< قائمة الدروس

الاستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/02/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مفاد النهي عبارة عن الزجر عن الطبيعة.

تقدم الكلام في قاعدة ان مفاد النهي عبارة عن الزجر عن الطبيعة، وليس كما قال صاحب الكفاية ان المطلوب في باب النواهي هو الترك، فقد استدللنا على ما ذهبنا اليه من ان النهي يدل على النهي عن الطبيعة:

الاول: الوجدان والتبادر العرفي.

الثاني: ما ذكره السيد الشهيد الصدر من ان الصيغتين الامر والنهي لو كان مفادهما التباين ان الامر طلب الفعل، والنهي الزجر والمنع وهو صحيح فلو كان مفادهما التباين لانحتاج الى شيئ وراء المعنى، اما اذا قلنا بان النهي هو طلب الترك فنحتاج الى شيئ اضافي وراء المعنى من النهي، فاذا اخذنا بنظر صاحب الكفاية نحتاج الى توسط عنصر غير المادة والهيئة وهو الترك وهو غير موجود في النهي.

الثالث: الظهور، فان الامر هو عبارة عن طلب الفعل لان الفعل فيه مصلحة، فعندما لا ناتي بالصلاة فلا ناتي بالمصلحة اما المنهي عنه ففيه مفسدة وترك المنهي عنه هو ترك للمفسدة لاالمصلحة، فباب الامر يختلف عن باب النهي.

نحن في بحثنا الاصولي نؤكد على شيئ وهو ان تكون القاعدة فيها ثمرة لاستنباط الحكم الشرعي، فأين الثمرة في هذا البحث حيث ان صاحب الكفاية ادخل النهي في باب الطلب ونحن قلنا ان بينهما تباين في المفهوم، فيمكن ان نقول ان الثمرة من القولين تظهر في النهي عن المنكر في الخارج، فعلى قول صاحب الكفاية يتحقق النهي عن المنكر بان تقول ( اطلب منك ان تنتهي عن بيع المنكر) فهو امر ، بينما على القول الثاني تقول( اطلب منك ترك بيع الخمر وترك الربا ) ولكن الفاعل للمنكر لا يجوز ان تخاطبه بهذا الخطاب اذا قلنا بالقول الثاني وهو ان النهي زجر وردع فلابد ان تقول له (امنعك) فهذه تعبيرات اسوء من (اطلب منك)، فتظهر الثمرة في التعامل مع الناس فعلى القول الاول يمكننا النهي عن المنكر (طلبنا منه)، وعلى القول الثاني (لايجوز واردعك)، والثمرة الثانية هي عندما يفتي المجتهد في النهي يقول يحرم شرب الخمر، ولكنه لا يقول اطلب منك ترك الغيبة او يجب ترك الحرام فلايعبّرون هكذا تعبيرات، ففتاوى الفقهاء بالنسبة الى ما نهي عنه نهيا تحريميا يكون بعبارة يحرم ولا يجوز، اما اذا كان هناك امر فيعبّر بتعبير يجب، فالنهي حرمة والامر وجوب.

الابحاث الاصولية بعضها تذكر ولا يذكر لها ثمرة عملية، مع ان هذا المورد له ثمرة عملية فكيف تنهى عن المنكر خارجا وكيف تعبّر في الفتوى فان العالم لابد ان تكون تعبيراته دقيقة، فتظهر هذه الثمرة في موردين وهما في النهي عن المنكر وفي الفتوى، ومن هذا يظهر بطلان كلام صاحب الكفاية فانه لا يقال يجب ترك الغيبة بل يقال تحرم الغيبة، نعم في مورد واحد يمكن التعبير بتعبيرين لوجود قرينة وهو في كفارات الاحرام ففي فعلها مفسدة وتركها مصلحة فلذا يقال تحرم هذه الامور ولاجل المصلحة يقال يجب فعلها، اذا ثبت ان تروك الاحرام في فعلها مفسدة وفي تركها مصلحة فهذا لاجل القرينة ولا تهافت في كلامنا، هذا غاية ما يمكن ان يقال في ثمرة هذا البحث.

قاعدة جديدة

(النهي حقيقة في الحرمة)

بعض يعبر مادة النهي ظاهرة في الحرمة، وبعض يعبر دلالة النهي على الحرمة، وبعض يعبر صيغة النهي ظاهرة في الحرمة، وصيغة النهي حقيقة في التحريم، فالنهي بمادته وهيئتة أي صيغته حقيقة في الحرمة.

وتوضيح هذه القاعدة يتوقف على بيان ان النهي له مادة وصيغة، والمادة هي النون والهاء والياء بأي صيغة من مشتقات (نهى) كقوله تعالى (وأخذهم الربا وقد نهوا عنه) كأنهاك و منهي و نهوا فهذه كلها صيغ للمادة بينما الصيغة مثل لاتفعل ولاتشرب و اياك ان تفعل، فالكلام هنا هو ان ماورد في الشريعة من النواهي بمادته او بصيغته فهل يدل على الحرمة أو لا؟، الجواب نعم لا يوجد خلاف في دلالة النهي عن الحرمة، لكن وقع الخلاف ان هذه الدلالة هل تكون بالوضع او بالاطلاق او بحكم العقل او بحكم العقلاء، كما تقدم هناك في ان الامر دال على الوجوب فكلهم يقولون ان الامر دال على الوجوب ولكن هل بالوضع او بالاطلاق او بحكم العقل او بحكم العقلاء الذي تفرد فيه السيد الخميني حيث قال: ان الامر يدل على الوجوب بحكم العقلاء، هنا ايضا نقول اتفق علمائنا على ان النهي حقيقة في الحرمة بمادته وصيغته ولكن اختلفوا في كيفة هذه الدلالة على اربعة اقوال: قول بالوضع وهو الذي نختاره، وقول بالاطلاق، وقول بحكم العقل، والقول الرابع الذي تفرد به السيد الخميني بحكم العقلاء، فالصحيح هو كما قلنا في مادة الامر من ان النهي يدل على الحرمة بالوضع فلذلك قال صاحب المعالم: النهي حقيقة في التحريم مجاز في غيره لانه المتبادر منه في العرف العام عند الاطلاق ولهذا يذم العبد على فعل ما نهاه المولى عنه والاصل عدم النقل، وقال السيد الصدر: تدخل الحرمة ضمن الصورة التي نتصور بها المعنى اللغوي لصيغة النهي عند سماعها فأنهاك يعني احرم عليك وهذه المادة والصيغة لا تفعل يعني يحرم والدليل على انها موضوعة لذلك هو التبادر، فلا اشكال في دلالة النهي على كون الحكم بدرجة التحريم ويثبت ذلك بالتبادر ومعنى ان النهي دال على الحرمة بالوضع لان التبادر علامة الحقيقة وان النهي موضوعه التحريم.

تطبيقات هذه المسألة

والمهم تطبيقات المسألة واستثنائاتها كما اذا كان النهي للارشاد الى بطلان المعاملة او بطلان الصلاة كما اذا قال لاتصلي فيما لا يؤكل لحمه فهذا نهي لا يدل على الحرمة بل يدل على البطلان، فالقاعدة منخرمة في استثنائاتها التي هي كثيرة.

اولا: قال تعالى (واخذهم الربا وقد نهوا عنه) دل على حرمة الربا وافتى العلماء بحرمة الربا من قوله (واخذهم الربا وقد نهوا عنه) فدل على حرمة الربا وانه من افعال اليهود، ففي جواهر الكلام، يقول: الفصل السابع في الربا المحرم كتابا وسنة واجماعا من المؤمنين بل المسلمين فما يأخذه من الغريم من رأس المال والزيادة حرام للنهي وكذا ما يعطيه، وعن مجمع البيان معنى ( احل الله البيع وحرم الربا) احل البيع الذي لاربا فيه وحرم البيع الذي فيه الربا، فيمكن كون النهي هنا كالنهي عن بيع الملامسة والمنابذه مما لا اشكال عندنا في اقتضائه الفساد.

ثانيا: (الم تر الى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه) دلت هذه الاية على حرمة النجوى فان اليهود والمنافقين كانوا يتناجون ويتغامزون باعينهم على المؤمنين وكان ذلك يؤلم المؤمنين فحرم النبي ذلك.

ثالثا: روى الشيخ الصدوق في الفقيه، قال: نهى رسول الله (صلى الله عليه واله) استقبال القبلة ببول او غائط، فنهى يعني حرّم ولذا الفتوى في الرسالة العملية هي حرمة استقبال القبلة بالبول والغائط، بعضهم يستشكل ان هذا النهي لم يكن للحرمة بل استفاد منه الكراهة فلذا يحتاط احتياط وجوبي اما المشهور فقال بالحرمة.

رابعا: ما رواه ابي سعيد الخدري، قال: نهي رسول الله عن صيام يومين يوم الفطر ويوم الاضحى ولذا افتى الفقهاء بحرمة صوم العيدين.

خامسا: قال تعالى (ياايها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى اولياء من دون المؤمنين) فالنهي ظاهر وحقيقة في الحرمة، وفي قوله تعالى (ياايها الذين آمنوا لاتدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستانسوا وتسلموا على اهلها) استفاد العلماء منه حرمة الدخول في بيوت المؤمنين من غير اذن فهو حرام.

سادسا: بالنسبة للاستقبال والاستدبار، التطبيقات كثيرة منها ما قاله الجواهر، يقول: فلا ينبغي الاشكال في حرمة الاستقبال والاستدبار لانه مشهوري وذهب الى الحرمة لم يتوقف فيها، وعن الغنية الاجماع عليه وهو الحجة مضافا الى اطلاق المرسل المروي في الكافي والتهذيب والفقيه بل في المقنع ايضا، روايته عن الامام الرضا (عليه السلام) قال سُئل ابو الحسن ما حد الغائط قال لا تستقبل القبلة ولا تستدبره ولا تستقبل الريح ولا تستدبرها فهذا استدلال بصيغة النهي على حرمة الاستقبال والاستدبار.

سابعا: وفي الفقية قال: نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عن استقبال القبلة بالبول او الغائط وهذا استدلال بالمادة، وفي آخر اذا اتى أحدكم الى الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره.

ثامنا: وفي خبر عيسى بن عبد الله الهاشمي عن ابيه عن جده (عليه السلام) قال، قال النبي (صلى الله عليه واله) اذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ولا تستقبل الريح ولا تستدبرها ولكن شرقوا او غربوا.

اذا هذا تطبيق ذكره صاحب الجواهر بمادة نهى النبي عن استقبال القبلة وبصيغة لا تستقبل وقد استدل صاحب الجواهر على الحرمة بهذه الروايات التي بعضها ضعيف وبعضها غير ضعيف ولكن هي طبق المشهور فهي حجة، فالنهي يدل على الحرمة.

تاسعا: وكذلك قوله تعالى: (ولا تقل لهما اف ولا تنهرهما) حيث دلت على حرمة قول اف للوالدين والتضجر منهما والفتوى عليها.

عاشرا: وكذلك ما روى عيسى بن عبد الله الهاشمي عن ابيه عن جده عن علي (عليه السلام) قال: قال النبي اذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها، فدلت على حرمة الاستقبال.

الاستثنائات من هذه القاعدة ولعلها اكثر من النواهي المولوية ونسميها النواهي الارشادية او النواهي التي دلت الادلى على كراهتها، هذه الموارد لعلها اكثر موارد النهي التحريمي، فالنهي قسمان المولوي وهو الذي تحت القاعدة والارشادي فهو لا يدل على الحرمة بل يدل على البطلان وشرطية ومانعية شيئ او اذا كان هناك شيئ يخرج النهي عن الحرمة وهو الجواز، فيجوز صريحة في الجواز والنهي الذي ظاهره الحرمة نحمله على الكراهة وهذه قرينة، فموارد الاستثناء وهو النهي ولا يدل على الحرمة وموارده كثيرة جدا ولعلها اكثر من القواعد فكل نهي بمادته وصيغته ظاهر في الحرمة الاّ النهي الارشادي الذي يرشد الى شرطية او مانعية او جزئة شيئ، والا فالنهي الذي جاء دليل آخر على المنهي عنه الذي جاء دليل اخر على جوازه فالجواز صريح في الحلية والنهي ظاهر في الحرمة فاذا جائت الصراحة في الجواز فهذه قرينة على حمل النهي على الكراهة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo