< قائمة الدروس

الاستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الاصول

32/02/04

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مفاد النهي عبارة عن الزجر عن الطبيعة.

بعد ان انتهى الكلام في قواعد الاوامر ندخل في قواعد النواهي، فاول قاعدة من قواعد النواهي هي قاعدة: مفاد النهي عبارة عن الزجر عن الطبيعة، او حقيقة النهي عبارة عن الزجر عن المتعلق، وهناك عنوان آخر يدل على وجود اختلاف في هذه القاعدة يقول المطلوب في باب النواهي هو الترك، اذا ليس النهي هو الزجر وانما يطلب الترك وطلب الترك ليس هو عبارة عن الزجر بل طلب الترك من باب طلب الامر والزجر باب اخر، فالمسألة خلافية، وفي توضيح القاعدة، نقول:

ان البحث في هذه القاعدة ليس بحثا لغويا لان معرفة مادة النهي وهيئته يمكن ان تطلب من كتب اللغة، الاّ ان الاصولي عندما يشاهد صيغة ومادّة الامر يرى ان معناها الطلب في الجميع، فعندما ينظر الى صيغة افعل يرى انها في جميع الموارد التي تستعمل الطلب ولكن عندما يشاهد مادّة النهي يرى ان معناها يختلف من صيغة الى اخرى، فلا تشرب الماء يعني اياك ان تشرب الماء فهذا ايضا نهي ولكن هناك بصيغة لا تشرب وهنا بصيغة اياك ان تشرب الماء، فالاصولي يريد ان يحلل واقع الفرق بين الامر والنهي ولذا عقدوا هذا البحث، فهو بحث تحليلي لمعرفة واقع الفرق بين الامر والنهي، ففي اللغة قال اهل اللغة ان نهاه ينهاه نهيا هو ضد امره فنهاه ضد امره في اللغة، ونهى الله عن الحرام اي حرّم، والنهي قالوا هو المنع وذكروا ان صيغة النهي تدل على النسبة الزجرية على المتعلق، لكن الاصولي يريد ان يتعمق في معرفة مدلول النهي مادة وصيغة حتى يخرج بتحليله النهائي عن واقع النهي والفرق بينه وبين الامر، لذا بعض الاصوليين كصاحب الكفاية ومن تقدمه من مشهوري القدماء ذهبوا في تعمقهم الى عدم وجود اي فرق من حيث الامر والنهي في دلالتهما على الطلب، لكن متعلق الطلب في الامر هو الوجوب ومتعلق الطلب في النهي هو العدم ، فالامر والنهي لا فرق بينهما من حيث دلالتهما، وقد ناقشهم بقيّة العلماء حيث قالوا بوجود فرق اساسي بين الامر والنهي في الدلالة، فعقد هذا البحث وهو بحث تحليلي لا لغوي لمعرفة حقيقة الفرق بين الامر والنهي فهل هما من باب واحد وهو الطلب او ان حقيقة النهي من باب وحقيقة الطلب من باب اخر.

نقول ان النهي مادة وصيغة، مادته نون وهاء وياء، وصيغته لا تفعل واياك ان تفعل وما شابههما، فهنا هذه المادة والصيغة هل تدل على طلب ترك الفعل كما ان الامر يطل على طلب الفعل، ام لا ان المادة والصيغة تدل على الزجر والمنع عن الفعل، فصاحب الكفاية ومشهور المتقدمين قالوا ان النهي بمادته وصيغته يدل على الطلب كالامر غير ان متعلق الطلب هو الوجود ومتعلق الطلب في النهي هو العدم، نعم هناك خلاف اخر ذكره صاحب الكفاية وهو ان متعلق الطلب الذي جاء من النهي هل هو الكف او مجرد الترك، صاحب الكفاية يقول الظاهر هو الترك.

اشكل على ان الامر والنهي مدلولهما واحد.

قال الامام الخميني (قده): يمتنع ثبوتا ان يكون متعلق الطلب هو العدم، وايضا مخالف للظواهر اثباتا، فمن ناحية الثبوت العدم ليس شيئ ولا يمكن ان يكون العدم ذا مصلحة لانه لا شيئ، فكيف يتعلق الطلب بالعدم، وما يتوهم من تعلق الطلب ببعض الأعدام وجدانا خطأ عند التحقيق، واثباتا يقول لاتشرب فاين الطلب، نعم قد يكون وجود الشيئ مبغوضا لفساد فيه فتنسب المحبوبية الى عدمه مجازا، فهذا اشكال للسيد الخميني (قده) على صاحب الكفاية، فادعى مشهور المحققين المتاخرين ان مدلول النهي مختلف تماما عن الامر بالذات فكل منهما يدل على معنى مغاير ومباين للاخر لا انهما كما قال صاحب الكفاية ومشهور المتقدمين تدلان معا على الطلب ويختلفان في المتعلق فهذا كلام باطل.

فقد قال السيد الخوئي وعلماء الاصول المتاخرين، ان الامر يدل على البعث نحو الطبيعة بينما النهي هو الزجر عن الطبيعة وهذا هو الصحيح، وما هو الدليل على هذا:

الوجدان والتبادر، فانهما قاضيان بان ما يفهم من صيغة افعل يختلف عما يفهم من صيغة لا تفعل اختلافا ذاتيا لا في المتعلق، واما مادة النهي فحقيقتها الزجر (انهاك) اي ازجرك عرفا ولغتا، فالصيغة تختلف اختلافا ذاتيا، ومادة النهي حقيقتها الزجر عن المتعلق، فالنهي هو الزجر الانشائي قبال الزجر الخارجي فالمبغض لشيئ يزجر عن فعله، فالنهي زجر انشائي فالمبغوض الذي هو في الخارج من قبيل الربا والزنا والغيبة فهذا المبغوض تارة ازجرك عن فعله بيدي وتاره النهي انشائي، بخلاف الامر فهو طلب الفعل انشائا، وهذا يقوله الوجدان والتبادر. السيد الشهيد الصدر(قده) قال ان النهي يختلف معناه عن الامر اختلافا ذاتيا فانه زجر وردع، ومحصل كلامه مع التوضيح: ان صيغتي الامر والنهي لو كان مفادهما التباين كما قاله مشهور المحققين الاصوليين المتاخرين كما هو الصحيح فلانحتاج الى افتراض شيئ وراء المعنى الحرفي للهيئة والمعنى الاسمي للمادة، فاذا قلنا ان مادة النهي وصيغة النهي تختلف ذاتا عن مادة الامر وصيغة الامر فمدلول (صلي) هو الارسال والتحريك او قل النسبة الارسالية، ومدلول (لاتصلي) مدلول انشائي، فيقول اذا قلنا ان النهي من باب الردع فلا طلب (لا تستغيب) فجعلت علم الاستغابة وهو الطبيعي في عنقك، في الامر آمرك اي اطلب منك(صلي) اي اجعل الصلاة في عهدتك فلابد من ان تاتي بها، واما اذا اخذنا بنظر القدماء وصاحب الكفاية فالامر والنهي كلاهما من باب واحد ونحتاج الى عنصر ثالث غير المادة والهيئة في مفاد النهي لانهم يقولون ان الطلب هو النسبة الارسالية ففي النهي هل يكون متعلق بالمادة فان قلنا ان الطلب في النهي (لا تشرب) يكون متعلق بترك المادة فهنا عنصر الترك لا هو مدلول للمادة وهي انهاك ولا هو مدلول للصيغة وهو لاتشرب، فمدلول المادة هو الطبيعة ولا تشرب يعني لا توجد طبيعة الشرب، وهذه الطبيعة لم يؤخذ فيها لا الوجود ولا العدم الاّ انها تصبح مرآة لما يوجد في الخارج من افرادها لا لتركها، وذلك عنصر الترك لا يمكن ان يكون مدلولا لهيئة لا تستغيب لان الهيئة معنى حرفي والترك معنى اسمي لابد ان يقع طرفا للنسبة ونحن لم نعهد في اللغة ان يكون ماله معنى حرفي دال على النسبة وطرفها معا وهو الترك.

فاذا قلنا كما قال صاحب الكفاية ان النهي متعلقه طلب الترك فالترك عنصر غريب على مادة النهي وصيغة النهي، واما اذا قلنا بما قاله المحققين المتأخرين فلا نحتاج الى شيئ خارج عن معنى مادة النهي وصيغة النهي.

عندنا شيئ ثالث، وهو: ان مادة النهي وهيئة النهي معناها الزجر والردع كما ذهب اليه المتاخرين من الاصوليين، فباب النهي غير باب الامر وهو ظهور ولا نحتاج الى الوجدان والتبادر فظهور باب الاوامر على ان الفعل فيه مصلحة من دون ان يكون الترك فيه مفسدة فالصلاة فيها مصلحة وتركها لا مفسدة فيه بل المصلحة زالت، لذا يكون مفاد الامر البعث بينما باب النواهي ليست من ابواب الطلب بل من باب الزجر لكون النهي المنهي عنه مبغوضا من دون ان يكون محبوبا، فترك الربا ترك للمبغوض ولا مصلحة فيه اصلا وفي باب النهي هناك مفسدة فعند ترك المبغوض لا يتحقق الاستحباب، نعم يوجد استثناء واحد وهو ان هناك ترك فيه مصلحة وهو تروك الاحرام وفيه امر يقول (واجبات تروك الاحرام) لان تركه فيه مصلحة فيكون الترك واجبا لكن هذا خلاف الظاهر ويحتاج الى قرينة، وهذا دليل ثالث على ان النهي معناه الزجر عن الطبيعة .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo