< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/04/29

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: مفهوم الغاية.

 تطبيقات القاعدة:

 1ـ قال تعالى: «وَأَتِمّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَةَ للّهِ‌ِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي وَلاَ تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتّى‌ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلّهُ»([1] ). فإن لم يبلغ الهدي محلّه فلا يجوز الحلق، فالمفهوم هنا يفيد نفي شخص الحكم خاصة, فبلوغ الهدي محله هو علّة منحصرة للحلق، ولكن لم يثبت أنّ سنخ جواز الحلق معلّق على هذه العلّة، فقد يجوز الحلق فيما إذا اشترط المحرم على الله أن يحلّ إحرامه حيث حبس، فهو محصور ولم يبلغ الهدي محلة فهذه علة تامة غير بلوغ الهدي محله, أو يجوز الحلق إذا واعد جماعته وقتاً لحلّه يظن أنّهم يبلغون محل الهدي، فيجوز له الحلق وصل الهدي إلى محلّه أو لا, فثبت أنّ سنخ جواز الحلق له ثلاث علل, لا علة واحدة منحصرة أعني بلوغ الهدي محلة, وهذه الأمور الجائزة حينما نظفر بها لا يتشكل عندنا تعارض بينها وبين ما تقدم من قوله تعالى: «وَلاَ تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتّى‌ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلّهُ»، وما ذاك إلاّ لأنّه لم يعلم ارتفاع سنخ الحكم عند عدم بلوغ الهدي محلّه, فلا مفهوماً للغاية.

 2ـ قال تعالى: «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى‌ يَتَبَيّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمّ أَتِمّوا الصّيَامَ إِلَى اللّيْلِ» ([2] )، فجواز الأكل والشرب مغيّى بطلوع الفجر الصادق، فثبت أنّ علّة جواز الأكل والشرب ـ الحكم ـ هو عدم تبيّن الفجر الصادق، فيجوز الأكل ما لم يتبين الفجر الصادق, إلاّ أنّه لم يثبت أنّ سنخ الحكم ـ وهو جواز الأكل والشرب ـ معلّق على هذه العلّة؛ بحيث إذا طلع الفجر فلا يكون هناك أكل وشرب أبداً, إذ يحتمل أنّ الأكل والشرب جائز في شهر رمضان؛ لكون المكلف مريضاً أو مسافراً أو شيخاً، فلو قال المولى: كل واشرب حتى يتبيّن الفجر الصادق، ثم قال: كل واشرب حتى تعود لك صحتك ويرتفع مرضك، لم يكن ذلك تعارضاً وتنافياً.

 وفي قوله تعالى: «ثُمّ أَتِمّوا الصّيَامَ إِلَى اللّيْلِ» تطبيق لما نحن فيه أيضاً؛ إذ الحكم ـ وهو وجوب إتمام الصوم ـ له علّة واحدة منحصرة وهي عدم وجود الليل، ولكن لم يثبت أنّ سنخ وجوب الصوم هو عدم الليل، فلا يكون هناك صوماً بعد الليل أبداً, فقد يجب الصوم حتى في الليل، فلو قال المولى: صم إلى الليل، ثم قال المولى لمريض يحتاج إلى تحليل الدم وخلو معدته من الطعام تماماً، قال له: صم أربع وعشرين ساعة، الشامل للصوم حتى في الليل، لم يكن هذا تعارضاً، وما ذاك إلاّ لأنّه لم يستفد من قوله: (صم إلى الليل) أنّ المرتفع عند الليل هو سنخ الصوم (الحكم), بل المرتفع خصوص شخص الحكم.

 3ـ ما رواه عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام: أنّه قال: «كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه»(1[3] ). فمعرفة الحرام علّة منحصرة لزوال الحلّية، إلاّ أنّه لم يثبت أنّ هذه العلّة هي العلّة لسنخ الحكم ونوعه , وبمعنى آخر لم يثبت أنّ معرفة الحرام هو علة منحصرة لزوال الحلية, فقد تزول الحليّة ولو لم يعرف الحرام، كما إذا أمر الشارع بالاحتياط في الدماء والفروج والأموال، أو كما إذا صار عندنا علم إجمالي بوجود حرام في شبهة محصورة، فلا نعرف الحرام بعينه ومع هذا زالت الحليّة لوجود العلم الإجمالي بوجود النجاسة, فمعرفة الحرام هو علة لزوال الحلية أي شخصها لا سنخها, ولذا فلا نجد تعارض بين هذه الجمل, وما ذاك إلّا لعدم وجود مفهوم للغاية.

قاعدة: لا دلالة للقب على المفهوم

الألفاظ الأخرى للقاعدة

مفهوم اللقب.

عدم المفهوم للّقب.

 توضيح القاعدة:

 إنّ المقصود باللّقب: كل ما يعبر عن الشيء ـ سواءٌ كان اسماً مشتقاً أم جامداً ـ الذي وقع موضوعاً للحكم، كالفقير في قولهم: (أطعم الفقير)، وكالسارق في قوله تعالى: «وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا»(1[4] ), فالوصف إن صار موضوعاً كان مفهوم اللقب، أو كنية نحو أبي ذر، أو ابن أبي عمير، أو لقباً اصطلاحياً كالنوفلي والسكوني.

 والكلام هنا: هو أنّ القضية التي ترتب الحكم فيها على اللّقب هل تدلّ على المفهوم بحيث يرتفع سنخ الحكم عند انتفاء اللقب أم لا؟

 والمشهور عند الأصوليين عدم المفهوم(2[5] ).

مستند القاعدة

 ومستند المشهور هو ما تقدم في مفهوم الوصف: من أنّ ثبوت حكم لموضوع خاص لا يدلّ على نفيه عن غيره، ضرورة أنّ ثبوت شيء لشيء لا يدلّ على نفيه عن غيره(3[6] ).

 وبعبارة أدق: أنّ كلا العنصرين اللذين لابدّ من توافرهما في مفهوم الجملة غير متوفرين هنا، فلا دلالة على أنّ علّة الحكم هو الموضوع الخاص، فلا تعليق في الجملة اللقبية أصلاً، كما لا دلالة على أنّ سنخ الحكم هو المعلّق على الموضوع حتّى ينتفي سنخ الحكم بانتفاء الموضوع, ففي قولك أكرم الفقير لم يثبت أن الفقر علة منحصرة للإطعام فضلاً عن كون الفقر علة منحصرة له.

 نعم، غاية ما تقتضيه الجملة اللقبيّة هو مجرد ثبوت شخص الحكم للموضوع، فلابدّ من الدلالة على المفهوم من قرائن تدلّ على أنّ الموضوع هو العلّة المنحصرة للحكم، وأنّ سنخ الحكم هو المعلّق على الموضوع. ولذا من الواضح أنّ قولك: (موسى رسول الله) لا يدلّ على أنّ محمداً ـ صلى الله عليه وآله ـ ليس برسول الله، وكذا قولك: (حاتم الطائي كريم) لا يدلّ على عدم كرم الإمام الحسن عليه السلام.

[1] (1) البقرة: 196.

[2] (2) البقرة: 187.

[3] (1) الوسائل 17: 88، أبواب مما يكتسب به، ب4، ح1.

[4] (1) المائدة: 38.

[5] (2) راجع: مطارح الأنظار 190ـ 191.

[6] (3) راجع: مطارح الأنظار 190ـ 191.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo