< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

31/10/14

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: حجية القطع.

 تقدم إنّ حجية القطع (بمعنى التنجيز والتعذير) ليس إلا عبارة فرض مولوية المولى، ونفس القطع بحكم المولى, ومعه يحكم العقل بحسن ترتيب آثار العقل.

 وبهذا بُيّن أن الحجية بهذا المعنى قد صارت من لوازم القطع عقلا, لأنّه إذا قطع بشيء واجب فقد قطع بلزوم فعله, وبين هذين القطعين هذه الملازمة العقلية, وحينئذٍ لا يمكن للشارع أن يجعل حجية للقطع تشريعياً أو تكوينياً إلّا بالعرض, بأن يكوّن صفة القطع في الإنسان فيحصل لازمه قهراً, كما يمكن أن يحصل هذا من غير الشارع كما إذا أوجد زيد صفة القطع في خالد بتمهيد مقدمات لقطع خالد فتحصل لوازم القطع لخالد قهراً.

الردع عن حجية القطع: اختلف في إمكان الردع عن حجيّة القطع ومنجّزيته على قولين، والمعروف امتناعه فقالوا: لا يمكن أن تزول حجية القطع عن القطع، فحتى المولى لا يمكنه أن يجرِّد القطع من حجيته ويقول مثلاً: (إذا قطعت بعدم الإلزام فأنت لست معذوراً) أو يقول (إذا قطعت بالإلزام فلك أن تهمله) وذلك لأن القطع لا ينفك عن المعذريّة والمنجزيّة بحال من الأحوال ([1] ). وقد عبّر عن هذه الحالة بأن حجيّة القطع ذاتية ومعنى ذلك أنها منبثقة عن نفس طبيعة القطع، فهي ليست مستفادة من الغير ولا تحتاج إلى جعل من الشارع أو في صدور أمراً منه بأتباع القطع، فليس وراء انكشاف الواقع شيء ينتظره العبد فإذا انكشف الواقع له فلابد أن يأخذ به ويكون منجَّزاً ومعذِّراً، وهذه اللابدّية عقليه وهي نفس وجوب الطاعة الذي هو وجوب عقلي.

 وعلى هذا فلا يعقل التصرف في حجيّة القطع من جهة أسبابه كما نسب ذلك إلى بعض الإخباريين حيث حكموا بعدم الأخذ بالقطع إذا كان سببه من مقدمات عقلية.

 وأصل هذا البحث والمهم منه هو إبطال شبهة بعض الإخباريين حيث زعموا أنّه لا يجوز التعويل على القطع الغير الحاصل من الكتاب والسنة (كالقطع الحاصل من مقدمات عقلية).

 فدُفعت هذه الشبهة بما يأتي من بيان الأدلة على أنّ القطع لا يمكن أن ينهى عنه الشارع من أيّ طريق حصل.

 وكذا لا يمكن التصرف في القطع من جهة الأشخاص، بأن يعتبر قطع شخصٍ ولا يعتبر قطع شخص آخر (كما قالوا بعدم قطع القطاع قياساً على شك كثير الشك الذي حكم شرعاً بعدم الاعتبار بشكه في ترتيب أحكام الشك). إذن القطع في كل ذلك حجة ذاتية غير قابلة للتصرف فيها بوجه من الوجوه.

 نعم الذي يصح ويمكن أن يقع هو إلفات نظر الخاطئ في قعطعه إلى الخلل في مقدمات قطعة، فإذا تنبّه إلى الخلل في سبب قطعه فلا محالة أن قطعة سيتبدل إما إلى احتمال الخلاف أو إلى القطع بالخلاف، وهذا لأضير فيه([2] ).

وقد استدل على امتناع الردع عن حجية القطع بأدلة ثلاثة:

 1ـ ان المنجزية والمعذرية من لوازم القطع ويستحيل انفكاك اللازم عن الملزوم. فان أريد بالردع إزالة الحجية الذاتية عن القطع فهو تفكيك بين الذات والذاتي وهو مستحيل.

 2ـ أن الردع مناقض لحكم العقل بحجيّة القطع ومنجزيته.فجعل ما يخالف حجية القطع (رغم ثبوت حجيّة القطع الذاتية عقلاً) تناقض مع حكم العقل.

 3 ـ ان الردع عن حجيّة القطع يستلزم اجتماع الضدين واقعاً عند فرض الإصابة، أو في نظر القاطع في فرض الخطأ، وكلاهما محال فلا يمكن للمولى أن يجرّد القطع عن حجيته ومنجزيته بالترخيص في مخالفة التكليف المنكشف بالقطع, لأن هذا الترخيص هو حكم واقعي حقيقي، وحينئذٍ يلزم اجتماع حكمين واقعيين حقيقيين متنافيين في حالة كون التكليف المقطوع ثابتاً في الواقع، ويلزم اجتماع حكمين متنافيين في نظر القاطع إذا لم يكن التكليف المقطوع ثابتاً في الواقع حيث يرى القاطع مقطوعه ثابتاً دائماً فكيف يصدّق بعدم حجيته مع وجود قطعه؟!!

 ولكن الميرزا النائيني أنكر استحالته وادعى الإمكان إلّا أنّه أنكر وقوعه, بل سلم الوقوع في خصوص القطع الحاصل من القياس[3] فقط, لدلالة خبر أبان عن المنع عن اتباع القطع الحاصل من القياس... وأنكر الدليل على المنع عن غيره[4] .

 والحق هو القول الأوّل أمّا ما أفاده الميرزا النائي وما استدل به فهو غير صحيح كما سيأتي.

[1] () دروس في علم الأصول، الحلقة الثانية 176.

[2] () راجع أصول الفقه 3: 25-26.

[3] ليس المراد من القياس هنا ليس القياس المعمول عند أهل السنة من وجود أصل ووجود فرع ومشابهة بين حكم الأصل والفرع فيسحب حكم الأصل الى الفرع, بل المراد به هو القياس الذي كان في زمان الإمام الصادق وكان يعمل به ابو حنيفة وأتباعه ونهرهم الإمام عنه والميرزا يريد هذا القياس وهو: إخضاع النص الديني الى العقل فإن قبله العقل يقبل النص وإلّا فلا.

[4] غاية المأمول في علم الأصول 2: 37.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo