< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/03/19

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: دفع المفسدة اولى من جلب المصلحة.

 قاعدة جديدة وهي قاعدة دفع المفسدة اولى من جلب المصلحة، أو يقال دفع المفسدة اولى من جلب المنفعة، وهذه القاعدة مبتنية على حصول التزاحم في الخارج فاذا حصل تزاحم بين واجب وحرام بان كان في فعل مصلحة ملزمة وفي فعل آخر مفسدة ملزمة ولم يتمكن المكلف من امتثالهما فهنا حصل التزاحم فيقال بترجيح جانب الحرام على جانب الواجب لان دفع المفسدة اولى من جلب المصلحة، ومن الواضح عدم شمول هذه القاعدة للفعل الواحد الذي تطابق عليه عنوانان

 فالقاعدة وان كانت في التزاحم لكن التزاحم له موردان:

احدهما: ان يكون فعل واجب كانقاذ الغريق وفعل حرام كالتصرف في الارض المغصوبة فهنا لايمكن امتثالهما معا فقالوا بتقديم جانب الحرام.

الثاني: من موارد التزاحم ما اذا تطابق عنوانان على مصداق خارجي واحد كالصلاة في الارض المغصوبة فهنا تزاحم بناء على من قال بجواز اجتماع الامر والنهي، فهنا ياتي بهما معا اذا قلنا بجواز الاجتماع فيكون عاصيا وممتثلا ولكن بناء على الامتناع ووحدة المجمع فيقع التعارض، اذا هذه المسالة التي نحن فيها وهي تقديم المفسدة او عنوانها دفع المفسدة اولى من جلب المصلحة لايكون فيما نحن فيه وهو اجتماع الامر والنهي على مورد واحد وانما موردها فقط ما اذا كان فعل واجب وفعل حرام ولم نتمكن من امتثالهما معا للتزاحم اما في مورد اجتماع الامر والنهي على مورد واحد فلاتاتي هذه القاعدة،

 اذا فليس اجتماع الامر والنهي على مطبق واحد من موارد هذه القاعدة سواء قلنا بالاجتماع او قلنا بعدمه

 فمورد هذ القاعدة هو الامر بشيئ كانقاذ الغريق والنهي عن شيئ آخر وهو التصرف في الارض المغصوبة ولا تشمل موارد اجتماع الامر والنهي سواء قلنا بجواز الاجتماع او قلنا بعدمه، فان قلنا بعدمه فيكون تعارض وان قلنا بجواز اجتماع الامر والنهي فيكون ممتثلا وعاصيا، فهذه القاعدة موردها ما اذا كان الواجب في فعل والحرام في فعل اخر ولايتمكن المكلف من امتثالهما معا.

 وهذه القاعدة عكس ما يقال من ان الغاية الواجبة تبرر الواسطة المحرمة فهذه عكس تلك القاعدة.

 واما مستند هذه القاعدة، فالظاهر من كلمات من تعرض لها لوتمت، الظاهر وضوحها عند العقل لان محذور الوقوع في المفسدة والحرام اشد من محذور مصلحة الواجب، فالعقل يلزمنا بترك الفعل الذي فيه مفسدة ولو كان في تركه تفويت مصلحة فعل آخر وذلك لان ترك المفسدة اولى من جلب المصلحة.

وقد اشكل على ادلة هذه القاعدة باشكالات اربعة:

اولا: اشكل المحقق القمي (قده) بان هذه القاعدة ممنوعة على اطلاقها، فالامر دائر بين مفسدتين فان ترك الواجب مفسدة وكذا فعل الحرام ايضا مفسدة.

 وقد اجاب عنه السيد الخوئي فقال ان ترك الواجب ليس فيه مفسدة فان ترك الواجب هو ترك المصلحة، نعم فعل الحرام فيه مفسدة اما ترك الواجب فلامفسدة فيه، والاّ فلو كان في ترك الواجب مفسدة لكان اللازم انحلال كل حكم الى حكمين احدهما متعلق بالفعل والاخر حرمة ترك الانقاذ فكل حكم سينحل الى حكمين وهذا غير صحيح لان الحكم واحد.

ثانيا: من قال بان ترك الواجب مفسدته اقل من ترك الحرام وترك الحرام مفسدته اكثر من فعل الواجب؟ ويتفرع عليه الدليل العقلي بان ماهو مفسدته اكثر لاتاتي به وان لازم ترك الواجب لان الفائت اقل، فلادليل على موضوع حكم العقل الذي قالوه فانه ليس كذلك دائما ومعه فلايمكن وضع قاعده لان الحال يختلف من مورد الى مورد فقد نقدم الحرام في بعض الموارد كما انه قد يقدم جانب الوجب، فلا دليل يقول بان الواجب والحرام متى ما تزاحما فان جانب الحرمة يقدم بل الموارد تختلف.

ثالثا: ان هذه القاعدة تكون في دوران الامر بين المنفعة والمضرة الدنيوية، فالمنفعة ستون وفعلها يوجب زوال ثمانون فالعقل يقول لاتفعل المضرة، فهذه القاعدة صحيحة اذا دار الامر بين المنفعة والمضرة الدنيوية، وهذا اجنبي عن الاحكام الشرعية التابعة للمصالح والمفاسد فليست هي المنفعة الدنيوية، فكثير من الواجبات فيها مشقة دنيوية كاعطاء الخمس والزكاة والحج وكذا الجهاد فهذه مشقة دنيوية وكذا كثير من المحرمات فيها منفعة مالية كالغش والرشوة لكنها محرمة، فعندما نقول ان الحرام فيه مفسدة فليس المراد مضرة فملاك الاحكام الشرعية المصلحة والمفسدة لاالمنفعة والمضرة فالقاعدة تكون صحيحة في الامور الدنيوية فهنا يقول العقل لاتفعل المضرة.

 فهذه القاعدة لاتجري في الاحكام الشرعية التابعة للمصالح والمفاسد وانما تجري في المصلحة والمضرة الدنيويتين.

رابعا: نحن نقول ان الاحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد، نعم تابعة لكن الميزان هو الحكم الشرعي والوظيفة وليس الميزان فعل كل مصلحة وترك كل مفسدة، ولهذا لوعلم الانسان بالمصلحة في فعل شيئ والمفسدة في الترك فبدون ثبوت التكليف لايجب فعل مافيه مصلحة وترك ما فيه مفسدة، وعلى هذا فلايمكن ترجيح جانب الحرمة على الوجوب بل لابد من مرجحات وقواعد اخر لترجيح احدهما على الاخر في باب التزاحم ومع عدم المرجحات فنرجع للاصول العملية.

 صاحب الكفاية قوىّ الاشكال الثاني وهو عدم وجود دليل على هذه القاعدة، فقال: ان الاولوية في دفع المفسدة على جلب المصلحة ممنوعة حيث يكون العكس اولى ويشهد له مقايسة فعل بعض المحرمات مع ترك بعض الواجبات كما في مزاحمة الارض المغصوبة لانقاذ الغريق فهنا انقاذ الغريق يتقدم ولابد من الانقاذ والتصرف في الارض المغصوبة نعم الصلاة في الارض المغصوبة قد يقال اذا تزاحما ولم تكن هناك مندوحة بان الصلاة اهم كما في انقاذ الغريق اهم ومعه فيكون الواجب اهم، وكذا اذا دار الامر بين فعل الصلاة والنظر الى الاجنبية فتتقدم الصلاة وان كان في فعلها نظر الى الاجنبية، طبعا في بعض الاحيان يتقدم الحرام كما اذا تزاحم وجوب الحج مع حرمة ترك الابوين بلامعين فهنا قال العلماء يحرم تركهما والحج يسقط فهنا يتقدم الحرام في صورة التزاحم لان تركهما بلامعين فيه مفسدة، فعند التزاحم نقدم الاهم والاهم هنا يختلف.

تطبيقات هذه القاعدة

منها: مثال انقاذ الغريق في الارض المغصوبة فهنا الحرمة تزول لو قدمنا الواجب على الحرام فهذا المثال عكس عنوان القاعدة لان القاعدة تقول لاتغصب ولابد من ترك الانقاذ.

ومنها: اذا تزاحم الطواف الواجب مع ايذاء المؤمن في مرحلة امتثال الطواف، فلو قلنا بالقاعدة فلابد من ترك الطواف الواجب ولانؤذي المؤمنين واما اذا لم نقل بالقاعدة فلابد من تقديم الطواف الواجب وان ادى الى ايذاء المؤمن.

ومنها: ما اذا تزاحم احترام المؤمن واكرامه مع السرقة فاكرامه يؤدي الى السرقة واذا لم اسرق فلايمكن الاحترام، فالاهم يتقدم فلو كان اكرام المؤمن اهم فناخذ اموال اليتيم ونكرم بها المؤمن، اما لو كان اخذ اموال اليتيم اهم فلا ناخذ امواله ولا نكرم المؤمن.

 بعض العلماء قالوا ان من تطبيقات هذ القاعدة مسالة ترجيح جانب الحرمة على جانب الوجوب في مسالة اجتماع الامر والنهي وقد ناقش صاحب الكفاية هذا التطبيق باعتبار ان موضوع القاعدة كما قلنا هو امر بفعل ونهي عن فعل اخر ولا يمكن امتثالهما وليس موضوع القاعدة قد امر به ونهي عنه، فموضوع القاعدة هو اذا كان فعل فيه مفسدة ملزمة وفعل اخر فيه مصلحة ملزمة ولايمكن امتثالهما معا فيقع التزاحم بينهما، فيقال مثلا ان دفع المفسدة اولى من جلب المصلحة اما ما نحن فيه من اجتماع الامر والنهي فالامر والنهي على مصداق واحد فلا تاتي هذه القاعدة، وبه قال السيد الخوئي وقال ان اجتماع الامر والنهي على القول بالامتناع اما فيه مصلحة واما فيه مفسدة فان قلنا بتقديم الوجوب فلا مفسدة ولو قلنا بتقديم الحرمة فلا وجوب فلا تزاحم بين المصلحة والمفسدة في مورد اجتماع الامر والنهي على مورد واحد مع تقديم جانب النهي.

 فلا موضوع للقاعدة في مورد اجتماع الامر والنهي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo