< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/11/06

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تنجيز العلم الإجمالي

 تقدم أن أقوى الأقوال: هو الثالث، لأن المخالفة الاحتمالية إنّما تكون معصية إذا لم يرخص فيها الشارع وأما إذا رخص فيها نتيجة كون الملاك الترخيصي أهم من ملاك الإلزام في العلم الإجمالي فلا يكون معصية ولا يكون قبيحاً كما في الترخيص في إتباع الحكم الظاهري عند عدم معرفة الحكم الواقعي فلا تجب الموافقة القطعية وحينئذٍ يكون العلم الإجمالي مقتضيا للتنجيز , وأما المخالفة القطعية فالعلم الإجمالي يكون علة للتنجيز لأن الترخيص وان كان ممكناً إذا كان ملاك الترخيص أهم من ملاك الإلزام في العلم الإجمالي إلا أن العرف يعد هذا تنافياً وتصادماً مع العلم فلا يكون مقبولاً عرفاً إلى هنا.

ولكن ننبه: إلى أن الشارع هل رخص في المخالفة الاحتمالية للعلم الإجمالي إثباتاً فان هذا سيأتي الكلام عنه في الأصول العملية ان شاء الله تعالى.

وأيضاً ننبه: إلى أن هذا الكلام المتقدم في منجزية العلم الإجمالي كله على مذاق المشهور القائل بقاعدة بقبح العقاب بلا بيان العقلية، فيبحث ان العلم الإجمالي هل يصلح ان يكون بياناً أم لا؟

 وأما بناء على المسلك القائل بالاحتياط العقلي على أساس حقّ الطاعة (الشهيد الصدر)، فهنا سيكون احتمال التكليف منجَّزاً فكيف بالعلم الإجمالي، وينحصر البحث في ان هذا العلم الإجمالي هو علّة للتنجيز أو مقتضي للتنجيز.

التطبيقات:

 1ـ منها ما ذكروه في عدم جواز بيع اللحم المذكي المختلط بالميتة، قال الشيخ الأنصاري (قدس سره) : «ولو باع المذكي مع الميتة فان كان المذكي ممتازاً صحّ البيع فيه وبطل في الميتة، وان كانا مشتبهاً بالميتة لم يجز بيعه أيضاً، لأنه لا ينتفع به منفعة محللة بناء على وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين فهو في حكم الميتة من حيث الانتفاع، فأكل المال بإزالة أكل للمال بالباطل، كما أن أكل كلٍّ من المشتبهين في حكم أكل الميتة» ([1] ).

 2ـ وما ذكروه من لزوم الاجتناب عن النجس المعلوم بالإجمال والمغصوب بالإجمال، قال السيد الطباطبائي اليزدي في كتاب الطهارة من العروة الوثقى: «إذا اشتبه نجس أو مغصوب في محصور كانا في عشرة يجب الاجتناب عن الجميع»([2] ). وقال أيضاً: «إذا انحصر الماء في المشتبهين تعيّن التيمم» ([3] ).

 3ـ قال المحقق الهمداني (قدس سره): «لو اشتبه الإناء النجس ذاتاً أو بالعرض بالطاهر وجب الامتناع منهما ويدل عليه مضافاً إلى النص والإجماع قضاء العقل بحرمة المعصية ووجوب الاجتناب عن النجس الواقعي المعلوم بالإجمال المردد بين الإناءين، فيجب التحرّز عن كلٍّ من المحتملين تحرّزاً عن العقاب المحتمل» ([4] ).

 4ـ قال السيد الطباطبائي اليزدي (قدس سره) : «إذا بال ولم يستبرأ ثم خرجت منه رطوبة مشتبهة بين البول والمنيّ، يحكم عليها بأنها بول، [لجريان استصحاب البول، وعدم جريان الاستصحاب في المني حتى يعارض استصحاب البول، لعدم وجود حالة سابقة للمني، فإن جرى استصحاب عدم المني (استصحاب العدم الأزلي الذي كان متيقّناً به سابقاً)، فهذا الاستصحاب يوافق الاستصحاب السابق ولا يعارضه فلاحظ]، فلا يجب عليه الغُسل، بخلاف ما إذا خرجت منه بعد الاستبراء فانه يجب عليه الاحتياط بالجمع بين الوضوء والغسل عملاً بالعلم الإجمالي» ([5] ).

 5ـ إذا كان أحد الشخصين مجنباً (كما في الجنابة المرددة بين الشخصين في الثوب المشترك) فقالوا بأصالة عدم الجنابة في حقّ كلّ منهما بلا معارض وتصح صلاة وصوم كل منهما. ولكن إذا اجتمعا في صلاة الجمعة بحيث كانا المتممين للعدد المعتبر فيها سواء كانا مأمومين أو كان أحدهما مأموماً والآخر إماماً، فلا تصح صلاة كلٍّ منهما، بل لا تصح صلاة كلّ من اجتمع معهما لأنه يعتبر في صلاة الجمعة أن يكون كلّ من المأمومين محرزاً ـ ولو بالأصل ـ صحة صلاة الإمام وبقية المأمومين، ومع العلم بجنابة المجتمعين لصلاة الجمعة لا يمكن إحراز صحة صلاة الجميع، فلا يمكن أن يُجري كل شخص أصالة عدم الجنابة في حق نفسه، وان شئت قلت: ان صلاة المجتمعين في صلاة الجمعة بمنزلة صلاة واحدة مرتبطة بعضها مع بعض فأصالة عدم الجنابة في كلّ من الشخصين تعارضُ أصالة عدمها في الشخص الآخر ([6] ).

 6ـ قال السيد الخوئي: «إذا كان عنده ثوبان يعلم إجمالاً بنجاسة أحدهما وجبت الصلاة في كل منهما ولو كان عنده ثوب ثالث يعلم بطهارته تخير بين الصلاة فيه والصلاة في كل منهما» ([7] ).

 7ـ وقال أيضاً: «كل واحد من أطراف الشبهة المحصورة بحكم النجس، فلا يجوز لبسه في الصلاة ولا السجود عليه بخلاف ما هو من أطراف الشبهة غير المحصورة» ([8] ).

أقول: ان البحث الذي تقدم منا في ان العلم الإجمالي هل يكون تنجزه بالنسبة للموافقة القطعية والمخالفة القطعية على نحو العليّة أو على نحو الاقتضاء، أو التفصيل بين وجوب الموافقة القطعية فهو على نحو الاقتضاء، وبين حرمة المخالفة القطعية فهو على نحو العليّة، هو بحث ثبوتي، فأثبتنا فيه إمكان أن يرخص المولى في المخالفة الاحتمالية ويرخص في المخالفة القطعية، إلا أن ترخيصه في المخالفة الاحتمالية لا يكون عصيانا من العبد ولا عدم احترام له، أما ترخيصه في المخالفة القطعية وإن كان ممكناً عقلاً إلا انه غير مقبول عقلائياً وعرفاً حيث يعد ترخيصاً في المعصية وهو غير مقبول، ولأنه منافٍ لغرض الشارع ومناقض له. ولكن إذا أردنا أن نوجد تطبيقاً لهذا البحث، فتطبيقه وان كان في بحث الأصول العملية لنرى هل وجد ترخيص في بعض أطراف العلم الإجمالي أو لم يوجد، إلا أننا هنا نذكر إشارة إلى تطبيقات هذا البحث فنقول:

قالوا ([9] ): قد يرخص في بعض أطراف العلم الإجمالي ترخيصاً ظاهرياً أو واقعياً.

أما الترخيص الواقعي فهو في موارد:

 1ـ إذا كان العلم الإجمالي في شبهة غير محصورة، فتكون كثرة الأطراف موجبة لعسر الموافقة القطعية باجتناب جميع الأطراف، أو ارتكاب جميع الأطراف مع إمكان الابتلاء بكل واحد منها، وحينئذٍ لا يكون التكليف فعليّاً بعثاً أو زجراً، وبهذا فلا يجب الاجتناب أو الارتكاب لكل الأطراف كغنم موطوءة في العراق..

 2ـ إذا لم تكن كلّ الأطراف في الشبهة المحصورة محلاً لابتلاء المكلف كما لو علم ان النجس إما الإناء الذي عنده أو الإناء الذي أخذه أخوه إلى لندن وهو لا يبتلي به، فهنا يشك في نجاسة إنائه المبتلي به فتجري فيه أصالة الطهارة، وأما إناء أخيه الذي لا يبتلي به فليس للنهي عنه موقع أصلاً، لأن النهي عنه بلا فائدة أصلاً، بل يكون من قبيل تحصيل الحاصل.

 إذن الابتلاء بجميع الأطراف هو المصحح لفعلية تأثير العلم الإجمالي، وبدونه لا علم بتكليف فعلي لاحتمال تعلّق الخطاب بما لا ابتلاء به، وحينئذٍ يبقى ما يبتلي به مشكوكاً شكا بدوياً فتجري فيه أصالة البراءة.

[1] () المكاسب 1: 36.

[2] () العروة الوثقى 1: 49 المسألة الأولى من الماء المشكوك.

[3] () العروة الوثقى 1: 51 المسألة 7 من الماء المشكوك.

[4] () مصباح الفقيه 1: 243 244.

[5] () العروة الوثقى 1: 341 المسألة الثامنة من الاستبراء.

[6] () فوائد الأصول، للنائيني 3، 81-82.

[7] () منهاج الصالحين، العبادات 114 مسألة 429.

[8] () منهاج الصالحين، العبادات 112 مسألة 421.

[9] () القائل الميرزا النائيني وصاحب الكفاية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo