< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/03/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة: حجيّة الخبر المتواتر
 تقدم: انّه إذا واجهنا عدداً كبيراً من الأخبار فسوف نجد إحدى الحالات التالية:
 1ـ التواتر الإجمالي: وهو أن لا يوجد بين المدلولات الخبرية مدلول مشترك يخبر الجميع عنه، كما إذا جمعنا بطريقة عشوائية روايات كثيرة من مختلف الأبواب من الكتب الأربعة وفي هذه الحالة من الواضح أنّ كل واحد من تلك المدلولات لا يثبت بالتواتر، ولكن يحصل العلم الإجمالي بصدور بعضها عن الإمام () وهذا ما يسمى بالتواتر الإجمالي.
 وكيفية حصول العلم الإجمالي بصدور بعضها هو: لأن احتمال صدق واحد منها احتمال كبير جداً، احتمال كذبها جميعاً صدفة احتمال ضعيف جداً «بنفس ملاك حساب الاحتمال» بان نحتمل أن الإختيار العشوائي وقع صدفة على جملة من الاخبار كلها كاذبة، فأن هذا ضعيف جداً وهذا الضعف لا ينعدم ولا يبلغ درجة اليقين بالعدم الا بإضافة المضعّف الكيفي إلى المضعف الكمي بأن يقال: كيف اتفقت مائة مصلحة للمختلفين [1] على سنخ كذبٍ واحد معين على أن عوامل التباين فيهم أكثر من الاشتراك، وبهذا يحصل العلم الإجمالي بصدور بعضها وينعدم احتمال كذبها باجمعها.
 2 ـ التواتر المعنوي: وهو أن يوجد بين المدلولات الخبريّة جانب مشترك يشكّل مدلولاً تحليليّاً لكل خبر، أما على نسق المدلول التضمني أو على نسق المدلول الالتزامي مع عدم التطابق في المدلول المطابقي بكامله، كالاخبارات عن قضايا متغايرة ولكنها تتضمن جميعاً مظاهر من كرم حاتم الطائي مثلاً، ومثل الأخبار الحاكية عن غزوات مختلفة تشترك في الدلالة على شجاعة علي ()، وهذا ما يسمى بالتواتر المعنوي.
 وهنا بالإضافة إلى المضعّف الكمّي لكذب هذه الاخبار المائة يوجد المضعّف الكيفي للمصبّ المشترك وهو شجاعة علي () أو كرم حاتم، والمضعّف الكيفي كما قلنا هو كيف يفترض اجتماع مصالح المائة على الكذب في شجاعة على أو كرم حاتم مع أن عوامل التباين بين هؤلاء المائة أكثر بكثير من عوامل الاشتراك. إذ فيهم السنّي وفيهم الواقفي وفيهم الفطحي وفيهم الشيعي وفيهم من هو غيرهم، وهذا المضعّف الكيفي مع الكمّي يوجب حصول اليقين وزوال الاحتمال الضعيف نهائيّاً.
 وكلما كان المصب المشترك أضيق وذا تفاصيل أكثر كان الحساب أوضح وأسرع.
 3ـ التواتر اللفظي: وهو أن تكون الإخبارات مشتركة في المدلول المطابقي بالكامل كما إذا نقل المخبرون جميعاً أنهم شاهدوا قضية معينة من قضايا كرم حاتم أو شجاعة علي يوم الخندق، وهذا ما يسمّى بالتواتر اللفظي، فهنا سوف يكون المصبّ المشترك أضيق دائرة مما سبق يتكون المضعّف الكيفي أقوى، لأن تأثير عوامل الاشتراك في المصبّ الأضيق (في خصوص شخص قضية معينة بتفاصيلها) دون عوامل التباين الكثيرة أبعد جداً، ولهذا كلّما تكون التفاصيل في الواقعة المنقولة أكثر كان المضعّف الكيفي أقوى وأسرع تأثيراً في إيجاد اليقين، إذ اتفاق عوامل المصلحة المشتركة أو اختلال الحدس والخطأ في نقل قصة بألفاظ مخصوصة بعيد جداً، فيكون التواتر اللفظي أقوى من التواتر المعنوي.
 التطبيقات في كتب الأصول:
 أمثلة المتواترات كثيرة، وقد عدوّا منها كل ما يتصل بضروريّات الدين كالفرائض اليومية وأعدادها وأعداد ركعاتها، وصوم شهر رمضان، وكذا حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين، وهو: «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي»( [2] )وحديث الغدير، وهو «مَنْ كنت مولاه فعلي مولاه»( [3] ). واعتبرو من المتواتر أيضاً قوله (): «إنّما الأعمال بالنيات»( [4] ). وقوله (): «مَنْ كذّب عليّ متعمّداً فليتبوأ مقعده من النار»( [5] )( [6] ).
 1 ـ قال السيد الخوئي: «التواتر اللفظي: وهو أن يخبر جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب لسماع لفظ بخصوصه عن المعصوم ـ سلام الله عليه ـ كالتواتر الحاصل بالنسبة إلى قول النبي ()«مَنْ كنت مولاه فعلي مولاه» بغدير خم.
 والتواتر المعنوي: وهو أن تتواتر وتتكاثر أخبار متفرقة في بيان خصوصيات متفاوتة الاّ أنها دالة على معنى، بمعنى أن كلّ واحد من هذه الأخبار ليس بخالٍ من الدلالة عليه، ومثل هذه الاخبار المتكثرة الواردة في الوقائع المتفرقة من قتل عليّ في خيبر كذا وفي أُحد كذا وفي غيرها كذا، فانها مشتركة في استفادة شجاعته - سلام الله عليه - وأن لم يكن مقصود للمخبر في خبره.
 التواتر الإجمالي: وهو أن تتكثر الاخبار في وقائع متعددة الا أنها لا تشترك في معنى واحد وإنّما يقطع الإنسان بوجود خبر من هذه الاخبار صادر عن الإمام... وأحسن مثال لذلك: أنه لا مجال لاحتمال كذب الاخبار الموجودة في كتاب الوسائل بحيث لا يكون منها خبر صحيح أصلاً»( [7] ).
 2ـ قال السيد الخوئي: «والانصاف: إن اخص تلك الاخبار [يشير إلى اخبار التقليد] هي الاخبار الدالة على حجية خبر العدل الضابط لأن في جملتها: فلان مأمون على الدين والدنيا، وخذ بما يقوله أعدلهما، وفلان كان وجيهاً عند أبي وغيرها مما تدلّ على أعتبار العدالة، وحينئذ فلو قلنا بالتواتر الإجمالي بين هذه الاخبار فهي دالّة على حجية خبر العدل الضابط لأنها أخصّها والقدر المتيقن منها»( [8] ).
 تطبيقات فقهية للتواتر
 أ ـ التواتر المعنوي
 1 ـ قال في نهاية المرام: «وقال ابن الجنيد: كلما وقع عليه اسم الرضعة وهو ما ملأت بطن الصبي أما بالمصّ أو بالوجور يحرم النكاح، واستدل في المختلف بما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار عن أبي الحسن () أنه كتب إليه يسأله عمّا يحرم من الرضاع فكتب (): «قليله وكثيرة حرام».
 وهذه الرواية لا تناسب الاحتجاج بها لابن الجنيد، لأنها لا تدلّ على ما اعتبره من الرضعة التامة ولا نعلم بمضمونها قائلاً، مع أن الاخبار الواردة بخلاف ما تضمنه تكاد أن تبلغ حدّ التواتر المعنوي»( [9] ).
 2 ـ قال في الحدائق الناظرة: «الوديعة ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع... وأما السنّة فالاخبار بذلك مستفيضة تكاد تبلغ حدّ التواتر المعنوي، فروي في الكافي والتهذيب عن الحسين الشيباني عن أبي عبدالله () قال: قلت له: أن رجلاً من مواليك يستحل مال بني أُميّة ودمائهم وأنه وقع لهم عنده وديعة، فقال: «أدوا الأمانات إلى أهلها وإن كانوا مجوساً، فإن ذلك لا يكون حتى يقوم قائمنا () فيحلّ ويحرّم»( [10] ).
 3 ـ وقال في الحدائق الناظرة أيضاً: «المقام الثاني ـ في سجدة الشكر ـ وهي مستحبة عقيب الصلاة شكراً على التوفيق لأدائها... ويدلّ عليه من الاخبار ما يكاد يبلغ حدّ التواتر المعنوي»( [11] ). ثم ذكر بعض الروايات الدالة على ذلك فراجع.
 4 ـ وقال في الحدائق أيضاً: في ردّ القول الذي ذكره الشيخ الطوسي بأنّ آخر وقت الظهر هو مضي أربعة أقدام: «وهو وإن كان منقولاً عنه في الأوقات إلّا أنه مردود بالآية والروايات التي ربما بلغت التواتر المعنوي من امتداد وقت الظهرين إلى الغروب إلّا بمقدار صلاة العصر...»( [12] ).
 5 ـ قال في جواهر الكلام: «إن الفرض في الغسلات ـ أي غسلة الوجه واليمنى واليسرى ـ مرة واحدة قولاً واحداً عندنا... ويدلّ عليه... ما يكاد يقرب من التواتر المعنوي في اخبارنا من كون الواجب من الغسل مرّة واحدة، وقد تسمع بعضها فيما يأتي»( [13] ).


[1] ففي الرواة من هو عربي ومن هو أعجمي ومنهم الحبشي والسني والفطحي والواقفي والخارجي ومنهم الثقة والفاسق، ومنهم من يعتقد بالعصمة ومن لا يعتقد بها ومنهم المعادي والمحبّ وهكذا هناك اعتقادات وثقافات وسلوكيات متعددة ومتباينة، فكيف تتفق مصالحهم على كذب واحد معيّن؟
[2] ـ وسائل الشيعة ج 18 باب 5 من أبواب صفات القاضي ح 9، مسند أحمد بن حنبل 3: 14.
[3] ـ الكافي ج1: 295 باب الإشارة والنص على أمير المؤمنين () ضمن حديث 3.
[4] ـ وسائل الشيعة ج1: باب 5 من مقدمة العبادات ح6.
[5] ـ وسائل الشيعة ج8 باب 139 من أحكام العِشرة ح5.
[6] ـ الأُصول العامة في الفقه المقارن: 196.
[7] ـ غاية المأمول في علم الأُصول ج2: 178 ـ 179.
[8] ـ المصدر نفسه: 179 ـ 180.
[9] ـ ج1: 106.
[10] ـ ج21: 395.
[11] ـ ج8: 341.
[12] ـ ج2 أو 3: 253 يراجع.
[13] ـ ج2: 266.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo