< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/05/22

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: حجية العام المخصص في الباقي

 تقدم أنّ من ذهب إلى عدم حجية العام في الباقي استدل بأمور كلها باطلة فمن مناشئ عدم حجية العام المخصِص في الباقي دعوى كون العام في صورة تخصيصه بمخصص متصل أو منفصل يكون مجازاً في الباقي لكون أداة العموم استعملت في غير ما وضع له.

ولكن للجواب على هذه الدعوى نقول:

 1ـ إن التخصيص بالمتصل (كما في قولنا أكرم كل عالم إلا الفاسقين) لم تستعمل أداة العموم إلا في معناها وهي الشمول لجميع أفراد مدخولها، فلا مجازية في استعمال أداة العموم ولا في مدخولها غاية الأمر: أن مدخولها قد يدل عليه لفظ واحد مثل (أكرم كل عادل)، وقد يدل عليه أكثر من لفظ واحد (كما في صورة التخصيص ـ أكرم كل عالم إلّا الفاسقين) فيكون التخصيص معناه أن مدخول (كل) ليس هو العالم فقط بل خصوص العالم العادل، فكل استعملت في معناها فهي تدل على الشمول لكل عالم عادل ولذا لا يصح في جملة التخصيص أن يوضع مكان كل (بعض) فلا يصح أن يقال: أكرم بعض العلماء إلا الفاسقين وذلك لعدم صحة الاستثناء حينئذٍ.

 ولا معنى للقول: بأن المجاز ليس في أداة العموم بل في مدخول (كل), وذلك لأن مدخول (كل) وهو عالم في المثال موضوع لنفس الطبيعة من حيث هي (لا الطبيعة بجميع أفرادها أو بعضها), نعم إرادة جميع الأفراد أو بعضها يستفاد من كلمة أخرى ككل أو بعض، فإن أريد الجميع استفيد من كل وإن أريد البعض أستفيد من البعض وحينئذٍ إذا قيد مدخول (كل) وهو: العالم وأريد منه العالم المقيد بالعدالة، فهو لم يكن مستعملاً إلا في معناه، وهو من له العلم فلا يكون مجازاً، وإرادة غير الفاسق من العلماء قد دل عليها القيد، فيكون القيد «العدالة» والمقيد «العالم» دالان على إرادة العالم العادل وهذا هو تعدد الدال والمدلول على القيد والمقيد وهذا ليس مجازاً كما هو واضح.

 وهذا الكلام كله يأتي بالمخصص المنفصل لأن المخصِص المنفصل هو عبارة عن جعل الخاص قرينة منفصلة على تقيّد مدخول «كل» بما عدا الخاص، فحينئذٍ لا تصرّف في أداة العموم ولا في مدخولها ويكون أيضاً من باب تعدد الدال والمدلول.

 ومما يؤيد ما ذكرناه أمور:

 أ) ـ تبادر كل الباقي من العام المخصِص وظهوره فيه كظهوره في الكل قبل التخصيص، فان المدار في المحاوارات على إيراد العمومات المخصصة من دون نصب قرينة أخرى غير التخصيص ولا يتوقف المخاطب في الحكم بالمراد حينئذٍ ولا يحكم بأجمال كلام المتكلم بل لا يخطر بباله غير إرادة كل الباقي ([1] ).

 ب) ـ إذا قال أكرم كل بني تميم وإما فلان فلا تكرمه، فَتَركَ إكرام غير المخرَج عدَّ عاصياً ولو لا الظهور في الباقي لما عدّ التارك عاصياً ([2] ).

 ج) ـ استدلال العلماء قديماً و حديثاً بالعامات المخصوصة في جميع الباقي من غير نكير، و قد قيل ما من عام إلا وقد خص ([3] ).

 وإنمّا قلنا أنّ هذه مؤيدات وليست بأدلة لما فيها من المناقشات.

 2ـ ان من قال بأن أداة العموم موضوعة للدلالة على سعة مدخولها لجميع أفراده، فلو أريد من المدخول بعض أفراده فقد استعملت أداة العموم في غير ما وضعت له فيكون الاستعمال مجازاً، وحينئذٍ يكون استعمال العام في تمام الباقي مجازاً واستعمال العام في بعض الباقي مجازاً آخر أيضاً، ولكن يمكن لمن قال بهذه المقالة أن يقول: إن المجازين ليسا متساويين لأن المجاز الأول أقرب إلى الحقيقة فيكون العام ظاهراً فيه فدل العام على كونه حجة في تمام الباقي. نعم من قال ان المجازين متساويان فلا ظهور في أحدهما في الباقي فلا حجة في ظهور العام في الباقي.

 إذن ليس كل من قال بالمجازية لم يقل بحجيّة العام في الباقي كما توهم ([4] ).

 هذا كله فيما إذا كان المخصص معلوم المدلول لا مشكوك المدلول ولا مردداً بين المتباينين وإلّا فيكون لكل منهما حكم آخر يأتي بيانه فيما بعد.

التطبيقات:

 يوجد هنا نصان:

 1ـ عام: وهو يجوز الاستنجاء بكل جسم طاهر قالع للنجاسة (حجراً أو غيره).

 2ـ خاص: لا يجوز الاستنجاء بصيقل يزلق عن النجاسة.

 فهل العام حجة في الباقي وهو ما يقلع النجاسة حتى وان كان صيقلاً؟.

 قال في الجواهر «قد حكى في الخلاف وعن الغنيه، أنه يكتفى (بالاستنجاء) بكل جسم طاهر قالع للنجاسة (سواء كان حجراً أو غيره ... ولا (يجوز الاستنجاء بـ) صيقل يزلق عن النجاسة لملاسته فلا يزيلها... أما لو اتفق القلع به فلم اعثر على ما يقتضي عدمه [فالحجر الصيقل القالع للنجاسة داخل تحت العام إذ هو ليس من الخاص فهو فرد آخر]، وما ذكروه من التعليل إنّما هو خاص بالأول ولذا صرح بعضهم بالاجتزاء به [فالحجر الصيقل القالع للنجاسة]، نعم عن العلامة في النهاية عدم الاجتزاء، وكأنه من الأفراد النادرة التي لا تشملها الأطلاقات، وفيه منع واضح...)([5] ).

 2ـ وردت الأدلة بشأن طهورية الماء وطهارته مثل قوله تعالى «وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا» وكل ماء في الأرض هو من السماء أو قال المولى كلّ ماء طاهر. وقد خصصت هذه الأدلة بروايات كثيرة تدل على نجاسة الماء فيما إذا تغيّر لونه أو طعمه أو رائحته مثل قول الإمام الصادق: (ان الماء طاهر لا ينجّسه إلا ما غير لونه أو طعمه أو رائحته)؟([6] ).

 فلو شككنا في طهارة الماء القليل أي ما دون الكرّ بعد ملاقاته للنجاسة وعدم تغيّر أوصافه بالنجاسة، فهل يمكن القول بطهارته استناداً إلى تلك الأدلة العامة بعد إحراز عدم اندراجه تحت الأدلة الخاصة؟ نعم، يمكن التمسك بالأدلة العامة ([7] ) (وان كانت هناك أدلة خاصة تنطق بنجاسة القليل بمجرد ملاقاته للنجس). إذن سيكون هذا مثالاً نظرياً غير عملي وغير مفيد.

 3ـ قال تعالى: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» المخصص بقوله: «وَحَرَّمَ الرِّبَا». فلو شك في وجوب الوفاء بعقد المعاطاة من ناحية عدم وجود إيجاب وقبول لفظي، فهنا يمكن التمسك بالآية لصحته ولزومه لأن العام حجة في الباقي.

[1] () الوافية: 117- 118.

[2] () الوافية: 117- 118.

[3] () الوافية: 117- 118.

[4] () أصول الفقه/ للمظفر/ 1- 2 ، 146 ـ 147.

[5] () جواهر الكلام 2: 39 53.

[6] () راجع أصول المظفر 1- 2، 146.

[7] () راجع أصول المظفر 1- 2، 146.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo