< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الأصول

32/11/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع:

قاعدة: قيام الإمارات والأصول مقام القطع الموضوعي والطريقي
 المقام الثاني: في قيام الأصول العملية مقام القطع:
 وأما الأصول العملية فهي على قسمين:
 القسم الأول: الأصول المحرزة كالاستصحاب حيث يكون الاستصحاب ناظراً إلى الواقع، وكذلك قاعدة الفراغ والتجاوز ـ بناء على عدم كونها من الإمارات [1] ـ وكذا قاعدتي الحِل والطهارة وقاعدة عدم اعتبار الشك من الإمام والمأموم مع حفظ الآخر، وقاعدة عدم اعتبار الشك ممن كثر شكه وغيرها من القواعد الناظرة إلى الواقع في ظرف الشك، ومعنى أنّها أصول محرزة هو أنّها قد أخذ الشك في موضوعها وهي مع ذلك لها نظر إلى الواقع أي تتضمّن التعبّد عند الشك بعنوان حكمي أو موضوعي كعدم التذكية، فهي مثل البراءة تشاركها في كون موضوعها الشك ولكن تفارقها بأنّ الأصول المحرزة لها نظر إلى الواقع إلّا أنّها تأتي بعد الأدلة الاجتهادية على الأحكام الشرعية.
 القسم الثاني: وهي الأصول غير المحرزة التي ليس لها نظر إلى الواقع، ولا تتضمّن تعبّداً بعنوان حكمي أو موضوعي، بل هي وظائف عملية للجاهل بالواقع، كالاحتياط الشرعي والعقلي أو البراءة العقلية والشرعية.
 أما القسم الأول: فقد اختلفت كلمات الأصوليين في قيامها مقام القطع بأقسامه على أقوال:
 1ـ قيامها مقام القطع مطلقاً إلا القطع المأخوذ على نحو الصفتية، وهذا ما ذهب إليه المحقق السيد الخوئي ( [2] ).
 2ـ عدم قيامها مقام القطع مطلقاً إلا القطع الطريقي المحض، واختاره المحقق السيد البروجردي ( [3] ).
 3ـ قيام الاستصحاب مقام القطع الطريقي المحض والقطع الموضوعي الطريقي دون القطع الصفتي، وعدم قيام قاعدة الفراغ والتجاوز مقام القطع مطلقاً إلا القطع الطريقي المحض، فانها محرزة للواقع تعبداً كما أن القطع محرز عقلاً، واختاره السيد الخميني ( [4] ).
 والمحصل من هذه الأقوال أمور ثلاثة:
 1ـ عدم قيام الأصول مقام القطع الموضوعي الصفتي بالاتفاق.
 2ـ قيام الأصول مقام القطع الطريقي المحض بالاتفاق.
 3ـ اختلافهم في قيام الأصول مقام القطع الموضوعي الطريقي على أقوال ثلاثة ثالثها التفصيل بين الاستصحاب وسائر الأصول المحرزة.
 والأصح من هذه الأقوال هو ما ذهب إليه المحقق البروجردي (قدس سره)، وهو قيام الاستصحاب وبقية الأصول المحرزة مقام القطع الطريقي المحض ولا تقوم مقام القطع الموضوعي مطلقاً، وذلك: لأن القطع الطريقي ينجّز الواقع فيكون المكلف مستحّقاً للعقوبة لو خالف قطعه وكان القطع مصادفاً للواقع من باب الاتفاق، وهذا الأثر بنفسه يترتب على الأصول المحرزة، فانها تنجّز الواقع، فتكون من موارد البيان، وحينئذ يرتفع موضوع الّلا بيان، لأنّ الشارع جعل الأصل المحرز بياناً، فيكون المكلف مستحقاً للعقوبة لو خالفها وكان الأصل مصادفاً للواقع من باب الاتفاق لأنّه عقاب مع البيان ومؤاخذة مع البرهان. وبعبارة أخرى كان القطع الطريقي منجِّزاً للواقع وبما أن الأصل المحرز ينجِّز الواقع أيضاً، فيقوم الأصل المحرز مقام القطع الطريقي المحض عند عدم وجوده.
 وأما عدم قيام الأصول المحرزة مقام القطع الموضوعي (الطريقي)، فلأن اعتبار الاصول المحرزة يعني وجوب ترتيب آثار الواقع على موارد الأصول المحِرزة، فالاستصحاب إذا جرى في صورة الشك في بقاء الخمرية، فهو يعني ترتيب آثار الخمر (الحرمة) وهي عدم الشرب إذا كانت مترتبة على نفس الخمر، وهذا لا يثبت الآثار المترتبة على الخمر المعلوم (أو معلوم الخمرية) الذي هو القطع الموضوعي الذي يوجب عدم الجلوس على مائدة يشرب فيها الخمر كما إذا ورد خبر يقول: إذا قطعت أنمّ على المائدة خمراً فلا تجلس عليها، لأننا نشك في الخمرية حتى مع جريان استصحاب الخمرية، فالموضوع للآثار المترتبة على الخمر المعلوم منتفية عند جريان استصحاب بقاء الخمرية فكيف يكون الاستصحاب قائماً مقام القطع الموضوعي مطلقاً؟!!
 وكذا لا تقوم الأصول المحرزة مقام القطع الموضوعي الصفتي، لأنّ هذه الصفة التي توجب الاطمئنان بوجود الخمر ليأتي عليه الحكم هي من الصفات الحقيقية التي لها ما بإزاء في الخارج وهو ارتفاع التردد فلا يمكن أن يكون دليل حجية الاستصحاب مكوّناً لها.


[1] أمّا إذا كانت من الإمارات (كما هو غير بعيد) فلا كلام لنا عنهما، بل يكون الكلام المتقدم جدلياً فيهما بلا خلاف.
[2] () راجع مصباح الأصول 2 : 38 39.
[3] () راجع نهاية الأصول 404.
[4] () راجع أنوار الهداية 1 : 123 124 - 126.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo