< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/06/25

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الاطلاق يستفاد من مقدمات الحكمة

 تقدم بالأمس الفرق بين الإطلاق الحكمي والإطلاق المقامي وإن الأول يحتاج إلى خصوص مقدمات الحكمة والثاني يحتاج إلى قرينة زائدة على مقدمات الحكمة, والذي نريد قوله اليوم: إن الإطلاق المقامي يكون من حال المولى أي سكوته وعدم بيان أن شيء آخر هو جزء الواجب, فنقر بوجود إقرارين أحدهما لفظي والآخر مقامي, ومع هذا يبقى ما قلناه بالأمس من أن استفادة الإطلاق ونفي التقييد يستفاد من مقدمات الحكمة في القسم الثاني أيضاً, فالتقييد سواء كان بمعنى إخراج شيء من اللفظ المطلق كما هو في الإطلاق الحكمي فيكون إخراجاً من المعنى الواسع, ويسمى بالإطلاق اللفظي, أو أن التقييد إضافة شيء إلى شيء كما في الإطلاق المقامي, فهو وإن اختلف عن الإطلاق اللفظي أو قل الإطلاق الحكمي بأن التقييد فيه بمعنى إضافة شيء إلى شيء لا إخراج شيء من شيء, إلا إن هذا ليس بفارق, فإنه لا يحتاج إلّا إلى مقدمات الحكمة, لا إلى قرينة زائدة كما ذهب إليه الشهيد الصدر.

إن قيل: إن الفرق بين الإطلاق اللفظي والمقامي هو: كون الأول إطلاق من لفظ المتكلم, والثاني إطلاق مقامي حالي سكوتي للمتكلم.

قلت: هذا صحيح لكن ما نقوله هو عدم احتياج الإطلاق المقامي في التمسك بالإطلاق إلى قرينة زائدة غير مقدمات الحكمة, فإن النكتة في نفي احتمال القيد كون المتكلم تكلم بكلام لا يريد غيره, سواء كان الغير إخراج شيء من تحت المعنى الواسع للمطلق أو إضافة شيء إليه, فإنه لا يريد إلّا ما تكلم به.

وبعبارة أخرى: إن التقييد في الإطلاق اللفظي يكون بتقييد الطبيعة بأن يخرج بعض أفرادها, كطبيعة الماء فإن قال جئني بماء بارد كان تقييدا ويقابله قول المولى جئني بماء ومع كونه في مقام البيان ولم ينصب قرينة على الخلاف فيتمسك بإطلاق لفظ الماء, والتقييد في الإطلاق المقامي يكون بتقييد الطبيعة بطلبها مع غيرها كقوله جئني بماء مع الشاي, ويقابل هذا التقييد قوله جئني بماء, واحتملنا إرادته الماء مع الشاي, فينفى هذا القيد بالإطلاق الناشئ من سكوته عن ذكر الماء مع توفر مقدمات الحكمة عنده, فكلا الإطلاقين «اللفظي ولمقامي» يحتاجان إلى مقدمات الحكمة لإثبات الإطلاق دون قرينة أخرى كما ذكر ذلك السيد الشهيد [في الإطلاق المقامي], فإن قال زيارة الحسين (عليه السلام) فيها من الثواب الجزيل ما لا عين رأت ولا أذن سمعت, فإن احتمالنا كون هذا الثواب لمن زاره ماشيا, فينفى هذا الاحتمال بإطلاق كلامه, بمعنى أن ما قاله وهو إطلاق الزيارة هو الذي أراده في ترتب الثواب الجزيل وما لم يقله «الزيارة بقيد المشي» لم يرده فينفى هذا القيد, وكذا لو احتملنا أن الثواب الجزيل لمن زاره (عليه السلام) وصلى عنده فينفى هذا القيد بالإطلاق السكوتي فلا ندخل شيء ونقيد ما قاله المولى «الإطلاق المقامي» فيثبت الإطلاق في كلى الإطلاقين بمقدمات الحكمة من دون احتياج إلى ضم شيء زائد إليها من القرائن التي ذكرها السيد الشهيد (قدس سره).

ثم إنّه قد مر التساؤل عن منشأ الشمولية والبدلية مع أن الدال على الإطلاق في تمام الموارد هو مقدمات الحكمة فلماذا تختلف نتيجة مقدمات الحكمة مع أن مقدمات الحكمة في الجميع واحدة؟

قد أجاب السيد الخوئي (قدس سره) عنه بما حكاه السيد الشهيد قال: «أن مقدمات الحكمة في جميع الموارد واحدة فلا تثبت إلا مطلباً واحداً وهو أن موضوع الحكم أو متعلق الحكم هو ذات الطبيعة، وأما الشمولية والبدلية فتثبتُ بلحاظ قرينة عقلية أو عرفية تعيّن البدلية تارة والشمولية أخرى, مثلاً لا تكذب إنّما صار النهي بلحاظ متعلقه وهو الكذب شموليا, لأن البدلية غير معقولة، فان النهي عن كذب ما لغو محض, لأن الكذّاب مهما كان كذّاباً فهو لا يكذب بجميع الأكاذيب لكي يطلب منه ترك كذبٍ ما ([1] )، وهذا بخلاف الأمر كصلِّ فإنه أيضاً لا يحتمل فيه الشمولية لعدم معقولية وجوب الإتيان بجميع أفراد الصلاة لعدم القدرة على ذلك فيتعيّن أن يكون الإطلاق بدليّاً»[2] .

ويرد عليه:

 1ـ وهذا الجواب وإن صح في الأمثلة التي ضربت له، إلا أنه لا يصح في قوله تعالى «أحل الله البيع»[3] وقولنا أكرم العالم، فان العالم كما يمكن جعل وجوب الإكرام على طبيعي العالم بنحو الشمول يمكن جعله على فرد منهم على نحو البدل كما في أكرم عالماً.

 2ـ أن عدم المقدورية في إتيان جميع أفراد الصلاة لعدم القدرة على ذلك لا تعيّن البدلية دائماً، وذلك لإمكان جعل صلِّ شمولياً في حدود المقدور من أفراد الصلاة.

أقول:

 أ ـ ان الشمولية والبدلية مرة تكون بنكتة عقلية: وهي أن الطبيعة توجد بوجود فرد منها ولكنها لا تنعدم إلا بانعدام جميع أفرادها، وبما أن الأمر طلب الإيجاد فيكفي لامتثاله إيجاد فرد واحد لِسقوطه ولكن النهي هو طلب الترك (أو الزجر والردع) عن الطبيعة فلا يتحقق الامتثال للنهي إلا بترك جميع أفراد الطبيعة. ولكن هذه الشمولية والبدلية لسيت من شؤون الإطلاق ومقدمات الحكمة الجارية في مدلول الكلام بل هي شمولية وبدلية في مرحلة الامتثال, فهذا خارج عن محل الكلام إذ إنه شمولية وبدلية في مقام الامتثال لا في مقام الإطلاق والحكم إذ ينحل اللفظ والحكم إلى جميع أفراد البيوع مثلاً أو أن الحكم واللفظ بدلي كما في اعتق رقبة.

[1] () وكذلك إذا قال لا نشرب خمراً، فيمكن أن نقول بوجود مناسبة عرفية وهي غلبة إنحلالية المفسدة لكل كذب ولكل شرب خمر .

[2] حكاه السيد الشهيد في بحوث في علم الأصول 3: 428, راجع أجود التقريرات 1: 392.

[3] البقرة: 275.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo