< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/11/04

بسم الله الرحمن الرحیم

تقدم دليل القول الثاني وأنّ المحقق صاحب الكفاية يرى ان مقتضى صحة المؤاخذة على مخالفة التكليف المعلوم إجمالاً في الشبهة المحصورة من دون إذن في الاقتحام فيها[1] ، وعدم صحتها في الشبهة غير المحصورة أو مع الإذن في الاقتحام فيها في الشبهة المحصورة هو كون العلم الإجمالي مقتضياً للتنجيز لا علة تامة([2] ).

و توضيح ذلك: كما تقدم في جواب إشكال الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري حيث قلنا: ان للشارع أحكاماً واقعية محرمة ومحللة كحرمة الخمر وحليّة الخل والمكلف تارة يحصل له العلم بالخمر والخل وتارة يحصل له الشك بالخل والخمر خارجاً وعند الشك يجري الشارع موازنة بين مصالح التحليل الواقعي للخل ومفاسد حرمة الخمر فان رأى أن المفسدة أقوى أصدر قراراً بحرمة المشكوك الخارجي، وان رأى أن المصلحة أقوى أصدر قراراً بحليّة المشكوك الخارجي والقرار الأول (أصالة الاحتياط) والقرار الثاني (البراءة) وهذا هو الحكم الظاهري.

 إذن حقيقة الحكم الظاهري: هو الحكم الثابت حالة الشك الناشئ بسبب تقديم الملاك الأهم.

 وهذا الملاك الأهم: هو نفس ملاك الحكم الواقعي أي أن مفسدة الخمر التي هي ملاك الحرمة الواقعية هي نفسها أو جبت تشريع الحكمُ الظاهري بحرمة كلّ مشكوك خارجي.إذن ملاك الحكم الظاهري لا يغاير ملاك الحكم الواقعي. إذن اندفع إشكال ابن قبه القائل باجتماع حكمين ـ إذا ماثل أو خالف الحكمُ الظاهري الواقعي ـ مثلين أو ضدين.

فاننا نقول: لا بأس باجتماعهما لأنهما بما أنهما اعتباران (أي إنشاءان) فلا بأس بجعل اعتبارين (إنشائيين) لأنّ الإنشائين لا تضاد بينهما فينشأ حكماً واقعياً عند معرفة الخل وعند معرفة الخمر، وينشأ حكماً ظاهرياً عند الشك في معرفتهما خارجاً، لأن الاعتبار والإنشاء سهل المؤونة.

 وبما أنهما لهما مبادئ، فان مبادئ الحكم الظاهري ليست إلا مبادئ الحكم الواقعي فلم يلزم اجتماع مبدأين متضادين أو متماثلين ولا يكون أحدهما محبوباً والآخر مبغوضاً، لأن الخل الواقعي محبوب واقعاً ولا يلزم بجعل الحرمة (على السائل المشكوك) صيرورة الخل الواقعي مبغوضاً، لأن هذا الحكم بالحرمة لم ينشأ من مبغوضية الخل، بل هو وليد الملاك الأهم وهو مفسدة الخمر.

 إذن ان الحكم الظاهري وليد الملاك الأهم وهو عين ملاك الحكم الواقعي، فيكون هناك ألفة بين الحكم الواقعي والظاهري. وهذا في حياتنا متداول: إذا كنت أُحب مجيئ زيد إلى الدار لأنه يقوم باعطاء كلفة سنة وأبغض مجيئ فلان لأنه يطالب بدين عشرة دنانير، وشككت أن الذي يدقّ الباب هو الأول أو الثاني، فأقوم بموازنة فأرجح فتح الباب للمصلحة الناشئة من مجيئ الأول. وإذا كان الثاني يطالب بدين بكلفة سنين فنقوم بموازنة فلا نرجح فتح الباب. إذن فتح الباب وغلقها (إبقائها مغلقة) ليس لمصلحة مغايرة لمصلحة الواقع بل هي نفسها.

 إذن ما نحن فيه: من وجود علم إجمالي بالنجاسة وشك في الطرفين، فهنا يحصل عند الشارع موازنة بين مصلحة الجامع المعلوم وبين الترخيص في الطرفين، فإن رأى أهميّة العلم بالنجاسة حكم بالاحتياط، وإن علم أهميّة الترخيص حكم به في الطرفين، فإن لم يحكم بالترخيص كان العلم الإجمالي منجَّزاً وإذا حكم بالترخيص في طرف صارت مخالفة احتمالية.

ولكن يرد عليه: ان العرف لا يقبل الترخيص في كل أطراف العلم الإجمالي إذ يعدّ ذلك معصية فلا تكون مقبولة عرفاً وان قبلت عقلاً، نعم يجوز الترخيص في أحد الأطراف لأنّه لا يعد معصية فهو ممكن عقلا وشرعاً.

[1] ومثّل له صاحب الكفاية بظاهر قوله (ع): ((كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام منه بعينه )) فإنّه يشمل أطراف العلم الإجمالي في الشبهة المحصورة.

[2] ()ونص كلامه: (و بالجملة قضية صحة المؤاخذة على مخالفته مع القطع به بين أطراف محصورة و عدم صحتها مع عدم حصرها أو مع الإذن في الاقتحام فيها هو كون القطع الإجمالي مقتضيا للتنجز لا علة تامة)، كفاية الأصول 273, اقتضاء العلم الإجمالي للحجية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo