< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/02/13

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة: السيرة العقلائية
 ومثال آخر على ذلك «الطريق الثاني» يظهر في مسألة المسح في الوضوء بتمام الكفّ على ظهر القدم فينفى وجوب ذلك بقيام السيرة على عدم الالتزام به وذلك:1ـ إنّ هذا الحكم «المسح على ظهر القدم» ممّا يبتلي به تمام الأفراد دائماً.2ـ إنّ المسح بتمام الكفّ على تمام ظهر القدم (الذي هو خلاف ما يراد إثبات السيرة عليه) هو خلاف مقتضى طبع الأفراد، ولذا لم ترد أخبار عديدة دالة على وجوبه، وإنّ فرض ورود حديث واحد على وجوبه فهو لا يضرّ.3ـ لولا قيام السيرة على عدم الالتزام بالمسح بتمام الكفّ على تمام ظهر القدم لكان يكثر السؤال عن الوجوب ويكثر الجواب وكان يصلنا ذلك في عدّة روايات ولكن لم يصل ذلك، فإذا تمّت هذه المقدمات يثبت وجود سيرة على مسمّى المسح بالكف على مسمّى المسح على ظاهر القدم [1]
  [3] . الطريق الثالث: أن يكون للسلوك الذي يراد إثبات كونه سلوكاً عاماً للمعاصرين للأئمة () سلوك بديل على نحو لو لم نفترض السلوك الأول يتعيّن افتراض هذا البديل، ويكون هذا السلوك البديل معبّراً عن ظاهرة اجتماعية غريبة لو كانت واقعة حقّاً لسجلت وانعكست علينا باعتبارها خلاف المألوف، ولكن حيث لم تسجّل يعرف أن الواقع خارجاً كان هو المبدل لا البدل، مثل ذلك: أن نقول: إن السلوك العام المعاصر للمعصومين كان منعقداً على اعتبار الظواهر والعمل بها، إذ لولا ذلك لكان لابدّ من سلوك بديل يمثّل طريقة أخرى في التفهيم والتفاهم، وهي الطريقة الرمزية في التفاهم مثلاً أو طريقة التفاهم بواسطة الرسوم والصور، ولما كانت الطريقة البديلة تشكّل ظاهرة غريبة عن المألوف كان من الطبيعي أن تنعكس ويشار إليها، والتالي غير واقع فكذلك المقدّم، وبهذا يثبت استقرار السيرة على العمل بالظواهر.
 الطريق الرابع: قلنا فيما تقدم أن السيرة العقلائية قد ندرك علّتها (فيما إذا لم تكن علّتها غامضة)، فإذا أدركنا علّة السيرة في زماننا هذا وأثبتنا أن تلك العلّة لم تتغير من زمان إلى زمان فثبت وجودها في زمن المعصوم، فيثبت أن السيرة كانت موجودة في زمان المعصوم أيضاً. مثل العمل بخبر الثقة إن ثبت في زماننا السيرة عليه وعلمنا أن العلّة فيه هي درجة كشفه النوعي عن الواقع بدرجة يهتمّ بها العقلاء ولا نحتمل الفرق بين عقلاء هذا الزمان وعقلاء زمان الإمام () فيثبت أن هذه السيرة موجودة في زمن الإمام (). وكذلك إذا ثبتت السيرة في زماننا على العمل بالظهور من باب أنه اقرب الطرق لتنظيم التفاهم بين الناس، ولا يحتمل الفرق بين زماننا هذا وزمان المعصوم في كيفية التفاهم فيثبت أن السيرة موجودة في زمن المعصوم أيضاً( [4] ).
 طرق اثبات عدم ردع المعصوم وسكوته
 وهذا هو الركن الثاني لحجيّة السيرة العقلائية:
 وهذا الركن الثاني لابد لإثباته من الاستعانة بأمرين:
 الأول: دلالة عدم الردع على الإمضاء.
 الثاني: لو كان قد ردع الشارع عن السيرة لوصل إلينا ولو بطريق غير موثوق.
 وبما أنّ التالي باطل إذن المقدّم باطل، وبذلك حصل عدم الردع الذي يدلّ على الإمضاء.
 أما الأمر الأول: فيمكن تقريبه، بأن السيرة العقلائية إذا لم تكن مرضية ولم يردع عنها الشارع فيكون قد أخلّ (والعياذ بالله) المعصوم بأداء وظيفته من تبليغ الشريعة [5] ، حيث أنه حجة على العباد ومسؤول عن توضيح كل ما يخالف الشريعة ومسؤول عن بيان الحلال والحرام، وهذا مستحيل على المعصوم. اذن عدم ردعه عن السيرة يكون دليلاً عقلياً على ملائمة السيرة للشرع وأنها غير مخالفة له.أو يمكن أن يقال: أن سكوت المعصوم عن السيرة العقلائية التي هي موجودة بين يديه يشكّل ظهوراً (عرفياً) حالياً على موافقته عليها [6] ، كسكوته عن عمل شخصي يقع أمامه، أو سكوت الأب عن تصرّف معين قام به ولده الكاشف عن رضا الأب بذلك السلوك من الابن.


[1] لو قيل: إنّ هذا مثال للسيرة المتشرعية لا السيرة العقلائية؟
[2] فالجواب: إنّنا افترضنا هنا أنّ العقلاء بنوا على انّ مسح الرجل باليد عند الأمر بها يكون بالمسمّى لما رأوا من صدق مسح الرجل باليد، والمتشرّعون من العقلاء مشوا على هذا البناء إيمانا منهم بصحة هذه النكتة فعملوا على طبقها في مورد الحكم الشرعي بلا التفات إلى موافقة الشارع أو عدمها، أمّا غفلة أو إهمالاً.
[3] وكذا نقول في التملّك بالحيازة، حيث بنى العقلاء على التملّك بالحيازة لما رأوا توقّف نظام الحياة على ذلك، وقد تابعهم المتشرّعون إيمانا منهم بصحة هذه النكتة فعملوا على طبقها في مورد الحكم الشرعي لا التفات منهم إلى موافقة الشارع وعدمها غفلة أو إهمالاً، وكذا نقول في سيرة العقلاء على رجوع الجاهل إلى العالم في شتّى الفنون فقد صار ذلك عادة العقلاء، والمتشرّعة يجرون على ذلك في باب الأحكام الشرعية برجوع الجاهل بالأحكام إلى العالم بها جرياً على طبق تلك العادة العامة للعقلاء بلا التفات منهم إلى صحة ذلك وعدمه، وحينئذ لا يمكن القول بأنّ هذه السير متشرعية.
[4] ـ راجع تعليقة السيد كاظم الحائري على تقريرات السيد الشهيد الصدر ج2 من القسم الثاني/ ص103 وص115.
[5] وهو مستحيل من المعصوم، أمّا الفرد العادي فقد يشاهد سيرة عقلائية من الناس أو الحكومات ولم تكن مرضية عنده ولم يردع عنها، إمّا لعدم وظيفة له للردع، أو إذا كانت لديه وظيفة فهو يخاف من الردع فيكون قد أخل بوظيفته.
[6] مع إظافة أنّه المسؤول عن بيان أحكام الشرع بلا خوف ولا مهادنة، إذ يستحيل على الإمام المعصوم الخوف من بيان الأحكام أو المهادنة على عدم بيانها، ولهذا سيكون سكوت الإمام غير سكوت الأب عن عمل ابنه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo