< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

33/02/08

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: قاعدة الأصل فيما لم يعلم اعتباره بالخصوص عدم الحجيّة ـ قاعدة: السيرة العقلائية
 الاستثناءات:
 الإمارات التي قام الدليل القطعي على اعتبارها بالخصوص وهي كثيرة نذكر بعضها:
 1ـ الخبر الواحد
 2ـ قاعدة اليد
 3ـ سوق المسلمين
 4ـ البيّنة
 5ـ فتوى المجتهد
  6ـ الظواهر
  7ـ إذا تمت مقدمات الانسداد على الحكومة فيكون الظن مطلقاً حجة.
 قال السيد الخوئي: «الحق وقوع التعبد بجملة من الإمارات الظنية، فمنها: الظهور، فان بناء العقلاء على إتباع ظهورات كلمات المتكلمين في مقام النزاع والمخاصمات والإقرارات وغيرها، وحيث لم يردع الشارع المقدّس عن هذا البناء في الجملة فيثبت إمضاؤه بناءَ العقلاء بإتباع ظواهر الألفاظ في الجملة، وبالجملة فتعبّد الشارع بحجية الظواهر في الجملة مما لا يختلف فيه اثنان، بل هو من الأمور المعلومة بالضرورة» ( [1] ).
 
 قاعدة: السيرة العقلائية
 الألفاظ الأخرى للقاعدة:
 بناء العقلاء
 طريقة العقلاء
 توضيح القاعدة: إن السيرة العقلائية هي عبارة عن المواقف العقلائية التي تصدر من العقلاء بما هم عقلاء سواء تجسدت في سلوك خارجي معيّن أو كانت ارتكازات عقلائية وإن لم يصدر منهم بالفعل سلوك خارجي على طبقها لعدم تحقق موضوعها بعدُ، فلو شذّ أحدهم عن هذه الطريقة كان مورداً للملامة أو الاستغراب.
 أقول: أن تكون السيرة العقلائية بنفسها منقحة ثبوتاً لفرد حقيقي من الموضوع. فمثلاً أن وجوب النفقة للزوجة الذي موضوعه المعاشرة بالمعروف، فإن المراد من المعروف هو الشايع والمستساغ، فإذا قامت السيرة والتعارف على أن تكون نفقة الزوجة في هذا العصر بنحو أتم وأكمل مما كان معروفاً بالنسبة لها في غابر السنين بحيث خرج ذلك الحدّ عن كونه معروفاً ومستساغاً نتيجة اختلاف الظروف الفكرية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، فسوف يتوسع صدق عنون المعاشرة بالمعروف عما كان عليه سابقاً فتجب هذه المرتبة من المعاشرة بالمعروف ولا تكفي المراتب السابقة التي كانت كافية فيما سبق. اذن تدخلت السيرة في تكوين موضوع الحكم الشرع ثبوتاً توسعة أو تضييقاً، كما لو تقلّصت الأمور الاقتصادية الواسعة في المجتمع واختلفت الظروف الاجتماعية هذه التي نحن فيها وتنزّلت إلى الحضيض فحينئذٍ يكفي لصدق المعاشرة بالمعروف السكن في غرفة من بيت مع عوائل متعددة كلّ في غرفة واحدة مع الاشتراك في محلّ الطبخ والغسل والاستراحة ولا يجب المرحلة السابقة من المعاشرة بالمعروف.
 الثاني: أن تكون السيرة العقلالئية تنقّح موضوع الحكم الشرعي إثباتاً، وهي السيرة التي تكشف عن وجود شرط الفسخ إذا وجد غبن في المعاملة، وذلك إذا علمنا إن سيرة العقلاء وتبانيهم على عدم البيع والمعاوضة مع فوات المالية( [2] )، وظهور حال كل إنسان يمضي حسب المقاصد العقلائية عدم رضاه بالمعاوضة الغبنية، وهذه السيرة تكشف عن وجود ذاك الشرط اثباتاً وهو شرط عدم التفاوت الفاحش في المالية بين العوض والمعوّض والا فهو غير راضٍ بالمعاوضة وتنفيذها، فتشمله أدلة المؤمنون عند شروطهم فيثبت له خيار الغبن وكذا قد نقول هذا بالنسبة إلى خدمة الزوجة في بيت زوجها حيث تكون السيرة كاشفة عن ذلك الشرط اثباتاً [3] .
 وهذه السيرة هي حجة في تنقيح موضوع الحكم الشرعي ثبوتاً أو اثباتاً، بلا حاجة إلى كون السيرة معاصرة لزمان النص والتشريع، بل اللازم ثبوتها في الزمن الذي يراد إثبات الحكم فيه.
 القسم الثاني: السيرة العقلائية التي تنقّح ظهور الدليل، «أي تنقّح فهمنا للدليل» فإنّ المرتكزات العرفية والعقلائية تتدخل في تكوين الظهور لأنها تعتبر بمثابة قرائن لبيّة متصلة بالكلام تحدد من ظهور اللفظ والمراد منه، توسعة أو تضييقاً.
 فمثلاً ورد عندنا في الروايات عدم جواز تصرف الزوجة تصرفات مجانية في مالها لغير أقاربها الا باذن زوجها، فأما أن يشترط اذن الزوج لها في جواز تصرفها في مالها أو إذا نهاها عن التصرف في مالها فيجب عليها الإطاعة، ففي صحيحة عبدالله بن سنان عن الإمام الصادق () أنه قال: «ليس للمرأة أمر مع زوجها في عتق ولا صدقة ولا تدبير ولا هبة ولا نذر في مالها الا باذن زوجها، الا في زكاة أو برِّ والديها أو صلة قرابتها»( [4] ).
 ولكن توجد ضرورة وسيرة عقلائية ارتكازية تقول بان الزوجة ليست كالمملوكة وليس مالها كمال المملوك يجب عليها إطاعة الزوج في كل ما يريد، وهذه السيرة الارتكازية ليست في شعبة معينة من شعب الحياة حتى تكون مختصة بها، وعليه ستكون قرينة عرفية على حمل الإطلاق في الرواية في الإطاعة على الاستحباب.
 ومثال آخر ذكره السيد الشهيد الصدر (قده) وهو: لو دلّ الدليل على أنه (لو جاء بالثمن خلال ثلاثة أيام والا فلا بيع بينهما) فان جمدنا على حاقّ اللفظ فهمنا من ذلك بطلان البيع وأنه لا بيع لازماً ولا متزلزلاً، بينما بناء على أخذ المرتكزات العقلائية بعين الاعتبار قد يقال: إن المفهوم من ذلك هو نفي البيع اللازم وثبوت خيار التأخير( [5] ).
 أقول: الارتكازات العقلائية تقول أن عدم البيع بينهما من أجل أن لا يتضرر البائع فلا الثمن قد استلمه ولا يتمكن من التصرف في المبيع ويجب عليه حفظه لصاحبه، وحينئذٍ إذا ارضي البائع بكل هذه المضار فيتمكن أن لا يفسخ وينتظر المشتري لأجل تسليم الثمن، اذن يكون البيع موجوداً بعد الثلاثة وهو خياري.
 وحجية هذه السيرة واضحة بعد كبرى حجية الظهور ولكن هنا نحتاج إلى اثبات معاصرة السيرة لزمن صدور النصّ من المعصوم، لأن الحجة هو ظهور النصّ. ولكن لو أحرزت السيرة العقلائية التي تتدخل في تكوين الظهور في عصرنا واحتملنا عدم وجودها في زمن النص فيمكن اجراء أصالة عدم النقل في اللغة لإثبات حجية الظهور الذي نشأ من المرتكزات العرفية والعقلائية التي هي بمثابة قرائن متصلة بالكلام.


[1] () غاية المأمول في علم الأصول ج 2 : 113.
[2] ـ بل هم يرفعون اليد عن خصوصية أموالهم مع الحفاظ على المالية بما يساويها عرفاً في العوض.
[3] وفرق السيرة التي تنقّح الموضوع ثبوتاً (النحو الأوّل) عن السيرة التي تنقّح الموضوع إثباتاً (النحو الثاني) هو: أنّ من شذّ عن السيرة العقلائية الموجدة للموضوع فإنّ شذوذه لا يؤثّر في فاعلية السيرة واقتضائها في تحقق الموضوع ثبوتاً بالنسبة إليه، أي من لم يرَ للزوجة احتراماً وتقديراً تستحقّ ذلك المستوى الرفيع من المعاشرة والإنفاق، فمع هذا يجب عليه أن يلتزم بهذا المستوى من الإنفاق، أمّا من شذّ عن السيرة العقلائية الكاشفة عن الموضوع «إثباتا» فالسيرة العقلائية لا تكشف عن ثبوت خيار الغبن في المعاملة «شرط الفسخ عند وجود غبن في المعاملة» بالنسبة أليه وذلك لأنّ دور السيرة هنا هو الكشف عن قصده وشرطه، فلو نصّ على مخالفته لهم في مورد معيّن كان ذلك رافعاً للحكم لعدم تحقّق الموضوع، راجع بحوث في علم الأصول 4: 235، ومباحث الأصول2: 101.
[4] ـ وسائل الشيعة ج15/باب 5 من النفقات/ح1.
[5] ـ راجع تعليقه السيد كاظم الحائري على تقريرات الشهيد الصدر الجزء الثاني من القسم الثاني/ص101.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo