< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/04/03

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة: حجيّة الخبر الواحد
 
 وقال السيد الشهيد الصدر [1] : يمكن أن نثبت بالسيرة حجيّة اخبار العدول (أو نطمئن بصحة رواية واحدة من الصحيح الإعلائي أو لوجود قرينة فيها تدلّ على صدورها) وهي تثبت حجية مطلق خبر الثقة إذا كان مضمونها ذلك.
 وكلا الطريقين يمكن تطبيقهما على رواية صحيحة بأعلى درجات الصحة: وإليك هذه الرواية روى الكليني عن محمد بن عبدالله الحميري ومحمد بن يحيى العطار جميعاً عن عبدالله بن جعفر الحميري قال: اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو ـ عثمان بن سعيد ـ عند أحمد بن إسحاق، فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلف ـ أي الحجة ـ فقلت له يا أبا عمرو: إنّي أريد أن أسألك عن شيء وما أنا بشاك فيما أريد أن أسألك عنه فإنّ اعتقادي وديني أنّ الأرض لا تخلو من حجّة الا إذا كان قبل القيامة بأربعين يوماً، فإذا كان ذلك وقعت الحجة وأغلق باب التوبة فلم يك ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيراً، فأولئك شرار مَنْ خلق الله عزّ وجلّ وهم الذين تقوم عليهم القيامة، ولكنّي أحببت أن ازداد يقيناً وأنّ إبراهيم سئل ربّه عزّ وجلّ أن يريه كيف يحيى الموتى قال: قَالَ أَوَ لَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي، وقد أخبرني أبو علي أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن ()( [2] ) قال: سألته وقلتُ مَن أعامل أو عمّن آخذ وقول مَن أقبل؟ فقال له العمري ثقتي فما أدى إليك عنّي فعنّي يؤدي وما قال لك عنّي فعنّي يقول فاسمع له وأطع فانه الثقة المأمون. وأخبرني أبو علي أنه سأل أبا محمد( [3] ) عن مثل ذلك فقال له: العمري وابنه ثقتان فما أديا إليك عنّي فعني يؤديان وما قالا لك فعني يقولان فاسمع لهما وأطعهما فانهما الثقتان المأمونان، فهذا قول امامين قد مضيا فيك. قال: فخرّ أبو عمرو ساجداً وبكى ثم قال سلْ حاجتك فقلت له: أنت رأيت الخَلَف من بعد أبي محمد () فقال: أي والله ورقبته مثل ذا وأومأ بيده. فقلت له: بقيت واحدة، فقال: هات. قلت: فالاسم؟ قال: محرم عليكم أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي فليس لي أن أُحلّل ولا أُحرّم ولكن عنه (). فإن الأمر عند السلطان أنّ أبا محمد () مضى ولم يخلّف ولداً وقُسم ميراثه وأخذه من لا حقّ له فيه، وهذا عياله يجولون ليس لأحد أن يتعرّف إليهم أو ينيلهم شيئاً، وإذا وقع الاسم وقع الطلب، فاتقوا الله وأمسكوا عن ذلك( [4] ).
 أما من حيث سند الحديث:
  1ـ فنحن نطمئن اطمئناناً شخصياً بظن صدقه، من ناحية عدم تعمّد الكذب على الأقل فإذا ضممنا إليه أصالة عدم الغفلة العقلائية تمت الحجيّة، على أن روايات أُخر تسند هذا المضمون وتصرح بحجيّة خبر الثقة (سيأتي ذكرها) فهي تعضد الاطمئنان الشخصي بالصدق.
 2ـ أن سند هذا الحديث من أعلى الإسناد بالوجدان لا التعبد، فيكون هو القدر المتيقن من سيرة العقلاء الدالة على حجيّة الاخبار، فيثبت حجيّة مفاده التي سنذكرها وهي حجيّة مطلق خبر الثقة. فالكليني في كتابه الكافي المتواتر بأنه له: يذكر هذه الرواية وتتفق نسخ الكافي عليها بدون زيادة أو نقصان، فالرواية مسموعة من الكليني وهو شخص لا يتطرق إليه احتمال تعمّد الكذب، في كتابه الكافي الذي شهد الشيخ الطوسي وغيره بأنه ما ألّف شخص كتاباً في الإسلام أضبط واثبت من الكافي.
 واحتمال الخطأ من الكافي ضعيف، ويمكن نفيه بأصالة عدم الغفلة، على أن الرواية نقلها عن اثنين فيبعد الخطأ في النقل من اثنين هما: (محمد بن يحيى العطار، ومحمد بن عبدالله الحميري) حيث اتفق الأصحاب في توثيقهما ولم يغمز فيهما مَنْ هو متوسع في الغمز، ثم عن عبدالله بن جعفر الحميري الذي هو معروف بوثاقته وضبطه الذي كان من شيوخ الأصحاب في «قم» التي هي الحوزة المعروفة بالنقد والحساسية إتجاه من يروي عن الضعاف فضلاً عن الضعيف نفسه، وهو ينقل المضمون في مجلس أحمد بن إسحاق الذي كان جالساً في المجلس وهو من أجلاء الأصحاب، مع عثمان بن سعيد الذي هو من خواص الإمام العسكري () وثقاته وأحد النواب الأربعة. اذن السند سلسلة ذهبية، يطمئن بصدق تمام الرواة.
 دلالة الحديث: فقرتان يمكن الاستدلال بكل منهما:
 الفقرة الأولى: ما صدر عن الإمام أبي الحسن الثالث (الهادي): «العمري ثقتي فما أدى إليك عني فعنّي يؤدي وما قال لك فعنّي يقول، فاسمع له واطع، فإنه الثقة المأمون» فإن التفريع باسمع له وأطع والتعليل فانه الثقة المأمون والتعليل عام فهو بمثابة كبرى كليّة وهي أنّ كل ثقة مأمون يُسمع له، وهو معنى حجيّة خبر الثقة.
 وبما أن المأمور هو محمد بن إسحاق الذي هو من خواص الأئمة فإرجاعه إلى العمري يكون لا في التقليد بل في استماع الاخبار التي ينقلها عن الإمام () ولزوم تصديقه فيها، لأن محمد بن إسحاق كان يعيش في حوزة قم البعيدة عن موطن الإمام () وفي الحاكمية والولاية أيضاً .
 الفقرة الثانية: ما صدر عن الإمام العسكري() في حقّ (عثمان بن سعيد العمري وابنه): «العمري وابنه ثقتان فما أديا إليك عني فعنّي يؤديان وما قالا لك فعنّي يقولان فاسمع لهما وأطعهما فأنهما الثقتان المأمونان»( [5] ) وبما أن ابن العمري لم يكن باباً من أبواب الإمام الحسن العسكري «حال صدور الرواية» فلا يحتمل الإرجاع لأنه وكيله وبابه وإن كان العمري هو بابه ووكيله حال صدور الرواية اذن يكون الإرجاع إليهما بملاك الوثاقة لا كونه وكيلاً وباباً. والاستدلال كما في الفقرة الأولى بل أوضح.
 إذ ما قد يقال: من أن الوثاقة قد تطلق ويراد منها الوكالة والنيابة «لا مجرد الوثاقة بالمعنى الأصولي المبحوث عنه هنا ولذا سجد العمري لله شكراً وبكى لهذا المقام العظيم من قبل إمامين في حقّه وإن احمد بن إسحاق الذي هو فقيه مطّلع على أصول أصحاب الأئمة () السابقين وتراثهم بشكل اضبط من العمري السمّان فلا يعقل إحالته على العمري في أخذ الروايات منه بل المراد إطاعته في الولاية والحاكمية والوظائف السياسية والاجتماعية التي كان الإمام عاجزاً عن الإعلان عنها فالمسألة مسألة توكيل ونصب منافذ موثوقة لأخذ المواقف العملية الاجتماعية السياسية، وهذا أجنبي عن الحجيّة في نقل الروايات غيرُ صحيح إذ حتى لو افترضنا أن أحمد بن إسحاق اطلع من العمري في الروايات الا أن الإرجاع إليه مطلق يشمل ما ذكر والروايات التي يرويها بما أنه ثقة مأمون، فان شمول الرواية لأمر الوكالة والنيابة لا يمنع من التمسك بإطلاقها حتى لِرواية الخبر عنهم () فهي مطلقة ولا بأس بالأخذ بإطلاقها لما يشمل نقل الخبر.
 ثم في الرواية: العمري وابنه ثقتتان فما أديا إليك عني فعني يؤديان، فإن ابن العمري ليس وكيلاً وباباً فلاحظ.


[1] بعد ان ذكر السيد الشهيد عدم وجود روايات متواترة على حجية خبر الواحد لأن الروايات في هذا الصدد لا تتجاوز الخمسة عشر رواية فلابدّ لإثبات حجية خبر الواحد الثقة من طريق آخر وهذا الطريق لم يلق اهتماماً كبيراً عند علمائنا الأبرار وأن كان قد أشار إليه صاحب الكفاية وغيره كالسيد الخوئي إلّا أنّه لم يذكر تطبيقاً يوضّح هذا الطريق المهم، لذا تعرض السيد الشهيد في بحثه الخارج إلى بيان هذا الطريق.
[2] ـ الإمام الهادي ().
[3] ـ الإمام العسكري.
[4] ـ جامع أحاديث الشيعة ج1 باب حجيّة اخبار الثقات ح1.
[5] ـ جامع أحاديث الشيعة 1: باب حجيّة اخبار الثقات ح1 وح19.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo