< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

32/12/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 القاعدة: أخذ القطع بحكم في موضوع مثله
 وأما القسم الرابع: وهو إذا أخذ القطع بالحكم في موضوع شخصه كما إذا قال: إذا قطعت بوجوب صلاة الجمعة فهي تجب عليك بعين ذلك الوجوب الذي قطعت به.
 والمعروف بين المحققين استحالة ذلك، لأن المراد إذا كان (جعل كلٍّ من القطع والمقطوع به (الحكم) في موضوع نفس الحكم) فهذا واضح الاستحالة لأنه أشد من الدور، إذ هو من توقف الشيء على نفسه هو روح الدور ونكتة استحالة الدور. وإذا كان المراد أخذ القطع فقط دون المقطوع به في موضوع نفس الحكم فيلزم منه:
 1ـ الخلف: لأن القطع يكشف عن الواقع بخصوصيته التكوينية، ولازم هذا أن القطع يُري القاطع أن المقطوع به شيء مفروغ عنه (ثابت في الواقع بقطع النظر عن قطعه). ويترتب على ذلك استحالة أخذ القطع بحكم في موضوع شخصه، لأنه خلف الخصوصية التكوينية للقطع.
 2ـ اللغوية: حيث ان شخص الحكم إذا أريد جعله للقاطع به، لا يكون محرِّكا للعبد، وإذا لم يكن محرِّكا لا يُجدي جعل الحكم له، لأن الحكم إنّما يعقل جعله إذا عُقلت محركيته، وهنا إذا كان القطع بالحكم غير محرك للعبد نحو الامتثال، فلا يجدي جعل حكم عليه في ذلك أيضاً، إذ يكون لغواً.
 3ـ الدور (لأن ثبوت الحكم المجعول متوقف على وجود قيوده (العلم بالحكم)، والعلم بالحكم متوقف على الحكم توقف كل حكم على معلومه، فإذا كان العلم بالحكم من قيود نفس الحكم لزم توقف كل منهما على الآخر)( [1] ).
 التطبيقات:
 لأخذ العلم بالحكم في موضوع حكم آخر مخالف للأول: فقد ورد في الروايات وعليه الفتوى أيضاً:
 أ ـ (يحرم العقد على ذات البعل أو المعتّدة ما دامتا كذلك... ولو عقد عالماً بالحكم والموضوع حرمت عليه مؤبداً بالعقد).
 ب ـ (لو ملك الأختين فوطأ إحداهما حرمت الأخرى جمعا، فلو وطأها أيضا لم تحرم الأولى إلا أن يكون عالماً بالحرمة والموضوع فتحرم حينئذٍ).
 ح ـ (لو عقد المحرم على امرأة عالماً بالتحريم حرمت عليه أبداً ولو كان جاهلاً بطل العقد ولم تحرم).
 د ـ (إذا باع بأقل من قيمة المثل ثبت له الخيار وكذلك إذا اشترى بأكثر من قيمة المثل ولا يثبت هذا الخيار للمغبون إذا كان عالماً بالحال) ( [2] ).
 ومما يُستنتج تطبيقاً لقاعدة امتناع أخذ العلم بالحكم في موضوع نفس ذلك الحكم، هو اشتراك الأحكام الواقعية (بين العالم والجاهل، أي: ان حكم الله ثابت لموضوعه في الواقع سواء علم به المكلف أم لم يعلم، فإنه مكلف به على كل حال، فالصلاة مثلاً واجبة على جميع المكلفين سواءً علموا بوجوبها أم جهلوه، فلا يكون العلم دخيلاً في ثبوت الحكم أصلاً. وغاية ما نقوله في دخالة العلم في التكليف دخالته في تنجّز الحكم التكليفي، بمعنى أنه لا يتنجّز على المكلف على وجه يستحق على مخالفته العقاب إلا إذا علم به، سواء كان العلم تفصيلياً أو إجمالياً، أو قامت لديه حجّة معتبرة على الحكم تقوم مقام العلم)( [3] ).
 الاستثناء:
 1ـ وقد ذكر صاحب الكفاية أنه يمكن أخذ القطع بمرتبة من الحكم في موضوع مرتبة أخرى منه أو من مثله أو من ضدِّه، إذ لا محذور في أخذ القطع بحكم إنشائي محض في موضوع فعلي، بلا فرق بين أن يكون الحكم الفعلي هو نفس الحكم الإنشائي الواصل إلى مرتبة الفعلية أو يكون مثله أو ضدِّه، ولا يتصور مانع من أن يقول المولى: إذا قطعت بأن الشيء الفلاني واجب بالوجوب الإنشائي المحض وجب عليك ذلك الشيء فعلاً أو حرم عليك فعلاً ( [4] ). وقد ذكر المحقق السيد الخوئي: أن هذا الاستثناء صحيح بناء على مسلك صاحب الكفاية ومن تابعه من أن للحكم مراتب أربع (الاقتضاء والإنشاء والفعليّة والتنجّز).
 أقول: ان الاستثناء من القاعدة، العقلية: بالاستحالة لا معنى له، وواضح من هذا الاستثناء أنه يختلف عن المورد الذي ثبتت فيه الاستحالة فالاستحالة هي عبارة عن أخذ القطع بالحكم (الفعلي) في موضوع نفس الحكم الفعلي أو مثله أو ضدّه، بينما ما ذكر من الاستثناء هو عبارة عن أخذ القطع بالحكم الإنشائي في موضوع الحكم الفعلي، وهذا يختلف عن موضوع البحث.
 2ـ ثبت اختصاص الحكم بالعالم به دون الجاهل به كوجوب القصر مثلاً أو وجوب الجهر والإخفات ومن الواضح أيضاً عدم الإشكال عقلائياً ومتشرعياً في إمكان تخصيص الحكم بالعالم به في نفسه ( [5] ).
 أقول: إذا ثبت إمكان ذلك فهو يتنافي مع استحالة أخذ القطع بالحكم في موضوع شخص الحكم، وقد علمنا أن الاستحالة العقلية لا تخصص، فلابد من أيجاد تخريج فني لإمكان أخذ العلم بوجوب القصر في وجوبه وأخذ العلم بوجوب الجهر والإخفات في وجوبهما.
 وقد ذهب السيد الشهيد (قدس سره): إلى القول بإمكان أن يؤخذ العلم بالجعل في موضوع فعلية المجعول، لأن الجعل غير المجعول (على ما حققه في بحث الواجب المشروط)، فيكون العلم بالجعل متوقفاً على الجعل، والجعل لا يتوقف على فعلية مجعوله، لأن الجعل حقيقةٌ ينشئها الجاعل قبل أن يكون موضوع في الخارج، والذي يتوقف على العلم بالحكم بالجعل هو فعلية المجعول خارجاً عند تحقق الموضوع، ولا محذور في أن تكون فعلية المجعول متوقفة على العلم بكبرى الجعل على حدّ توقفها على سائر القيود والشرائط كالبلوغ والقدرة مثلاً ( [6] ).
 أقول: هذا الكلام صحيح إذا قلنا إن الجعل يختلف عن المجعول، وإما إذا قلنا أنهما وجهان لعملة واحدة فنرجع إلى جواب صاحب الكفاية القائل بصحة أخذ العلم بالحكم الإنشائي في موضوع الحكم الفعلي.


[1] () دروس في علم الأصول، الحلقة الثانية: 333 وراجع كفاية الأصول 307 ومصباح الأصول 2: 48.
[2] () منهاج الصالحين السيد الخوئي2 ، 264-265-266-264-32.
[3] () أصول الفقه، للمظفر 3 : 32.
[4] () راجع كفاية الأصول 307. ومنهاج الأصول 2 : 49.
[5] () راجع بحوث في علم الأصول 4 : 104.
[6] () راجع بحوث في علم الأصول 4 : 104.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo