< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/07/04

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: احترازية القيود - قاعدة: حمل المجمل على المبين0

 وقد نعبر عن هذه القاعدة بالتطابق بين عالم اللفظ والإرادة, لعلمنا بأن الذي تترتب عليه الآثار هو المقصود الواقعي لا اللفظ من دون قصد واقعي, فإن اللفظ من دون قصد واقعي لمعناه لا قيمة له أصلا, ولا مانع من التعبير عنها بقاعدة التطابق بين عالم الإثبات «اللفظ» والثبوت «عالم اللحاظ المراد».

مستند القاعدة:

 ان الظهور العرفي لحال المتكلم هو أن كلّ ما يقوله في كلامه يريده حقيقة وتوضيح ذلك: أن الصورة التي نتصورها في مرحلة المدلول اللفظي التصوري عند سماع الكلام المقيّد هي صورة حكم يرتبط بذلك القيد، ونستكشف من دخول القيد في الصورة التي يدلّ عليها الكلام دخول القيد في المدلول التصديقي الجدي أي ان القيد مأخوذ في ذلك الحكم الشرعي الذي كشف عنه الكلام.

 مثلاً عندما يقول المولى أكرم الفقيه العادل: نفهم أن الوجوب الذي أراد كشفه بهذا الخطاب قد جُعل على الفقيه العادل، فأخذت العدالة في موضوعه وفقا لأخذها في المدلول التصوري للكلام، وذلك لأن المولى لو لم يكن قد أخذ العدالة قيداً في موضوع ذلك الوجوب الذي جعله وأبرزه بقوله أكرم الفقيه العادل لكان هذا يعني أنه أخذ في المدلول التصوري لكلامه قيداً ولم يأخذه في المدلول الجدي لذلك الكلام، أي أنه بيّن بالدلالة التصورية للكلام شيئاً وهو القيد مع أنه لا يدخل في نطاق مراده الجدّي وهذا خلاف الظهور العرفي الحالي الذي يقول: ان كل ما يبيّن بالكلام في مرحلة المدلول التصوري فهو داخل في نطاق المراد الجدّي (أي ظهور حال المتكلم أن كل ما يقوله يريده حقيقةً) الذي هو الأصل في القيد ([1] ), فالدليل هو الظهور العرفي الحالي.

وقد يقال: بأن سيرة العقلاء قائمة على الأخذ بظاهر كلام المتكلم على أنه هو المقصود الواقعي له, فإن تكلم بكلمة الكفر حكم عليه بالكفر, وإن تكلم بكلمة الإسلام والإيمان حكم عليه به.

تنبيه:

  1 ـ لا يجوز الأخذ بأصالة الإطلاق قبل الفحص عن المقيّد، لأن الأحكام الشرعية نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) نجوماً، وقد جمعها العلماء في أصولهم وكتبهم، وعلى هذا ستكون المطلقات منفصلة عن المقيدات، فلا يمكن إجراء أصالة التطابق بين الاستعمال والجد قبل الفحص واليأس عن المقيد.

 2ـ إذا ورد قيد على مطلق «نحو أكرم العالم العادل»، فهو لا يوجب عدم جواز التمسك بالمطلق في سائر القيود المشكوك فيها «كالعالم الغني أو الفقير»، ضرورة أن العثور على قيد لا يوجب تصرفاً في ظاهر المطلق، بل يكشف هذا القيد عن أن الموضوع بحسب الإرادة الجدية هو الطبيعة مع هذا القيد، ودخالة قيد آخر تحتاج إلى الدليل، فقيام الحجة على دخالة قيد لا يوجب الإهمال والإجمال وسقوط المطلق عن الحجية بالنسبة إلى سائر القيود، ولا إشكال في بناء العقلاء على التمسك بالمطلق في سائر القيود، كما أن بناءَهم على التمسك بالعام المخصَص في الشك في التخصيص الزائد.

التطبيقات:

 1ـ قال المظفر والسيد الخوئي والنائيني ما حاصله: إذا كان القيد أخص من الموضوع كقولنا أكرم إنساناً عالماً، أو كان القيد أعم من الموضوع من وجه كقوله (عليه السلام): «في الغنم السائمة زكاة»[2] فلا إشكال في كون القيد هنا أحترازياً يوجب تضييق دائرة الموضوع، فيقيّد وجوب الإكرام بالعالِم وتقيّد الزكاة بخصوص الغنم السائمة، ولكن لا يدل على عدم وجوب الإكرام في الإنسان غير العالم باعتبار آخر، ولا يدل على عدم وجوب الزكاة في غير الغنم السائمة كالإبل مثلاً لأن معنى احترازية القيود هو انتفاء الحكم عن الموضوع المذكور في القضية عند انتفاء القيد، أما الموضوع غير المذكور فلا تعرض لحكمه لا نفياً ولا إثباتاً، فما عن بعض الشافعية من القول بدلالة (في الغنم السائمة زكاة) على عدم وجوب الزكاة في الإبل المعلوفة لا وجه له قطعاً ([3] ).

 2ـ المشهور اختصاص خيار الحيوان بالمشتري لتقييده بالمشتري في غير واحد من الأخبار، منها ما رواه أبو الحسن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: «الخيار في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري»([4] ), فلا يوجد خيار حيوان للبائع, ولكن لا يدل على أن البائع ليس له خيار من غير جهة الحيوان.

 3 ـ تقيد حرمة حلائل الأبناء بكونهم من الأصلاب بقوله تعالى: «وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ»[5] , فحليلة الابن الرضاعي أو المتبنى التي ليست من الصلب لا تكون محرمة ولكن لا تدل هذه الآية على أن حليلة الابن الذي ليس من الصلب ليست محرمة باعتبار آخر ككونها بنت أخ أو أخت.

الاستثناء:

 1ـ إذا كان القيد مساوياً للموضوع كقولنا: أكرم إنساناً ناطقاً، وكذا إذا كان القيد أعم من الموضوع كقولنا (أكرم إنسانا حيواّناً) فلا إشكال في عدم كون القيد للاحتراز لأن القيد في هاتين الصورتين لا يوجب تضييقاً في دائرة الموضوع حتى يكون احترازياً, ويمكن أن يذكر هذا المثال كتحديد لموضوع القاعدة.

 2ـ إذا كانت هناك قرينة على عدم كون القيد احترازياً، كما إذا ورد القيد مورد الغالب فيفهم منه عدم كونه احترازياً نحو قوله تعالى «وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتي فِي حُجُورِكُمْ»[6] إذ يُفهم منه أن تقييد الربائب بأنها في حجوركم لأنها غالباً تكون كذلك، والغرض منه الإشعار بعلة الحكم إذ أن اللاتي تربى في الحجور تكون كالبنات ([7] ).

 3ـ إذ كان القيد الذي جاء به المتكلم للاستهزاء أو التعجيز والتحدي, وهذا يمكن إدخاله في الاستثناء الثاني, كما لو قال ولد لأبيه: أعطني مائة دينار فقال له أبيه: بل أعطيك مائة دولار وكان في مقام الاستهزاء به, فهنا جاء بالقيد ولكن لم يقصد تحققه في الخارج فلا يكون القيد احترازياً.

قاعدة: حمل المجمل على المبين

 الألفاظ الأخرى: المجمل والمبين

توضيح القاعدة:

 1ـ لا يهتم الأصوليون في البحث عن اللفظ المعين أنه مجمل أو مبيّن، فان هذا هو وظيفة اللغوي.

 2ـ يهتم الأصولي بالبحث عن موازين رفع الإجمال في الدليل المجمل بالدليل المبيّن.

 3ـ المجمل اصطلاحاً: ما ليس له معنى ظاهر يمكن العمل به، أي لم تتضح دلالة اللفظ، و يقابله المبيّن فهو ما له معنى ظاهر يمكن العمل به أي ما تتضح دلالة اللفظ. فمفهومهما من المبيّنات.

 4ـ المجمل على قسمين:

الأول: ما جهل فيه مراد المتكلم ان كان لفظاً.

الثاني: ما جهل فيه مراد الفاعل ان كان فعلاً.

 فالمبيّن ما كان له ظاهر يدل على مقصود قائله أو فاعله على وجه الظن أو اليقين (بحيث يمكن أن يعمل به) فالمبيّن يشمل الظاهر والنص معاً. وأما المجمل فلا يجوز العمل به لعدم ظهور دلالته.

 5 ـ ويقسّم المجمل بلحاظ الظهور وعدمه إلى ثلاثة أقسام:

الأول: المجمل بالذات، وهو ما ليس له معنى ظاهر في نفسه بالنسبة إلينا مثل إجمال كلمة (الرطل) وترددها بين العراقي والمكي والمدني وكما في الألفاظ المشتركة كلها كلفظ عين.

الثاني: المجمل بالعرض: وهو ما كان له معنى ظاهر في نفسه لغة وعرفاً، ولكنه ثبت عدم إرادته لاحتفافه بما يدل على عدم ظهوره من غير تعيين للمراد، أي تكون القرينة صارفة عن ظهوره فقط.

الثالث: وقد يكون المجمل حُكميّاً بمعنى أن أحكام المجمل ترتّب عليه كما إذا قال: أكرم العلماء، ثم قال لا تكرم زيداً وتردد زيد بين عشرة أشخاص، فنتيجة المجمل وهو التوقف عن إكرام هذه العشرة جارٍ في المقام وإن علم إرادة واحد منهم ([8] ). فتعذر العمل بظاهره فأصبح المراد منه مجملاً.

[1] () دروس في علم الأصول، الحلقة الثانية: 231.

[2] عوالي اللآلي 1: 399 الحديث 50.

[3] () أصول الفقه 1: 120-121 ومحاضرات في أصول الفقه 5: 128-129 وأجود التقريرات 1: 434.

[4] () باب 3 من الخيار ح 8.

[5] النساء: 23.

[6] النساء: 19.

[7] () أصول الفقه1: 121، كفاية الأصول 45.

[8] () غاية المأمول ج 1: 709.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo