< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/05/06

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مفهوم الاستثناء ـ مفهوم الحصر.

مستثنيات القاعدة:

 إذا كان الاستثناء إرشاداً إلى وجود شرط أو جزء كما في قوله عليه السلام: «لا صلاة إلا بطهور»([1] )، «ولا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب»([2] 2)، فهو في صدد بيان أنّ الطهارة شرط في الصلاة، وأنّ الفاتحة جزء منها، وليس بصدد الإخبار عن العقد السلبي والإيجابي أصلاً، فحينئذٍ لا مفهوم لهذا الاستثناء, لأنّها استعملت في غير موضوعها, فهي لم تدل على عقد سلبي أو إيجابي فتكون الجملة حينئذ جملة شرطية, وقد تقدم عدم دلالة الجملة الشرطية على المفهوم, فهاتان الجملتان لا تدلان على المفهوم ولذا صحت الصلاة من فاقد الطهورين ولا معارضة بين «لا صلاة إلّا بطهور» مع «لا تدع الصلاة على حال»([3] 3), وكذا في مثل «لا صلاة لجار المسجد إلّا في مسجده»([4] 4), فإنّه ليس بصدد بيان نفي نوع الصلاة عن جار المسجد وليس حكم عدم الصلاة منحصراً بعدم المسجدية لصحة الصلاة في البيت وذلك لوجود قرينة مستفادة من الأخبار تدل على ذلك, فالجملة الاستثنائية لم تستعمل هنا في العقد الإيجابي ولا السلبي, وكذا مثل قولنا: (لا علم إلاّ بالعمل)، فإنّ معناه أنّ العلم المقرون بالعمل هو العلم حقيقة لا أنّ العمل علم أو كل عمل مقرون به علم, فلا تدل على العقد الإيجابي ولا السلبي فلا تدل على المفهوم.

قاعدة: مفهوم الحصر

توضيح القاعدة:

 إنّ الحصر هو القصر باصطلاح علماء البلاغة، وله أدوات كثيرة:

 منها: أداة الحصر بعد النفي، مثل: (ما جاءني القوم إلاّ زيد)، وهذه في الحقيقة هي جملة استثنائية سالبة وقد تقدم ثبوت المفهوم فيها.

 ومنها: القصر سواء كان من نوع قصر الصفة على الموصوف مثل: (لا بطل إلاّ عليّ)، أم من نوع قصر الموصوف على الصفة مثل: «وَمَا مُحمّدٌ إِلّا رَسُولٌ»([5] )، «إِنّمَا أَنتَ مُنذِرٌ»([6] )، فقد قصرنا الموصوف «محمد» على الصفة «الرسالة, والمنذرية» وقد جمع الاثنين ما ورد: (لا سيف إلاّ ذو الفقار، ولا فتى إلاّ علي) فقد قصر الموصوف «السيف» على الصفة «ذو الفقار» والصفة «الفتى» على الموصوف «علي»([7] ).

 ومن أدوات الحصر: (إنّما)، وقد وقع الكلام في كونها كلمة مركبة من (إن) و(ما) أو كلمة مستقلة وعلى كلّ فهي تستعمل في حصر الحكم في موضوع معيّن مثل: «إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»([8] ) دلّت بالملازمة البيّنة على انتفاء الولاية عن غير ذلك الموضوع.

 ومن أدوات الحصر: (بل) الإضرابية الدالّة على الردع وإبطال ما ثبت أولاً, مثل: «أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنّةٌ بَلْ جَاءَهُم بِالْحَقّ»([9] ), فتدلّ على الحصر وانتفاء مجيئه بغير الحق، ومثل: «وَقَالُوا اتّخَذَ الرّحْمنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مّكْرَمُونَ»([10] ).

 وقد ذكروا أنّ مفهوم الحصر أقوى من جميع المفاهيم الأخر المدّعاة في المقام.

مستند القاعدة:

 لا إشكال في أنّ كل جملة تدلّ على حصر نوع الحكم بموضوع تدلّ على المفهوم، أي عدم ثبوت نوع الحكم لغير الموضوع، ولكن من أين نعرف أنّ الحصر فيها هو حصر لنوع الحكم وإن علمنا أنّ الحصر يستبطن انتفاء الحكم المحصور «أي شخص الحكم» عن غير الموضوع المحصور به؟

 ولهذا لابدّ من إثبات أنّ المحصور هو نوع الحكم للموضوع.

 قد يقال: إنّ الحصر بنفسه قرينة على أن المحصور هو طبيعي الحكم لا حكم ذلك الموضوع بالخصوص، إذ لا معنى لحصره حينئذٍ؛ لأنّ حكم الموضوع الخاص مختص بموضوعه دائماً, ففائدة الحصر كون المحصور الطبيعة والسنخ لا شخص الحكم.

 وبعبارة أخرى: أنّ الجملة إذا ورد فيها أحد أدوات الحصر فهي بنفسها تدلّ على أن الحكم منحصر بالموضوع لدلالة أداة الحصر حسب الفرض, وإذا ثبت حصر الحكم بالموضوع، فإمّا أن يكون المنحصر شخص الحكم أو نوع الحكم، فلو قلنا: إنّ المحصور شخص الحكم «أي شخص الإنذار» لزم لغوية الحكم؛ إذ إنّ كل حكم ثابت لموضوعه ومنحصر به، فلابدّ أن يكون ظاهر الحصر هنا لفائدة أنّ المحصور هو سنخ الحكم لا شخصه، وبهذا يثبت كلا ركني المفهوم في الجملة الحصريّة.

التطبيقات:

 1ـ قال تعالى: «إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»([11] 1)، فقد حصر الولي بالله والرسول وعليّ ـ عليه السلام ـ الذي تصدّق بخاتمه على الفقير وهو في حال الصلاة، والحصر ظاهر لفائدة أنّ المحصور بـهؤلاء هو سنخ الولاية ونوعها فلا تثبت هذه الولاية لغيرهم.

 2ـ قال الإمام الصادق عليه السلام: «ليس لأحدٍ أن يصلي الصلاة إلاّ لوقتها... وكل فريضة إنّما تؤدّى إذا حلّت»(2[12] ) فحصر أداء الصلاة، وأداء الفريضة بوقتها يدلّ على عدم جواز أداء نوع الصلاة والفريضة في غير وقتها.

 3ـ روى هشام بن سالم عن الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ أنّه قال: «ما كلّف الله العباد إلاّ ما يطيقون، إنّما كلفهم في اليوم والليلة خمس صلوات، وكلّفهم من كل مائتي درهم خمسة دراهم، وكلّفهم صيام شهر في السنة، وكلّفهم حجّة واحدة وهم يطيقون أكثر من ذلك»(3[13] ).

 فنوع التكليف خصّ بما يطاق، وخصّت الصلوات الواجبة بالخمس، وخصّت زكاة المائتي درهم بخمسة دراهم، وخصّ الحج الواجب بواحدة, فإذا زال الموضوع زال شخص الحكم.

 4ـ قال تعالى: «إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ»([14] ) فقدّم المفعول الذي حقّه التأخير وهذه الهيئة تدلّ على الحصر، فيدلّ على حصر نوع العبادة بالله، وحصر نوع الاستعانة به، فلا عبادة لغير الله ولا استعانة إلاّ به.

الاستثناء من القاعدة:

 ما إذا ثبت بقرينة حالية أو مقالية أنّ الحصر إضافي بلحاظ بعض الجهات المقصودة بالنفي لا حقيقي، كما هو المتعيّن دائماً في حصر الموصوف على الصفة، كما في قولنا: (إنّما زيد عامل)، حيث لا يراد نفي كل صفة أخرى عنه؛ لما هو المعلوم من عدم خلوّه عن صفات أخرى كثيرة كالحياة والتكلم مثلاً، فنحن قد نفينا عن زيد ـ بقولنا المتقدم ـ خصوص بعض الصفات ممّا تقتضيه قرينة السياق كالعلم والغنى مثلاً, لكونه عامل والعامل عادة لا يكون عالماً وغنياً.

[1] () الوسائل 1: 366، أبواب الوضوء، ب1، ح6.

[2] (2) جامع الأصول 6: 223.

[3] (3) وسائل الشيعة 2: 373, حديث [2394].

[4] (4) وسائل الشيعة 5: 194, حديث [6310].

[5] () آل عمران: 144.

[6] () الرعد: 7.

[7] () الإرشاد 1: 84.

[8] () المائدة: 55.

[9] () المؤمنون: 70.

[10] () الأنبياء: 26

[11] (1) المائدة: (55).

[12] 2 () الوسائل 9: 305، أبواب المستحقين للزكاة، ب 51، ح2.

[13] 3 () الوسائل 1: 28، أبواب مقدمة العبادات، ب 1، ح37.

[14] () الفاتحة: 5.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo