< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/10/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تنجيز العلم الإجمالي

 تقدم أنّه هناك اتجاهات في تفسير العلم الإجمالي وشرح حقيقته وهي:

 1ـ أن يكون العلم الإجمالي متعلِّقاً بالفرد المردد (وهذا مستفاد من كلام صاحب الكفاية).

 2ـ ان يكون العلم الإجمالي متعلقاً بالجامع، (وذهب إليه المحقق النائيني والمحقق الإصفهاني).

 وقد تقدّم بيانهما.

 3 ـ ذهب المحقق العراقي إلى دعوى أن تعلق العلم الإجمالي بالواقع (الفرد المعيّن ذهنا المتطابق مع الفرد الخارجي على تقدير وجوده) وإنّما العلم الإجمالي علم مشوب بالإجمال كالمرآة غير الصافية بخلاف العلم التفصيلي.

أقول: لعل مقصود الجميع واحد، وهو: ان صاحب الكفاية عند ما يقول ان العلم الإجمالي متعلق بالفرد المردد يريد أن يقول بوجود علم يشير إلى واقع الوجود، إلا أن واقع الوجود مردد بين وجودين خارجيين، أي يوجد علم بالنجاسة يشير إلى نجاسة واقعة وجوداً، إلا أن هذا الواقع وجوداً، مردد بين وجودين بين هذا الإناء وذاك. فالتردد في المشار إليه، وليس هذا من باب وجود الفرد المردد ذهنا أو خارجاً حتى يقال أنه مستحيل.

 وكذا من يقول أن العلم الإجمالي متعلق بالجامع (المحقّق النائيني و الأصفهاني)، فانه يقصد به العلم بالجامع والكلي المشير إلى الخارج، فهو علم بالجامع بنحو الإشارة إلى الخارج، فيكون على هذا علماً جزئياً بواسطة الإشارة. وكذا صحّ ما ذهب إليه المحقق العراقي من تعلق العلم الإجمالي بالفرد الذهني، لأن المفهوم المتعلق به العلم مستخدم بنحو الإشارة إلى الخارج، وهذا هو حقيقة الجزئية التي هي الإشارة في مورد العلم الإجمالي من دون تعيّن المشار إليه من ناحية الإشارة لأنها إشارة إلى واقع الوجود وهو مردد بين الوجودين الخارجيين ([1] ).

 ثم ان البحث هنا يكون في منجزيّة العلم الإجمالي بلحاظ حرمة المخالفة القطعية تارة وبلحاظ وجوب الموافقة القطعية أخرى:

أمّا بلحاظ المخالفة القطعية أي حينما نعلم بنجاسة أحد الآنيتين فهل يكون شربهما جائز؟ أم يكون محرماً؟

الجواب: يكون محرّما لأنّه إقدام على المعصية والمخالفة القطعية، وبعبارة أخرى: إنّ الوصول قد أخذ في موضوع المعصية لأنّ المعصية عبارة عن الخروج عن الطاعة والخروج عن الطاعة يكون بالخروج عن مقدمتين (صغرى وكبرى):

 1ـ إذا أحرز كون هذا الإماء نجساً (الصغرى).

 2ـ إنّ النجس يحرم تناوله.(الكبرى) وقد خرج عنهما بتناوله.

 وحينئذٍ نقول في صورة وجود علم إجمالي بنجاسة أحد الإناءين: إنّ مَن أحرز أنّ مبغوض المولى مردد بين شيئين فهو لا بتردد بلزوم تركهما وهذه صغرى وكبرى أمّا الصغرى فهي إحراز أنّ مبغوض المولى مردد بين شيئين وأمّا الكبرى فهي أنّ مبغوض المولى يجب تركه (يحرم تناوله), فيتمّ إنّ مبغوض المولى المردد بين شيئين يحرم تناولهما، فتبيّن أنّ المقتضي لحرمة المخالفة القطعية في العلم الإجمالي موجود كالعلم التفصيلي فلاحظ.

وبعبارة أخرى: لا فرق بين العلم الإجمالي والعلم التفصيلي في اقتضاء العمل فإنّه عبارة عن الوصول للواقع والالتفات إليه وهو موجب للعمل بالوجه الذي يقتضيه الواقع المعلوم، ولا يمكن الردع الشرعي عنه وعن العمل به.

 ولا فرق بين العلم الإجمالي والعلم التفصيلي إلّا بابتلاء العلم الإجمالي بالجهل بالموضوع وتردده بين الأطراف، وهذا لا دخل له في وجوب العمل على طبق العلم.

 ففي العلم التفصيلي: الذي هو علم بنجاسة هذا الإناء المعيّن.

 وفي العلم الإجمالي: الذي هو بالنجاسة في أحد الإناءين، وهنا جهل في موضوع النجاسة أمّا النجاسة فهي معلومة فيجب العمل على وفقها وتجنّب النجاسة في الإناءين معاً، لأنّ العلم اليقيني بالنجاسة يستدعي الفراغ اليقيني والاجتناب اليقيني وهو يتحقّق بترك الإناءين معاً.

وقد يقال: إذا كاان النجس أحدها فهو كما إذا كان الواجب أحد خصال الكفارة يكتفى بترك واحد كما يكتفى بقعل أحد خصال الكفارة، فيكتفى بالموافقة الاحتمالية.

والجواب: إنّ المعلوم مجملاً ليس هو نجاسة أحدها حتّى يكتفى بترك أحد الإناءين كما في خصال الكفارة حيث كان الواجب أحدها، بل المعلوم إجمالا بالنجاسة هو أحد الإناءين المعيّن واقعاً بخصوصيّته، وهو مردد بين الإناءين، فلابدّ من إحراز الخصوصية الواقعية في إحراز الفراغ عن التكليف المعلوم إجمالاً، وهذا موقوف على الاحتياط التام فلاحظ.

وأمّا بلحاظ وجوب الموافقة القطعية فنقول:

 إنّ العلم بنجاسة أحد الإناءين قد وصل، فالمكلّف أحرز أنّه يجب ترك النجس الذي هو مردد في أحدهما، ومحبوب المولى يجب تنفيذه، ولا يحصل تنفيذ محبوب المولى إلّا بتركهما معاً.

وبعبارة أخرى: حينما نعلم بنجاسة أحد الإناءين فهل يجب اجتنابهما معاً أو لا يجب؟

والجواب: هو وجوب الموافقة القطعية لأنّ عدم الموافقة القطعية يؤدّي إلى اسقاط العلم عن منجزيّته، وهذا قد أحاله السيد الخوئي إلى بحث الشك في إجراء البراءة أو الاشتغال نظير المقام[2] .

أقول: حتّى الشيخ الأنصاري أحال هذا البحث إلى مبحث الشك فقال ما مضمونه: إنّ البحث في حرمة المخالفة القطعية نما يناسب العلم وبحث وجوب الموافقة القطعية مما يناسب مباحث الشك ولذ أوكله لمباحث الأصول العملية، ولعل السيد الخوئي أخذ الرأي منه.

أقول: ما ذهب إليه مشكل لأنّ حرمة المخالفة القطعية كوجوب الموافقة القطعية كلاهما من شؤون تنجّز التكليف المترتب على العلم به، فالمناسب التعرّض لهما هنا، أمّا جريان الأصول في الأطراف وعدم جريانها فهو متفرّع على هذا في الجملة.

[1] () هذا مستخلص من كلام السيد الشهيد ج 4 : 160 161.

[2] غاية المأمول من علم الأصول2: 72.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo