على حجية خبر الثقة: نعرض عنه الآن للقطع بثبوت حجيّة الخبر بما تقدم من الأدلة التي أهمها السيرة العقلائية والمتشرعية التي تشمل المجتهد وغيره فلا نطيل بذكر الأدلة الأخرى.
 هل الحجة هو خصوص خبر الثقة، وأمّا الخبر الموثوق بصدوره فليس بحجة؟ أو أنّ كليهما حجة؟
 نقول: إذا كان الخبر يرويه غير ثقة ولكن وثقنا بصدوره فهل هو حجة أيضاً أو لا؟
 والجواب: إن كان المراد من الوثوق بالصدور وهو الاطمئنان النوعي بصدوره أو الظنّ الشخصي بصدوره فلا دليل على حجية مثل هذا الخبر الموثوق الصدور، إذ الاطمئنان معناه أنّ الخبر لو خلي وطبعه لأفاد الاطمئنان، أما أنا فتوجد عندي امارة أخرى ازالت اطمئناني بالصدور وأوجبت عندي الظنّ أو الشك به، وحينئذ زال هذا العنوان عن الاعتبار وصار ظنّاً أو شكّاً، أمّا الظنّ الشخصي فهو ليس بحجة كما تقدم.
 والدليل على ذلك: إنّ الشارع اراد حفظ أحكامه الواقعية عن طريق إخبار الثقات عنها، فالوثاقة بالصدور وإن كانت طريقاً لتحصيل الحكم إلّا أنّ الشارع حصر الطريق حسب الأدلة بالمتقدمة «الكتاب والسنة و...» بطريق الثقات فلا تكون الرواية الموثوقة الصدور عن غير إخبار الثقات مرادة للشارع وحجة.
 وإن كان المراد من الوثوق بالصدور الاطمئنان الشخصي بالحكم فالاطمئنان بنفسه حجة لا بما أنّه خبر اطمئناني.
 إذن الحجة هو خبر الثقة فقط ولا تشمل الخبر الموثوق بصدوره.
 تنبيه: إن عمل الأصحاب بالاخبار يكون دليلاً لبيّا لا لسان له، وهنا قد يتساءل أن أساس عملهم هل هو إماريّة وثاقة الراوي أو حصول الاطمئنان الشخصي لهم بناء على أن المستفاد من السيرة هو حجيّة الاطمئنان والعلم العادي الذي هو حجة حتى لو حصل من غير خبر الثقة؟ ولابدّ من تتميم دليل حجية خبر الثقة من نفي الثاني.
 والصحيح هو أن عمل أصحاب الأئمة «مجتهدون ورواة أو غير مجتهدين وعوام» كان على أساس امارية الوثاقة وحجيتها والدليل على ذلك هو عدم احتمال حصول الاطمئنان الشخصي [2]
  [3] في حالات كثيرة غالبة في الروايات لاقترانها بمضعفات واضحة مثل:
 1ـ إذا كان الخبر معارَضاً مع عموم قطعي السند واضح الدلالة، فان العموم وإن كان يقبل التخصيص الا أن له كاشفية عن الواقع فيكون عاملاً مضعّفاً لحصول الاطمئنان الشخصي من الرواية المخالفة، ولكن مع هذا يخصص العموم بالخبر المعارض الموثّق.
 2ـ إذا كان الخبر دالاً على العموم، وفي قباله مخصصات قطعية السند، فإن هذا يضعّف من قيمة احتمال صدور العام الظنّي السند، ومع هذا يخصص العام بالمخصص القطعي السند، ومعنى ذلك أن حجية العام من باب وثاقة الراوي لا حصول الاطمئنان الشخصي بالعام.


[1] فكل المجتهدين يقولون بحجية خبر الثقة، فيقولون مثلا: هذا الأمر أو الحكم ممّا دلّ عليه خبر الثقة، وكلّ ما دلّ عليه خبر الثقة حجة، فهذا الأمر أو الحكم حجة.
[2] أنّ المسلك القائل بأنّ الحجة هو الوثوق بالصدور بمعنى الاطمئنان النوعي أو الظنّ الشخصي بالصدور الذي لم نرتضه ليس له ربط بهذا الكلام هنا، بل هذا الكلام هو اثبات الحجية للرواية الموثوقة «أي رواية الثقة» مع حصول اطمئنان شخصي او نوعي بها، بل لو حصل ظنّ بخلافها فهي حجة أيضاً للأدلة المتقدمة.
[3] أمّا إذا ثبت من الرواية الموثوقة اطمئنان شخصي فالاطمئنان بنفسه حجة لا بما أنّه خبر اطمئناني، ولو حصل اطمئنان نوعي فهو ليس حجة لأنّ هذا يعني أنّ الرواية الموثوقة لو خليّت وطبعها لإفادة الاطمئنان ولكن لمزاحمتها مع أمارة أخرى زال ذلك الاطمئنان ولم يعد إلّا الضنّ أو الشك، إذن زال عنوان الاطمئنان النوعي عمّا له من احترام، فحينئذ نقول هل هذا الخبر الذي رواه الثقة حجة؟

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo