< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/06/26

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: منشأ الشمولية والبدلية

 ب ـ هناك شمولية وبدلية بلحاظ الحكم، بمعنى وجود حكم منحل إلى أحكام عديدة بعدد أفراد الموضوع خارجاً ولكلّ من هذه الأحكام المنحلّة امتثاله وعصيانه فيكون الحكم شمولياً، أو يوجد حكم واحد له امتثال واحد و عصيان واحد فيكون بدليّاً.

 1ـ أن موضوع الحكم إن أخذ في القضية مفروض الوجود قبل الحكم فحينئذ ينحل الحكم بعدد أفراده ويكون الحكم شاملا لجميع ما يصلح أن يكون مصداقا للطبيعة, ولهذا قالوا: إن القضايا الحقيقية ترجع إلى قضايا شرطية, فإذا قال: حدَّ السارق فإنّ معناه إذا وجد السارق فيجب حدّه، وعلى هذا نقول: ان الطبيعة التي أخذت مفروغاً عنها ومفروضة الوجود قبل الحكم تستبتع انحلال الحكم بلحاظ الموضوع وشمولية الحكم لجميع ما يصلح أن يكون مصداقاً للطبيعة.

 نعم إذا كان الموضوع منوّناً فهنا يتحول الإطلاق بدلياً من جهة دلالة التنوين على قيد الوحدة كما إذا قال أكرم عالماً, جئني برجلٍ.

 2ـ أما متعلق الحكم فهو لم يكن مفروض الوجود، بل هو أمرٌ يُطلب تحقيقه بالحكم وإيجاده، فهنا ينعكس الأمر بحصول البدلية في المتعلق كما في قولنا: يجب الصلاة، يجب الحج على المسلم.

 نعم إذا كان المتعلق متعلقاً للنواهي كما إذا قال لا تشرب خمراً، فلو عصى وشرب خمراً واحداً بقيت الحرمة على الأفراد الأخرى، لأن النهي عن طبيعة الشرب لا يحصل امتثالها إلا بترك جميع أفراد الشرب، فالعصيان بشرب خمر ما لا يُسقط النهي عن الطبيعة الشرب بعد ذلك، للقدرة على ترك جميع الأفراد بترك شربها.

ملاحظة: إن البحث الذي تقدم في بحث العام وهو (تخصيص العام بالمجمل المفهومي والمصداقي ويسمى في المجمل المصداقي) وقلنا بعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، يأتي هنا بحذافيره فيقال: إذا وجد مطلق ووجد مقيّد وشك في مصداق أنه من أفراد المقيد أو المطلق فلا يجوز التمسك بالإطلاق في الشبهة المصداقية للمقيّد، ولهذا لا حاجة إلى إعادة البحث هنا، فان النكتة المتقدمة في البحث العام تأتي هنا بلا أي اختلاف, فإذا ورد مطلق مثل أكرم العالم ثم ورد مقيّد مثل لا تكرم العالم الفاسق، فيكشف أن العالم ليس تمام الموضوع، بل هو بعض الموضوع وبعضه الأخر هو كونه غير فاسق، فيكون الموضوع واقعاً هو العالم غير الفاسق فإذا شك في مصداق خارجي «عالم» هل هو فاسق أم لا فلا يجوز التمسك بالمطلق لوجوب إكرامه، لأن التمسك به في الشبهة المصداقية للمقيِّد يرجع إلى التمسك بالمطلق في الشبهة المصداقية لنفسه فان موضوع الحكم هو العالم غير الفاسق، ومورد الشك شهبة مصداقية له.

التطبيقات:

 1ـ قال تعالى: «أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ»[1] فانه يدل بالإطلاق على عدم اعتبار الماضوية والعربية في صيغة البيع, وهذا الإطلاق يفيد الشمولية كما تقدم لأن موضوع الحكم أخذ مفروغ الوجود في الخارج.

 2ـ ما ذكره السيد الخوئي (قدس سره) قال: « إن من الآيات الكريمة ما ورد في الكتاب وهو في مقام البيان كقوله تعالى : «كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم . . .»[2] ، فالمفهوم من كلمة «الصيام» عرفا كف النفس عن الأكل والشرب، وهو معناه اللغوي، فالصيام بهذا المعنى كان ثابتا في سائر الشرائع والأديان بقرينة قوله تعالى: «وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر»[3] .... .

نعم، ... قد يعتبر فيه - كما في شرع الإسلام - الكف عن عدة أمور أخر أيضا: كالجماع، والارتماس في الماء، والكذب على الله تعالى وعلى رسوله ( صلى الله عليه وآله ) وعلى الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) وإن لم يكن الكف عنها معتبرا في بقية الشرائع والأديان.

وعلى ذلك فلو شككنا في اعتبار شيء في هذه الماهية قيدا وعدم اعتباره كذلك [كما لو شككنا في اشتراط عدم الغيبة من الصائم في صحة الصوم فهذا خارج عن ماهية الصوم] فلا مانع من أن نرجع إلى إطلاق قوله تعالى : «كتب عليكم الصيام . . .»، وبه يثبت عدم اعتباره. فحال الآية المباركة [التي يكون الإطلاق فيها مقاميا] حال قوله تعالى: «أحل الله البيع» [الذي يكون الإطلاق فيها لفظيا], «تجارة عن تراض»[4] وما شاكلهما . فكما أنه لا مانع من التمسك بإطلاقها في باب المعاملات عند الشك في اعتبار شيء فيها, فكذلك لا مانع من التمسك بإطلاق هذه الآية المباركة في باب الصوم عند الشك في دخل شيء في صحته شرعا.

هذا، مضافا إلى ما في السنة من الروايات المطلقة الواردة في مقام البيان ، منها : قوله ( عليه السلام ) في التشهد: «يتشهد»[5] ، فإن مقتضى إطلاقه عدم اعتبار أمر زائد على نفس الشهادتين، فلو شك في اعتبار التوالي بينهما فيدفع بالإطلاق [المقامي][6] .

 ومن المحتمل أن يكون مراده من التوالي هو التولي لأهل البيت عليهم السلام في التشهد أي شهادة أن عليا (عليه السلام) ولي الله, لا التوالي والله العالم.

 2ـ إذا ورد أمر وشككنا في كونه نفسياً تعيينياً عينياً في قبال الغيرية والتخييرية والكفائية، فبقرينة الحكمة والإطلاق يحمل هذا الأمر على النفسي والتعييني والعيني. قال صاحب الكفاية: «قضية إطلاق الصيغة كون الوجوب نفسياً تعيينياً عينياً لكون كل واحد مما يقابلها يكون فيه تقييد الوجوب وتضييق دائرته، فإذا كان في مقام البيان ولم ينصب قرينة عليه، فالحكمة تقضي كونه مطلقاً وجب هناك شيء أخر أو لا أتي بشيء أخر أولا قام به شخص أخر أولا كما هو واضح لا يخفى» ([7] ).

 3ـ قال النبي (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع: «خذوا عني مناسككم»[8] ورأيناه يأتي بالوقوف في عرفة مع الدعاء والاستغفار فإذا شككنا في وجوب التعزية أو الندبة لإمام العصر فنتمسك بالإطلاق المقامي لنفي الوجوب حيث سيكون وجوب التعزية أو الندبة صورة أخرى للحج.

 4ـ مثال لعدم جواز التمسك بالإطلاق وهو فيما لو كان المولى في مقام البيان من غير الجهة التي يراد الإطلاق لها كقوله تعالى: «فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ»[9] , فإنها مسوقة إلى أن هذا الصيد لا يحتاج إلى تذكية إن لم يدرك حيّا, فلا يمكن أن يتمسك هنا بطهارة موضع الإمساك لأنه ليس في مقام البيان من هذه الجهة, بل هو في مقام بيان حليته وعدم الحاجة إلى التذكية ما لم يدرك حياً.

 6ـ ونضيره ما ورد في العفو عن مقدار الدرهم من الدم في لباس المصلي, فإن كان الدم من غير مأكول اللحم فصار جزءا من غير مأكول اللحم وقد ورد الدليل على عدم جواز الصلاة بأجزاء غير مأكول اللحم فلا يمكن التمسك بالإطلاق هنا لشموله لأنّ الأدلة الأولى ليست من جهة البيان, قال السيد الخوئي (قدس سره): «ونضير أدلة العفو عن مقدار الدرهم عن الدم في لباس المصلي, فإن العفو فيه من جهة النجاسة, فلو كان من غير ما لا يؤكل لحمه لا يجوز الصلاة فيه, لأنه من فضلات ما لا يؤكل لحمه مانع عن ذلك»[10] .

 7ـ وقال أيضاً: « إذا سأل السائل عن دم الرعاف يصيب الثوب هل يصلي فيه أم لا؟ فأجابه الإمام بأن الدم إن كان أقل من الدرهم جاز الصلاة فيه, فإن القدر المتيقن منه هو مورد السؤال وهو دم الرعاف,... لأن خروج المورد [مورد السؤال عن الجواب] وإن كان مستهجناً إلّا أن دخول غيره معه ليس بمسهجن قطعا, وهذا أمر قد أشير إليه بقولهم: إن المورد لا يقيد الوارد, وهذا أمر واضح بحسب الظاهر وقد تسالم الأصحاب عليه, حتى الآخوند نفسه ـ الذي اعتبر عدم القدر المتيقن في مقام الخطاب في التمسك بالإطلاق في كفايته ـ لم يلتزم بذلك في الفقه وإلّا لأسس فقه جديدا, وبناء العقلاء على التمسك بالإطلاق في مثله, بل ومبنى المحاورات العرفية على ذلك, فمن سأل الطبيب عن الرمان الحامض فأجابه حينئذ الطبيب بقوله: لا تأكل الحامض, لا يستفيد خصوص حامض الرمان, بل كل حامض»[11] .

 8ـ وقال في مورد آخر ما حاصله: « إن الانصراف قد يكون لبعض مصاديق المفرد لا لاستعمال اللفظ المطلق في بعض مصاديقه فهو ليس انصرافا حجة ولا بدوي, بل هو انصراف وسط يوجب الشك في صدق المقسم عليه كما في ماء الزاج والكبريت, فإنه يوجب الشك في صدق الماء عليهما في قوله: «خلق الله الماء طهور لا ينجسه شيء»[12] , وهذا ما اصطلح عليه الشيخ الأنصاري بالشك في صدق الماء عليهما, وهذا أيضا مانع عن التمسك بالإطلاق لشك في ورود الحكم على المقسم حينئذ»[13] .

[1] البقرة: 275.

[2] البقرة: 183.

[3] البقرة 187.

[4] النساء: 29.

[5] وسائل الشيعة : ج 6 ص 404 ب 8 من أبواب التشهد ح 1.

[6] محاضرات في أصول الفقه 1: 201.

[7] () راجع الكفاية 76-252.

[8] عوالي اللئالي ج 4 ص 34 ح 118 من طبعة الحديثة , عوالي اللئالي ج 4 ص 34 ح 118 من طبعة الحديثة .

[9] المائدة: 4.

[10] غاية المأمول في علم الأصول 1: 696.

[11] غاية المأمول في علم الأصول 1: 699.

[12] الوسائل1: 101, حديث8.

[13] غاية المأمول في علم الأصول 1: 700.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo