< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/05/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: حجية العام المخصص في الباقي

أما المشكلتان الحاصلتان من جملة العام وجملة المخصص:

الأولى: لماذا يقدم ظهور الخاص على العام؟ مع أنّ كل ظهور مشمول لدليل حجيته فكما أنّ ظهور العام حجة فكذلك ظهور الخاص حجة, وكما يمكن التصرف في العام بإرادة الخصوص منه كذلك يمكن العكس بأن نتصرف في ظهور الخاص فنقول بحمل الأمر في الخاص على الاستحباب، ففي مثل لا تكرم أي عالم وأكرم الفقيه يمكن أن نقول بأنّ إكرام الفقهاء محمول على الاستحباب, كما ورد في قوله ـ عليه السلام ـ :«ليس من البر الصيام في السفر»[1] ، وورد الأمر بصوم الأربعاء والخميس والجمعة في المدينة للحاجة, فهنا تصرفوا في ظهور الخاص فحملوا التخصيص على الاستحباب, ولكن لا إشكال في التخصيص وتقديم ظهور الخاص على العام. وهذه المشكلة يبحث عنها في تعارض الأدلة لمعرفة تقديم الخاص على العام (إما بالورود أو بالحكومة أو القرينة على ذلك).

الثانية: بعد الفراغ عن تخصيص العام، يتساءل عن وجه حجيّة العام في تمام الباقي مع أنه لم يَرِد المتكلم العموم في العام، ونسبة تمام الباقي إلى المعنى الحقيقي للفظ كنسبة أي مرتبة من مراتب الباقي إليه، فكلاهما مجاز, فلماذا يلتزم بحجية العام بعد التخصيص في تمام الباقي, فلو قال لا تكرم العلماء وقال أكرم الفقيه وفرضنا كون العلماء غير الفقهاء تسعين والفقهاء عشرة فبعد التخصيص يعلم أن المتكلم لم يرد العموم في العام لأنّه قد خصصه وعليه فتكون نسبة الثمانين إلى المعنى الحقيقي مثلاً كنسبة التسعين إليه إذ كلاهما يكونا مجاز فلماذا يجعل العام حجة في تمام الباقي أي التسعين؟!.

 والمناسب هنا هو البحث عن المشكلة الثانية (وهي وجه حجية العام المخصص في تمام الباقي مع تساوي نسبة العام إلى مراتبه الأخرى) نحن لا نقصد من هذه المشكلة إلا الجواب عن التشكيك في كبرى حجية العام في الباقي ليكون بحثاً عمليّاً منتجاً فقهيّاً ([2] ).

 مثلاً إذا قال المولى: كل ماء طاهر ثم استثنى من العموم بدليل متصل أو منفصل الماء المتغير بالنجاسة، ونحن احتملنا استثناء الماء القليل الملاقي للنجاسة بدون تغيير، فإذا قلنا: بأن العام بعد التخصيص حجة في الباقي فنحكم بطهارة الملاقي غير المتغيّر لكون العام حجة في الباقي وهذا لم يخرج عن عنوان العام، وإذا لم نقل بحجيته في الباقي يبقى هذا الاحتمال «أي احتمل استثناء الماء القليل الملاقي للنجاسة بدون تغيير » معلّقاً لا دليل عليه من العام فنلتمس له دليلاً آخر يقول بطهارته أو نجاسته.

والمشهور بين الأصحاب هو الحجية العام بعد التخصيص في الباقي مطلقاً ([3] ).

مستند القاعدة ودليلها:

1ـ الفهم العقلائي والعملي:

 فإن البحث هنا ليس لفظياً فالإرادة الجديّة «أو قل الدلالة التصديقية الثانية» ليست مستندة إلى الوضع بل هي مستندة إلى بناء العقلاء فإنّ من يريد إبراز مراده لا يلزم أن يكون جاداً في أبراز المراد, فقد يكون مراده الاستهزاء أو التقية أو غير ذلك وقد يكون جاداً فمن يريد إبراز مراده قد يكون جاداً وقد لا يكون جاداً, فإن لم ينصب قرينة تحمل على أنّ الإرادة الجدية على طبق الإرادة الاستعمالية المستفادة من الوضع, نعم نعدل عن التطابق بين الإرادتين حيث تقوم قرينة على تخالف الإرادتين وأن الإرادة الاستعمالية تخالفها الإرادة الجدية ولذلك نقول: إنّ البحث هنا ليس لفظياً إذ لا يبحث عن الإرادة الاستعمالية للمتكلم بل البحث في إرادته الجدية فيكون البحث منوطاً بفهم العقلاء فلا نعلم أنّ تكلمه هنا هل هو للجد أو الاستهزاء أو التقية أو غير ذلك والعقلاء يفهمون أنّ ظهور العام هنا انحلالي، فهم يرون حجية العام في الباقي «التسعين» (بعد التخصيص المتصل والمنفصل) في محاوراتهم واحتجاجاتهم، فيرون أن العبد ليس معذوراً بعدم امتثاله بقوله إن العام كان مخصصاً، بل يرون أن العام كان منحّلاً وقد خصص بالمخصص المتصل أو المنفصل فهو حجة في الباقي، ولذا قيل ما من عام إلا وقد خصّ.

 ثم إذا ثبت حجية العام في تمام الباقي عقلائياً وعملياً، فما هي نكتة ذلك بعد وضوح أن العقلاء ليست لهم قرارات تعبدية هنا، بل الحجية عندهم إنّما تكون بملاك الكاشفية والطريقية المتمثلة بالدلالات والظهورات.

فنقول: ان المخصِص للعام «أكرم الفقيه» هو من قبيل القرينة الصارفة عن إرادة العموم، فالعام له ظهور بدوي في العام يكون مراعى بانتهاء الكلام، فإن لحقه قرينة التخصيص قبل الانتهاء تبدل ظهور العام الأول وانعقد له ظهور آخر حسب دلالة المخصِص المتصل لوجود القرينة الكاشفة عن المراد الجدي، فيعلم أنّه لم يرد عدم إكرام المائة بل يريد عدم إكرام التسعين كما في المثال, وإن لم يلحقه ما يخصصه استقرّ ظهوره الابتدائي وانعقد على العموم، لعدم وجود قرينة كاشفة عن إرادة غير ظهور العام في عمومه. وكذا في المخصِص بالمنفصل، فان الكلام وإن كان قد انتهى بدون ورود ما يصلح للقرينة على التخصيص، فاستقر ظهور ابتدائي في العموم إلا أنه إذا ورد تخصيص منفصل فإنه يزاحم ظهور العام الأول فيقدم عليه من باب أنه قرينة عليه كاشفة عن المراد الجدّي, وعدم إرادة العام من العموم.

2ـ أن منشأ عدم حجية العام المخصِص في الباقي فاسد، فلم يبق إلا حجيّة العام في الباقي فإنّه لا يوجد في المقام إلّا قولان فإن انتقى أحدهما ثبت الآخر, و توضيح ذلك: لقد أدّعي بأن العام في صورة تخصيصه بمخصص متصل أو منفصل يكون مجازاً، وذلك لأن أداة العموم لما كانت موضوعة للدلالة على سعة مدخولها لجميع أفراده، فلو أريد منه بعضه «أي عدم إكرام التسعين» فقد استعملت أداة العموم في غير ما وضعت له، فيكون الاستعمال مجازاً، وحينئذٍ يكون استعمال العام في تمام الباقي بعد التخصيص مجازاً واستعماله في بعض الباقي مجازاً آخر أيضاً، فلا معين للأول على الثاني لأنهما متساويان فلا يكون ظهور للعام في تمام الباقي.

 ولكن للجواب على هذه الدعوى نقول: أنّه لا مجاز في الاستعمال لأنّ العام استعمل في عمومه فإنّ أداة العموم لم تستعمل إلّا في معناها وسيأتي توضيحه غداً إن شاء الله.

[1] وسائل الشيعة 10: 177، حديث 13151.

[2] () راجع البحوث في علم الأصول /3/261ـ263.

[3] () كفاية الأصول:255.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo