< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/05/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مفهوم الاستثناء.

مستند القاعدة:

 1ـ ذكر الشيخ المظفر ـ رحمه الله ـ: «لا ينبغي الشك في دلالتها ـ الجملة الاستثنائية ـ على المفهوم، وهو انتفاء حكم المستثنى منه عن المستثنى؛ لأنّ (إلاّ) موضوعة للإخراج وهو الاستثناء، ولازم هذا الإخراج باللزوم البيّن بالمعنى الأخص أن يكون المستثنى محكوماً بنقيض حكم المستثنى منه»([1] ) فإلّا في أكرم العلماء إلّا الفساق, فالفساق محكوم بنقيض حكم المستثنى منه أي بنقيض الإكرام.

أقول: وهذا الكلام يثبت أمراً واحداً من العنصرين الذين اشترطنا وجودهما في تحقّق المفهوم، وهو انحصار الحكم بموضوعه خاصة فيكون علة الإكرام هو وجود العالم العادل، إلاّ أنّه لم يثبت أنّ المنحصر هو نوع الحكم وسنخه للموضوع وإن تغيّرت خصوصياته فإن كان مريضاً فهل يكرم أو لا؟ فهو ساكت عنه، وحينئذٍ يكون المستثنى محكوماً بنقيض حكم المستثنى منه الشخصي لا النوعي، وهذا ليس مفهوماً اصطلاحيّاً.

 2ـ قال المحقق العراقي: «ومن المفاهيم مفهوم الاستثناء فيما لو استثني بـ: (إلاّ) ونحوها، ولا ينبغي الإشكال في دلالته([2] ) على انحصار سنخ الحكم الثابت في القضية بالمستثنى منه، وخروج المستثنى من ذلك. ومن ذلك اشتهر بينهم بأنّ الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي، حتّى أنّه من شدّة وضوحه اشتبه على بعض فتوهّم أنّ الدلالة المزبورة كانت من جهة المنطوق. ولكنّه فاسد قطعاً من جهة أنّ القدر الذي تتكفّله القضية المنطوقية إنّما هو مجرد إثبات الحكم سلباً أو إيجاباً للمستثنى منه، وأمّا إثبات نقيض ذلك الحكم الثابت للمستثنى فهو إنّما يكون بالمفهوم من جهة كونه من لوازم انحصار سنخ الحكم بالمستثنى منه»([3] ).

 وهذا كلام صحيح في الاستثناء من الجملة السالبة فإنّ فيه كلى العنصرين المشترطين في تحقّق المفهوم أي حصر والتصاق نوع الحكم بموضوعه، وكون المنفي طبيعة الحكم وسنخه كما في قولنا: (لا يجب تصديق المخبر إلاّ الثقة)، فإنّ نفي الطبيعة في المستثنى منه لا يكون إلاّ بانتفاء تمام حصصها، فالمنفي سنخ التصديق للمخبر غير الثقة. فإذا كانت الجملة الاستثنائية تدلّ على الحصر بالوضع في المستثنى منه صارت جملة المستثنى منه دالة على حصر الحكم بالموضوع أولاً وأنّ هذا الحكم هو نوع الحكم ثانياً، فيثبت عكس ذلك لجملة المستثنى فيجب تصديق المخبر الثقة إذا أخبرك دائماً سواء كان مسلماً أو كافراً شيعياً أو سنيّاً شيخاً أو شاباً و...، فهنا التصاق عدم التصديق بالمخبر غير الثقة, وأنّ نوع عدم التصديق هو لخبر غير الثقة فنفى نوع الحكم وهذا هو معنى المفهوم.

 وأمّا الاستثناء في الجملة الموجبة كما إذا قلنا: (أكرم العلماء إلاّ الفسّاق منهم)، فإنّ الاستثناء اقتطع قسم من وجوب إكرام العلماء أي الفساق فهم لا يكرمون، فهنا حصرٌ بين العالم العادل وغيره إذ غير العادل لا يكرم، فالتصاق الحكم بالموضوع موجود في الاستثناء الموجب إلّا أنّ الكلام في تحقّق الشرط الثاني أي كون الحكم في المستثنى منه هو نوع الحكم وسنخه، فهذا لا يمكن إثباته بالإطلاق؛ لأنّ الإطلاق يدلّ على ثبوت شخص الحكم في الحالات المختلفة لا نوع الحكم. وحينئذٍ يبقى المستثنى دالاً على نقيض حكم المستثنى منه وهو شخص الحكم، وهذا ليس مفهوماً اصطلاحيّاً.

التطبيقات:

 1ـ قال تعالى: «وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إِلّا لِبُعُولَتِهِنّ أَوْ آبَائِهِنّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنّ...»([4] )، فالاستثناء دلّ على حصر عدم إبداء نوع الزينة ـ جميع أفراد طبيعة الزينة ـ للناس، وحينئذٍ يكون المستثنى محكوماً بعكس حكم المستثنى منه، وهو جواز إبداء نوع الزينة لمن ذكرتهم الآية, وبعبارة أخرى إنّ علة الحرمة هو أبداء الزينة للناس أو قل هو ارتباط بين الحرمة وبين إبداء الزينة للناس, فحصر الحرمة مع أبداء الزينة, وكون المحرم هو نوع إبداء الزينة للناس وسنخه فيثبت العكس للبعل والأب أي جواز أبداء نوع الزينة للبعل والأب و... .

 2ـ روى زرارة عن الإمام الباقر ـ عليه السلام ـ أنّه قال: «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة: الطهور، والوقت، والقبلة، الركوع، والسجود»([5] )، فلا تعاد الصلاة مطلقاً لخلل واقع فيها من غير الخمسة المذكورة, فيثبت عكسه في المستثنى أي وجوب إعادة الصلاة من جهة الخلل الواقع فيها من الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود.

 3ـ روى هشام بن سالم عن الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ أنّه قال: «ما كلّف الله العباد إلاّ ما يطيقون»([6] )، فقد حصر الحديث نوع التكليف بالإطاقة، حيث نفى نوع التكليف للعباد بدون الإطاقة, فهنا علة نفي التكليف هو عدم الإطاقة وكون المنفي نوع التكليف, ومعه يثبت المفهوم, أي نوع التكليف مع الإطاقه, فكلّف الله العباد بما يطيقون.

 4ـ أن التوحيد المعتبر في الإسلام هو عبارة عن إثبات الإلوهية لله تعالى فعلاً ونفيها ـ نفي سنخها ـ عن غيره، وهذا المعنى دلّت عليه كلمة الإخلاص، وهي (لا إله إلاّ الله)، فهي دلّت على حصر الإلوهية بالله ونفي نوع الإلوهية وسنخها عن غير الله تعالى فغير الله كائن من كان لا تكون له الإلوهية, ومن الواضح لولا دلالة الاستثناء على ذلك وضعاً لم تدلّ على التوحيد، ولهذا أكدت كلمة الإخلاص الدالة على التوحيد بقولنا: (وحده لا شريك له).

 5ـ قال تعالى: «وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النّسَاءِ إِلّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً»([7] )، فقد نفى نوع الحكم مع حصر الحكم بالموضوع، أي حرّم نكاح زوجة الأب ونفى طبيعة نكاح زوجة الأب، فقد تمّ كلا ركني المفهوم ـ الحصر ونفي الطبيعة ـ وحينئذٍ تكون جملة الاستثناء ـ وهو ما قد سلف ـ غير محرّم.

 6ـ قال تعالى: «يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِنْكُمْ»([8] )، فقد نفى نوع أكل الأموال بالباطل مع الحصر، أي مع كون علّة الحرمة هي الأكل بالباطل، فيدلّ على أنّ المستثنى ـ وهو نوع التجارة عن تراضٍ ـ ليس محرماً.

[1] () أصول الفقه للمظفر 1ـ 2: 127.

[2] () دلالة الاستثناء على الحصر بالوضع، فالاستثناء يدلّ على أنّ الحكم منحصر في المستثنى منه، فإذا ثبت أنّ المستثنى منه هو نوع الحكم، فيثبت في الاستثناء عكس حكم المستثنى منه وهو المفهوم.

[3] () راجع: نهاية الأفكار 1: 501.

[4] () النور: 31.

[5] () الوسائل 6: 91، أبواب القراءة في الصلاة، ب29، ح5.

[6] () الوسائل1: 28، أبواب مقدمة العبادات، ب1، ح37.

[7] () النساء: 22.

[8] () النساء: 29.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo