< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/03/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة: حجيّة الظواهر
 تقدم إن أصالة الحقيقة تعني أصالة الظهور التصديقي الأول، أي إنّ الأصل أنّ المتكلم يقصد افهام المعنى الحقيقي التصوري (لا المجازي).
 وأصالة العموم: في مقابل تخصيص لا يلزم منه تجوّز، وهي تعني أصالة الظهور التصديقي الثاني الكاشف عن المراد الجدّي.
 وأصالة الإطلاق: في مقابل تقييد لا يلزم منه تجوّز، وهي تعني أصالة الظهور التصديقي الثاني الكاشف عن المراد الجدّي. بمعنى أن الأصل أن المتكلم يريد معنى كلامه ومراده الجدّي، فما يقصده في كلامه يريده واقعاً.
 وهذه الأُصول حصص من أصالة الظهور بلحاظ الظهور التصديقي الأول أو الثاني.
 وهذه الأُصول كلها تسمى بالأصول الوجودية تجري في حالة القطع بعدم وجود قرينة على المجاز أو على الخاص أو على القيد، ولكن يحتمل المجاز والخاص والقيد من جهة احتمال الغفلة عن نصب القرينة، أو احتمال قصد الإيهام أو احتمال الخطأ أو احتمال قصد الهزل أو لأيّ شيء آخر. فهنا تجري أصالة الظهور ويلزم المتكلم بظاهر كلامه فيكون حجة عليه ويكون حجة له أيضاً على الآخرين، ولا تسمع منه دعوى الغفلة ونحوها، ولا تسمع هذه الدعوى من قبل الآخرين في حقّ المتكلم. هذا كله في مقابل أصالة عدم القرينة أو عدم التخصيص أو عدم التقييد عند الشك واحتمال ارادة خلاف الظاهر من جهة احتمال نصب قرينة خفيت علينا.
 أما هذه الأُصول العدمية فإن تمسكنا فيها بأصالة الظهور في مورد يحتمل فيه القيد وقد خفي علينا كما يحتمل عدم القيد، فإن كان القيد موجوداً فهو مقيّد وإن لم يكن موجوداً فهو مطلق فإن تمسّكنا بأصالة الظهور في نفي القيد فهو تمسك بالظهور في الشبهة المصداقية. اذن نحن بحاجة في الأُصول العدمية عند الشك في وجود قرينة أو تخصيص وتقييد إلى اجراء أصالة عدم القرينة أولاً وعدم التخصيص والتقييد «الخارجي» ثانياً ثم نتمسك بأصالة الظهور( [1] ).
 ولكن الشيخ الأنصاري والمحقق الخراساني لم يفرقوا بين الأُصول الوجودية والعدمية فقال الشيخ الأنصاري بإرجاع الأُصول الوجودية إلى العدمية فقال بإرجاع أصالة العموم مثلاً إلى أصالة عدم المخصص. وقال الخراساني بعكس ذلك أي يرى أن أصالة عدم القرينة ترجع إلى أصالة الظهور، وذلك لأن الوجدان العقلائي شاهد على أن المرجع لهم في الحالتين أمر واحد، وهي النكتة المشتركة في حالة القطع بعدم القرينة أو احتمال القرينة وهي أصالة الظهور في الكلام.
 وقد ناقشهم السيد الشهيد: بأن وحدة النكتتين ووجدانيتها لا تقتضي أكثر من الاحتياج إلى أصالة الظهور في الحالتين فهي مرجع فيهما، وهذا لا ينافي أن نكون في أحداهما ـ وهو حالة الشك في القرينة ـ بحاجة إلى اجراء أصل آخر في المرتبة السابقة وهو أصالة عدم القرينة والا فيكون التمسك بالظهور تمسّكاً بالأصل مع الشبهة المصداقية في موضوعه وهذا ما لا يرتكبه العقلاء( [2]
  [3] ).
 أقول: إن معنى بناء العقلاء على أصالة الظهور هو اعتبارهم الظهور حجة (كالنص) بإلغاء احتمال الخلاف سواء كان احتمال الخلاف من جهة الغفلة أو الهزل أو من ناحية احتمال القرينة التي خفيت علينا. فكل هذه الاحتمالات ملغيّة بنظر العقلاء، فالمنفي في الحقيقة عند العقلاء هو الاحتمال، أما القرينة الواقعية التي لم تصل الينا فلا أثر لها في نظر العقلاء ولا تضرّ في الظهور حتى نحتاج إلى نفيها إلى الأصل، فإن معنى أصالة عدم القرينة معناه البناء على نفي وجود القرينة لا البناء على نفي احتمالها، وبهذا يتضح عدم وجود أصل للعقلاء يسمى (أصالة عدم القرينة) حتى يقال برجوعه إلى أصالة الظهور أو برجوع أصالة الظهور إليه كما ذهب إليه الشيخ الأنصاري وصاحب الكفاية، ولا حاجة إلى جريانه أولاً ثم الرجوع إلى أصالة الظهور في حالة الشك في احتمال وجود القرينة التي خفيت علينا كما ذهب إليه الشهيد الصدر بل يكون نفي احتمال الغفلة والهزل الذين يمنعان من الظهور ونفي احتمال القرينة [4] على التخصيص مثلاً التي خفيت علينا هو معنى أصالة الظهور وليس شيئاً آخر. فأصالة الظهور: نفي احتمال الغفلة أو الخطأ أو تعمد الأيهام أو نصب القرينة على الخلاف أو غيرها فكل هذه الاحتمالات ملغيّة في نظر العقلاء ومعنى الغائها هو اعتبار الظهور حجة.
 فالأصل هو أنّ المتكلم يريد المعنى الحقيق لما تكلّم به «لا المجاز» والأصل أن يكون ما تكلّم به مراداً جداً لا هزلاً، فالعقلاء يلغون احتمال القرينة واحتمال خلاف الظاهر، وهذا هو عبارة عن أصالة الظهور، فلا يوجد إلّا أصل واحد وهو أصالة الظهور، ولا يوجد أصل عقلائي آخر يسمّى بأصالة عدم القرينة.


[1] ـ راجع بحوث في علم الأُصول4 : 270 ـ 271.
[2] ـ راجع بحوث في علم الأُصول4 : 271، أقول: إنّ أصالة الحقيقة وأصالة الظهور وأصالة الإطلاق إنّما تجري عند احتمال وجود قرينة على المجاز وعند احتمال تخصيص للعام وتقييد للمطلق، فهنا العقلاء ينفون هذه الاحتمالات فيثبت أصالة الحقيقة وأصالة العموم وأصالة الإطلاق وهو معنى حجية الظهور وأصالة الظهور.
[3] أمّا أصالة عدم القرينة وأصالة عدم الخاص وأصالة عدم القيد فهي إنّما تجري للبناء على نفي وجود القرينة ونفي وجود الخاص ونفي وجود القيد، لا على نفي احتمال وجود القرينة ووجود الخاص ووجود القيد، ولهذا فإنّ الشهيد الصدر قال: «لابدّ أن نجري نفي وجود القرينة ثمّ ننفي احتمال وجودها».
[4] فإنّ احتمال القرينة على التخصيص يوجب الفحص عن القرينة على التخصيص بقدر الإمكان، ولا يمنع من أصالة الظهور إذا لم نظفر بالقرينة بعد الفحص.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo