< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/11/02

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تنجيز العلم الإجمالي

 تقدم أنّه قد اختلفت كلمات الأصوليين في تنجيز العلم الإجمالي وعدمه على أقوال أربعة:

 1ـ ان العلم الإجمالي علة تامة للتنجيز (وبه قال المحقق السيد البروجردي والعراقي والاصفهاني).

 2ـ ان العلم الإجمالي مقتضي للتنجيز (وبه قال صاحب الكفاية).

 3ـ ان العلم الإجمالي علة تامة للتنجيز بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية، ومقتضٍ بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية (واختاره الإمام الخميني).

 4ـ ان العلم الإجمالي كالشك البدوي في عدم تأثيره في تنجيز الواقع، وهذا القول نسب إلى المحقق الخوانساري) ([1] ).

ودليل القول الأول: قال المحقق الاصفهاني: (ان العلم الإجمالي لا يفارق التفصيلي في حقيقة انكشاف أمر المولى ونهيه، فلا محالة يتمحّض البحث في أن الجهل التفصيلي بمتعلق طرف العلم هل يعقل أن يجعل عذراً شرعاً أو عقلاً أم لا؟ وحيث ان ملاك استحقاق العقاب هتك حرمة المولى، وهو منطبق على المخالفة للحكم المعلوم في البين ولو لم يعلم طرف المعلوم تفصيلاً، فلا فرق بين العلمين في التنجيز، وحيث ان هذا الحكم العقلي على نحو العلية التامة فلا يُعقل جعل الجهل التفصيلي عذراً عقلاً وشرعاً إلا مع التصرف في المعلوم، وهو خلف[2] .

ان قلت: ان المخالفة القطعية هتك لحرمة المولى وخروج عن زي الرقيّة فيكون قبيحاً، لأنه ظلم، وأما المخالفة الإجمالية وترك الموافقة القطعيّة لا يكون خروجاً عن زيّ الرقية، لأنه لم يحرز ان هذا بخصوصه مبغوض للمولى.

قلت: ان نفس عدم المبالاة بالتكليف اللزومي المعلوم ظلم للمولى لخروجه عن زي الرقية ورسم العبودية، وهذا جامع بين المخالفة القطعية للتكليف وترك الموافقة القطعية، فان كليهما من عدم المبالاة ـ عملاً ـ بالتكليف المعلوم، ومن المعلوم ان المبالاة بالوجوب المتعلق بما لا يخرج عن الطرفين في وجدان العقل ليست إلا بالانبعاث عنه، والانبعاث عن المعلوم لا عن الواقع لا يكون إلا بفعلهما معاً، ففعل أحدهما وعدمه في عدم الانبعاث عن المعلوم في وجدان العقل على حدٍّ سواء، فهو تارك للمبالاة بأمر المولى في وجدان العقل فيكون ظالماً مستحقاً للعقاب) ([3] ).وإن كان عدم المبالاة بترك المعلوم في الطرفين أكثر ظلماً ممّن ترك أحد الطرفين وفعل الطرف الآخر.

ولكن يرد عليه: إنّ هذا الكلام مستبطن دعوى أنّ حكم العقل بحرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية هو حكم تنجيزي لا تعليقي، وهو محلّ الكلام، وإلّا سيكون الترخيص الشرعي رافعاً لموضوع العصيان وهتك المولى ورافعاً للقبح, فهذا مصادرة للمطلوب.

 وإثبات التنجيزية للعلم الإجمالي عقلاً بحيث لا يمكن للشارع الترخيص في أطرافه يمكن أن تكون:

 1ـ خصوصية مولوية المولى الذاتية حيث إنّ له حقّ الطاعة على عباده التي لا رافع لها.

ولكن نقول: إذا جاء الترخيص الشرعي فلا يكون رافعاً لها، بل إنّه رافع لموردها لتقديم الملاك الأهمّ من العلم الإجمالي والترخيص.

 2ـ خصوصية قبح ظلم المولى وهتكه بالخروج عن حدّ الطاعة الذي لا رافع له أيضاً.

ولكن نقول: إذا جاء الترخيص فإنّه لا يكون خروجاً على المولى، بل يكون الترخيص موافقاً لقرار المولى وتشريعه نتيجة تقديم ملاك الترخيص على ملاك الإلزام.

 3ـ تحديد مولوية المولى بأن لا يرخّص في موارد الإلزام.

والجواب: إنّ هذا تضييق لمولوية المولى فهو غير مقبول.

 إذن بيّن من هذه المناقشة: أنّ العلم الإجمالي لا يكون علة للتنجيز وإنّما هو متوقّف على ورود الترخيص، والترخيص عقلاً ممكن من المولى.

 نعم، يمكن أن يرخّص المولى في بعض أطراف العلم الإجمالي، أمّ الترخيص في جميعها فهو غير مقبول عرفاً لأنّ العرف يعدّ ذلك معصية غير مقبولة عرفاً وإن قبلت عقلاً.

لا يقال: إنّ المعصية هي العمل المنافي لحقّ الطاعة، ومنافاة العمل لحقّ الطاعة هو فرع عليّة العلم الإجمالي للتنجيز وهو محلّ الكلام، فلا معنى للبرهنة على العلية بالعلية فلاحظ.

إذ نقول: إنّ هذا منبّه وجداني إلى عدم إمكان الترخيص في جميع الأطراف وجوازه في بعض الأطراف، وهذا يعني عدم جواز المخالفة القطعية، نعم الترخيص في بعض الأطراف هو عبارة عن عدم وجوب الموافقة القطعية أي جواز المخالفة الاحتمالية والموافقة الاحتمالية.

 لذلك كله فإنّ الشارع المقدس إذا رخّص في بعض الأطراف فلا يكون ارتكاب بعض أطراف العِلم الإجمالي مخالفاً لاحترام المولى، ونفس وجود الترخيص في بعض أطراف العلم الإجمالي إثباتاً[4] دليل على إمكان ذلك ثبوتاً. فلاحظ.

وإمّا ترخيص الشارع إثباتاً في تمام أطراف العلم الإجمالي فإنّه ليس بعقلائي، لأنّه يعدّ هذا تناقضاً مع الحكم الواقعي المعلوم بالإجمال، وهذا أمر ارتكازي يكون قرينة متصلة لبيّة مانعة عن انعقاد أطراف إطلاق في أدلة الترخيص لتمام أطراف العلم الإجمالي فلاحظ.

[1] () راجع نهاية الأصول 419.

[2] ) ) وخلاصة الدليل هو: إنّ الترخيص في أطراف العالم الإجمالي معصية وهتك للمولى حتّى الترخيص في طرف واحد، والمعصية وهتك المولى قبيح عقلاً، إذن الترخيص في الأطراف ولو في طرف واحد قبيح عقلاً وممتنع شرعاً.

[3] () نهاية الدراية 3 : 92-94.

[4] كما سيأتي الترخيص في أطراف العلم الإجمالي فانتظر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo