< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/04/02

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة: حجيّة الخبر الواحد
 
 تقدم أنّه قد اعترض السيد الشهيد على هذا الاستدلال ونقول بعبارة أخرى: إنّ كلمة الإنذار لا تشمل الإخبار من قبل الرواة للناس لأنّ السامع قد لا يسلّم ظهور الرواية في أمر ما، أو قد يحتمل ابتلاءها بالمعارض أو لمخصص او نحو ذلل، بل الانذار يختصّ بالاجتهاد ورأي المجتهد سواء في مرتبته البسيطة أو المعقّدة وينقله إلى السامع فهي أجنبية عن حجية خبر الثقة.
 أقول: في بداية الدعوة الإسلامية لا أهم من الحلال والحرام فإنه معنى التفقه في الدين فان من لم يعرف الاحكام لا يعرف الدين وهي أساس الدين. أو نقول: إن الآية في صدد بيان أن قسماً من الناس تفقه في الدين وفَهمه وحمل الأخبار الناهية والآمرة فيجب عليه إنذار قومه، بينما مسألة الجهاد العقائدي والفكري ليس فيه إنذار بل هي مسألة يصل إليها الإنسان بنفسه «بعد التفقه في الدين وفَهمَه»، اذن الآية مختصة بإنذار الاحكام ليس الا، فلاحظ.
 وإن أبيت إلّا أن يكون الاجتهاد فيه إنذار للناس، لأنّ الاجتهاد وإن لم يكن فيه إنذار عند حصوله إلّا أنّ فيه إنذار بعد حصوله وحمله إلى الأجيال والأطراف فهنا نقول: إنّ إيصال الحكم الحلال أو الواجب أو الحر ام إلى الناس إنذار أيضاً، وهو اجتهاد بسيط لا معقد، فتكون الآية واردة لكلّ ما رود من الشريعة من أحكام بواسطة الرواة سواء كان هذا التفقّه بسيطاً أو معقّداً، فهي تشمل الأخبار الصادرة وإيصالها إلى الناس كما تشمل مسؤولية الاجتهاد وإيصال الحكم من المجتهد بواسطة الفتوى إلى الناس، على أنّ الاجتهاد في بداية الدعوة قد لا يكون موجوداً، فهل يمكن أن تكون آية صادرة في زمن النبي (ص) وفي اوّل الدعوة وليس لها مصداق بل يكون مصداقها الاجتهاد الحاصل بعد فقد النبي (ص)؟ أو بعد فقد النبي والأئمة (سلام الله عليهم)؟ فاحتاج الناس إلى الاجتهاد على قول، وإن كان الصحيح أنّ الاجتهاد كان موجوداً في زمن الأئمّة (ع)، إلّا أنّه لم يكن موجوداً في زمن النبي (ص) وزمن تشريع الأحكام في بداية الدعوة، فالآية تشير إلى ذلك الوقت الذي ليس فيه من أثر التفقه إلّا بيان الحلال والحرام بواسطة نقل الرواية عن النبي (ص) أو الإمام (ع) ولعلّ هذا هو المراد بالاجتهاد البسيط الذي يحتاج إلى معرفة الكلام العربي ودلالاته وبعض النكات الأخرى.
 إذن الإشكال غير وارد على الآية ودلالتها على حجية الخبر الواحد ولكن تقيّد بآية النبأ حيث دلّت على عدم حجية خبر غير الثقة.
 والخلاصة: يوجد عندنا أمور ثلاثة:
 الأوّل: لزوم أن يكونه في الأمّة من يدافع عن عقائدها ويدفع تشكيك المشككين كالمتخصصين في العقائد الإسلامية وهذا يستوجب ان تكون كل عقيدة معلومة واضحة ولا يكفي فيها الظنّ.
 الثاني: أن يكون في الأمّة مجتهدون يستنبطون الأحكام الشرعية ويقدّموها للمكلّفين وهذا يستوجب معرفة العام والخاص والمطلق والمقيّد وما هو دخيل في الاجتهاد.
 الثالث: الراوي الذي ينقل لنا خبر عن الإمام او الرسول أو يذكر لنا واقعة وقعت في زمان المعصوم، فهل يكون كلامه وخبره حجّة أم لا؟
 والمنسوب عن السيد الشهيد أنّ آية «النفر» تنظر إلى الأمر الأوّل.
 والذي ذكرناه بعبارة اخرى ينظر إلى الأمر الثاني.
 والذي نريد إثباته هو الأمر الثالث.
 ونحن نقول: إنّ اطلاق الآية في التفقه والإنذار والحذر يشمل جميع هذه الصور الثلاثة فلاحظ.
 وقد استدلّ المحقّق النائيني(قده) على حجية خبر الواحد بآية النفر بطريق آخر وخلاصة ما قاله: إنّ كلمة لعلّ تستعمل للدلالة على أنّ ما يتلوها هو علة غائية لما قبلها، سواء كان الاستعمال لكلمة لعل في التكوينات أو التشريعات وسواء كان ما يتلوها من الأفعال الاختيارية التي يمكن أن تتعلّق بها الإرادة أو من الموضوعات الخارجية التي لا يصلح أن تتعلّق بها الإرادة.
 وحينئذٍ، فإن كان ما يتلو لعل من الأفعال الاختيارية التي تصلح أن تتعلّق به الإمارة الفاعلية والآمرية كان لا محالة ما بعدها بحكم ما قبلها، فإن كان ما قبلها واجباً يكون ما بعدها واجباً أيضاً، وإن كان ما قبلها مستحبّاً كان ما بعدها مستحبّاً، إذ أنّ جعل الفعل الاختياري غاية للواجب أو المستحب يلازم وجوب ذلك الفعل أو استحبابه، وإلّا لم يكن ما بعد لعل من العلل الغائية، وفي الآية الكريمة جعل التحذّر علة غائية للإنذار، والانذار يشمل ما إذا كان قد حصل علم منه أو لا ، ولمّا كان انذار واجباً كان التحذّر واجباً.
 وإنذار المنذر: هو طريق إلى الدين ومحرز له، فيجب اتباع المنذر والبناء على أنّ انذاره هو الواقع.
 والتحذّر: هو العمل بقول المنذر لا مجرّد الخوف فالتحذّر من الأفعال الاختيارية التي يصحّ أن يتعلّق التكليف به [1] .
 أقول: إذا ثبت انّ موارد استعمال لعل بأجمعها يكون للدلالة على أنّ ما بعدها هو علة غائية لما قبلها صحّ كلام المحقّق النائيني في الآية الكريمة التي يكون ما بعد لعل من الأفعال الاختيارية التي يصلّح تعلّق الإرادة الفاعلية والآمرية بها.
 أمّا إذا قيل: إنّ موارد استعمال لعل هو لمجرّد إبداء الاحتمال بلا مطلوبية لمدخول لعل كما في قولنا لرجل: ادخل البيت لعلك تنفعنا، أو قولنا انظر إلى الهلال لعلّك تراه، أي يحتمل أن تنفعنا ويحتمل ان ترى الهلال إذا نضرت إلى الأفق، فنحتمل أن تكون الآية كذلك إذ يقال: إنّ الأمر بالنفر والتفقه والإنذار لاحتمال الحذر من السامع فلا تدلّ على وجوب الحذر والعمل بقول المنذر فلا تكون حجة.
 بل قد تستعمل لعل لأمر لا يرجى حصوله إمّا لاستحالته أو لكونه ممكن غير مطموحا لنيله كقول الشاعر:
 أسرب القطا هل من يعير جناحهلعلي إلى من قد هويت أطير وقد تستعمل في الأمر المطلوب المحبوب الممكن المطموح في حصوله وتكون للترجي كقوله تعالى: «وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ» [2] ، والسبب هنا هو الطريق.
  إذن الاستعمالات متعددة ولابدّ لاثبات المعنى الأوّل من قرائن وهي محلّ الكلام.
 وأمّا السنّة: قال صاحب الكفاية: يكفي أن نثبت ولو بالتواتر الإجمالي حجيّة خبر واحدٍ لأخصّ صفات الاعتبار كالضبط والعدالة مثلاً، ثم نثبت به حجيّة سائر أخبار الثقات التي ليست من الصحيح الإعلائي بالتمسك بإطلاق رواية تدلّ على حجيّة اخبار الثقات وهي صحيحة( [3] ).
 فقد يمثّل كتطبيق لما ذكره صاحب الكفاية بالصحيح المروي عن العسكري () في كتب بني فضّال وهو: ما رواه محمد بن الحسن (الشيخ الطوسي) في كتاب الغيبة عن أبي الحسين بن تمام عن عبد الله الكوفي خادم الشيخ الحسين بن روح عن الحسين بن روح عن أبي محمد الحسن بن علي () أنه سئل عن كتب بني فضّال فقال: «خذوا بما رووا وذروا ما رأوا»( [4] ).
 أقول: الرواية هذه ليست صحيحة بل فيها عبد الله الكوفي الذي هو خادم الحسين بن روح وهو مجهول، ولم نظفر بترجمة لأبي الحسين بن تمام فلاحظ.
 أقول: مثال التواتر الإجمالي هو أن نجد خمسين رواية في باب الرجوع إلى رواة الاخبار، ثلاثون منها تقول أرجع لراوي الخبر، وعشرة فيها تقول ارجع لراوي الخبر الموثوق ويرويه الثقات وتسعة منها تقول ارجع إلى راوي الخبر الثقة وواحد منها يقول ارجع لراوي الخبر العادل الشرعي. فهنا يكون أضيق الاخبار هو الأخير. وبما أن التواتر الإجمالي: معناه صحة واحد من هذه الاخبار مع اختلاف ألفاظها ومعانيها فالخبر يختلف عن الخبر الموثوق الذي يرويه الثقات، وهما يختلفان عن خبر الثقة وكلها تختلف عن خبر العادل الشرعي الا أن الثلاثين الدالة على حجية كل خبر تقول بحجية الخبر الأخير (خبر العادل) والعشرة التي بعد الثلاثين تقول بحجية خبر العادل الشرعي لأنه مع كونه خبر عادل شرعي عن عادل شرعي يكون موثوقاً بصدوره وقد رواه الثقاة، والتسعة الأخرى تقول بصحة خبر العادل لأنه اخص من الثقة فما دلّ على حجية الأعم دلّ على حجيّة الأخص [5]
  [7] ، اذن إذا كانت واحدة صحيحة بالعلم الإجمالي فنأخذ بأخصها وهي الصحيحة الإعلائية: فإذا كانت هذه الصحيحة الإعلائية تقول بحجية كل خبر رواه الثقة، فتكون النتيجة هي حجية خبر الثقة.


[1] راجع فوائد الأصول تقريرات النائيني للكاظمي3: 185-188، بتصرّف غير مخلّ بالمراد.
[2] القصص: 38.
[3] ـ كفاية الأُصول 347 .
[4] ـ وسائل الشيعة ج18: باب 8 من صفات القاضي ح79.
[5] أقول: هذا الكلام هنا صحيح لأنّ الشروط التي نريدها للعام وهو حجية خبر الثقة الذي لا يكذّب هي موجودة وزيادة في العادل الشرعي، فإنّه لا يكذب ولا يترك الصلاة ولا يشرب الخمر، فما دلّ على قبول قول الثقة يكون دالاً على ثبوت قول العادل الشرعي وهو الأخصّ.
[6] أمّا إذا ثبت عنوان للعام كما إذا ثبت انّ زيداً ضرب وقتل عمرواً عمداً فهنا يثبت عنوان القتل العمدي لعمر من قبل زيد، ولكن لو كان هناك عنوان أخص من القتل العمدي وهو القصاص وله شروط أخرى تضمّ إلى القتل العمدي فلا يمكن بإثبات العام وهو القتل العمدي أن نثبت الخاص الذي هو القصاص وذلك لعدم توفّر شروط الأخص فلاحظ.
[7] وبعبارة اخرى: تارة يكون العام مع الخاص كالمفهوم ومصداقه فيكفي شروط العام للخاص لأنّ الخاص مصداق من مصاديق العام، وتارة يكون العام مع الخاص كالمتباينين كالحيوان الذي له شروط لتحقّقه والإنسان الذي هو خاص إلّا أنّه له شروط أخرى غير شروط العام لتحقّقه فإذا ثبت الحيوان لا يثبت الإنسان إلّا بشروطه فلاحظ.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo