< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/06/04

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: حجية العام المخصص في الباقي

مستند القاعدة:

 استدل على وجوب الفحص بمعنى عدم حجية العام قبل الفحص بأمور:

الأول: ما ذكره المحقق العراقي ([1] ) والسيد الخوئي من التمسك بإخبار وجوب التعلم والتفقه في الدين كقوله تعالى «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»[2] وكخبر مسعدة بن زياد قال: سمعت جعفر بن محمد عليهما السلام وقد سئل عن قوله تعالى : « فلله الحجة البالغة» فقال: «إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: عبدي أكنت عالما؟ فإن قال: نعم، قال له: أفلا عملت بما علمت وإن قال: كنت جاهلا، قال له : أفلا تعلمت حتى تعمل؟»[3]

 وتوضيح الاستدلال بهذه الأخبار باعتبار أن المقصود عدم جواز أن يجلس المكلف في بيته ويترك تعلم الأحكام الشرعية بطرقها المتعارفة العقلائية, فالتعلم يشمل الظفر بالعموم والبحث عن مخصصه والظفر بالإطلاق والبحث عن مقيده والظفر بالظهور والبحث عن معارضه.

وقد نوقش: بأنّ هذا الاستدلال لم يثبت وجوب الفحص بمعنى عدم حجية العام قبله. فلابد لنا لتتميم الاستدلال من إثبات أن الطرق المتعارفة العقلائية قائمة على عدم العمل بالعمومات قبل الفحص عن مخصصاتها في الموارد المحتمل فيها وجود المخصصات, وإذا ثبت أن الطرق العقلائية ولو في ما نحن فيه قائمة على عدم العمل بالعمومات قبل الفحص عن المخصصات في مضانها كان هذا هو الدليل ولا نحتاج إلى إخبار وجوب التعلم والتفقه في الدين.

أقول: أن هذا الدليل يمكن أن يكون دليلاً مستقلاً غير السيرة العقلائية الدالة على عدم جواز العمل بالعمومات قبل الفحص عن المخصصات.

وذلك: فإنها تقول بوجوب تعلم أحكام الدين من دون ضم الطرق العقلائية والمتعارفة، وإذا جاء عام واحتملنا وجود مخصص له، أو جاءنا مطلق واحتملنا وجود مقيّد له فحينئذٍ يكون العمل به ليس من الدين فالعموم بعمومه قبل الفحص لا يعلم أنّه من الدين, لأنه ليس هو الدين فلابد من الفحص للوصول إلى الدين، فان يئسنا من الظفر بالمخصص تبين أن العام هو دين فيعمل به, إذن لابد من الفحص لمعرفة الدين عند احتمال وجود مخصص, فهذا دليل مستقل غير السيرة العقلائية.

الثاني: يدعى أن السيرة العقلائية قائمة على ان حجية العمومات التي تكون في معرض التخصيص, وكذا المطلقات في معرض التقييد و..., لا يجوز العمل بها إلا بعد الفحص عن المخصصات وعدم الظفر بها. حيث ان معرضية العمومات للتخصيص يمنع عقلائيا عن حجية العموم من دون فحص ([4] ).

وأورد على هذا الاستدلال الشهيد الصدر ما حاصله: إنّ ما ثبت من أن الرواة المباشرين للأئمة (عليهم السلام) والذين هم بعرض واحد لم يكن الفحص عن المخصصات للعمومات التي بين أيديهم موجوداً فإنّهم كانوا يعملون بالظواهر والعمومات والاطلاقات من دون رجوع إلى قرنائه من الرواة, وإلا لا نعكس ذلك إلينا خصوصاً إذا كانت السيرة العقلائية على الفحص عن المخصِص موجودة بينهم، لأن هذا يوجب التباحث والتبادل فيما بينهم لما هو موجود من أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)، وهذا يقطع بعدمه فيُستكشف منه عدم وجوب الفحص عليهم حتى مع معرضية العام للتخصيص، وهذا يُبطل الدليل على وجوب الفحص عن مخصص العمومات على الجميع بدليل السيرة العقلائية ([5] ).

أقول: و يمكن الجواب على هذا الإيراد، بأن السيرة المدعاة مخصوصة لمن يحتمل أن العموم في معرض التخصيص وهذا يكون بالنسبة لنا نحن الذين نحتمل أن العمومات التي ذكرها الأئمة (عليهم السلام) لرواتهم المباشرين قد خصصت من قبل الأئمة (عليهم السلام) المتأخرين عنهم (لطريقة الشارع في إلقاء أحكامه للناس) أما الرواة المباشرين لكل إمام فلم يحتملوا وجود مخصص لتلك العمومات لأنّهم كانوا يسألون الإمام بنفسه, فكانت وظيفتهم الفعلية هو العمل بالعام الحجة ولو لمصلحة الثانوية, بل إنّهم لم يكونوا حينئذ يحتملوا التخصيص أصلاً, نعم الرواة المتأخرين لو أخذوا من المتقدمين كأن يأخذ الراوي عن الامام الصادق من راو عن أمير المؤمنين (عليهما السلام) فإنّه يحتمل التخصيص حينئذ فيجب عليه الفحص, ونحن المتأخرون عن زمن الأئمة يجب علينا الفحص كذلك لاحتمال وجود مخصصات في كتب روائية.

إذن تم الدليل على وجوب الفحص عن مخصصات العمومات إذا كانت العمومات في معرض التخصيص للسيرة العقلائية الحاصلة لمن احتمل التخصيص (لا مطلقاً).

الثالث: ما ذكره الشيخ المضفر من نقل عدم الخلاف بل الإجماع على عدم جواز العمل بالعام قبل الفحص واليأس عن المخصِص ([6] ).

[1] () مقالات الأصول ج 1: 154.

[2] النحل: 43.

[3] امالي الشيخ المفيد: 228.

[4] () راجع بحوث في علم الأصول 3: 364 365.

[5] () ونص عبارته « إِلاَّ انَّ الفحص و البحث فيما بين الرّواة المباشرين و الذين هم في عرض واحد لم يكن موجوداً و إِلاَّ لانعكس ذلك و ألفت الأنظار و لاستوجب نشوء حركة الاستنساخ و التبادل و التباحث فيما بينهم، و هذا مما يقطع بعدمه عادة مما يكشف عن عدم وجوب الفحص عليهم على الأقل فربما يجعل ذلك دليلاً على عدم وجوب الفحص حتى مع المعرضية للتخصيص على الأقل بالنسبة لهم الذين كانوا مشافهين بالعمومات أو كانت الخطابات قطعية الصدور في حقهم‌» راجع بحوث في علم الأصول 3: 365.

[6] () أصول الفقه 1: 155.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo