< قائمة الدروس

درس الاصول الاستاذ حسن الجواهري

جلسه 24

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: قاعدة الترتب.

كنّا نتكلم في تطبيقات مسألة الترتب في الكتب الفقهيّة، وذكرنا خمسة موارد .

المورد السادس: ماقاله المحقق النائيني، قال: لوفرضنا حرمة الاقامة على المسافر من أول الفجر الى الزوال، فلو عصى هذا الخطاب ولم يسافر، أي لو عصى حرمة الاقامة واقام، فلا اشكال انه يجب عليه الصوم، فالاقامة محرمة علية من أول الفجر الى الزوال ولكنه عصى فأقام، قال: فلا اشكال في أنه يجب عليه الصوم ويكون مخاطباً به، فانه يكون خطاب الصوم حينئذ مترتباً على عصيان خطاب الاقامة بلا توسيط شيئ، كترتبَ خطاب المهم على عصيان خطاب الأهم. وذكر هذا كتطبيق لمسألة الترتب.

نحن نقول شيئ: ان مسألتنا هي الأمر بشيئ والأمر بمهم والزمان لايكفي لهما معاً، فلو كان تعبير النائيني لو وجب السفر على إنسان يوم الجمعة قبل الظهر، فلو عصى هذا الخطاب واقام فيجب عليه الصوم، لكان اولى، بينما هو عبّر بتعبير لوفرض حرمة الاقامة، نحن نريد امر بالاهم وامر بالمهم فيترك الاهم فيتوجه الامر بالمهم ، فلو قال: لو وجب السفر على الانسان السفر يوم الجمعة قبل الظهر وكان اهم من الصوم فلو عصى الأهم واقام فيجب عليه الصوم، لكان هذا التعبير منطبقاً على مسألتنا مائة بالمائة.

المورد السابع: وقد ذكره النائيني، قال: لو فرض وجوب الاقامة على المسافر من أول الزوال، فيكون وجوب القصر عليه مترتباً على عصيان وجوب الاقامة، حيث انه لو عصى ولم يقصد الاقامة توجه عليه خطاب القصر.

وهذا التطبيق ذكره الميرزا النائيني وهو تطبيق صحيح.

المورد الثامن: وذكره الميرزا النائيني أيضاً، قال: ومن موارد الأمر الترتبي وجوب الخمس المترتب على عصيان خطاب أداء الدين، اذا لم يكن الدين من عام الربح.

يعني اذا كنت مقروضاً وعندك ارباح ولا تعطي الدين، فحينما لا تعطي الدين فلا بد ان تخمس الارباح، فلو عصيت اعطاء الدين فلابد من اعطاء الخمس.

المورد التاسع: ماذكره السيد الخوئي، قال: ان استطاعت الحج مفسرة في الاخبار بالزاد والراحلة أو ثمنهما، فاذا وجد شخص ثمنهما وكان مديناً بقدره، فيتزاحم وجوب اداء الدين مع وجوب الحج، وبما أن اداء الدين مقدم لاهميته لكونه حق الناس، فاذا لم يؤدي الدين عصياناً وجب عليه الحج حينئذ.

وهذا تطبيق مهم ذكره السيد الخوئي في كتابه الاصولي.

المورد العاشر: أيضا ذكره السيد الخوئي، قال: لا يجب الخمس في ارباح المكاسب اذا كان مديناً بقدر الارباح لوجوب صرفها في الدين الحال، فلو عصى وجب عليه الخمس.

وهذا نفس المثال الذي ذكره المحقق النائيني.

المورد الحادي عشر: أيضا للسيد الخوئي، قال: اذا وجب السفر بامر المولى، فعصى أمر السفر وبقي في بلاده وكان السفر واجبا حدوثاً وبقاءً، ودخل شهر رمضان فامر الصوم واتمام الصلاة لا يكون الاّ مترتباً على عصيان الأمر بالسفر حدوثا وبقاءً.

المورد الثاني عشر: أيضاً ذكره السيد الخوئي (قده)، يقول: ان الواجبين المتزاحمين اللذين يكون احدهما أهم من الثاني قد يكونان معاً آنيين، نظير غريقين أحدهما نبي والآخر مسلم، ففي مثله اذا ترك انقاذ النبي وأنقذ المسلم مثلا فبناء على الترتب وكون امر انقاذ المسلم مشروطاً بترك انقاذ النبي يكون عاصياً للأهم وممتثلا للمهم.

هذا أيضا ذكره في كتابه الاصولي.

تطبيقات اخرى

هناك امثله اعتبرها البعض تطبيقات، والبعض لم يعتبرها تطبيقات، ونحن نعتبرها تطبيقات لمسألة الترتب.

التطبيق الأول: ذُكر ان تخريج الحكم بصحة الصلاة جهراً في موضع الاخفات، فان صلاة الظهر اخفاتية لو صلاها المكلف جهرا، فيقولون بصحة هذه الصلاة التي هي اخفاتية اذا جهر بها الانسان جهلا أو نسيانا، فتخريج هذا الحكم بان الصلاة الاخفاتية صحيحة اذا صليت جهراً نسيانا أو جهلا، في تخريج هذا الحكم ذكروا وجوه، منها ماذكره الشيخ كاشف الغطاء (قده)، قال: في ذلك وجوه منها الالتزام بالترتب فقال هناك امر بالصلاة جهراً واقعاً، وعلى تقدير الترك يوجد امر بالصلاة اخفاتاً، أي يقول صلي المغرب جهراً فان لم تجهر فصليها اخفاتا، فقال هذا ترتب، فالشيخ كاشف الغطاء ذكر هذا كمثال للترتب.

الميرزا النائني، قال: هذا ليس تطبيقا للترتب لأن الترتب يعقل في الضدين اللذين لهما ثالث أما هنا فلا ثالث لهما لأن الاخفات على تقدير ترك الجهر ضروري، وكذا العكس فالجهر على تقدير الاخفات ضروري، اذاً لا أمر بنحو الترتب، فهذا ليس من الضدين اللذين لهما ثالث.

السيد الخوئي، قال: ان الجهر والاخفات هما ضدان لهما ثالث، وذالك بان يترك القرائة الجهريه وبترك القرائة الاخفاتية فيسكت في الصلاة ولا يقرأ أصلا، اذاً اذا كان الجهر والاخفات من الضدين الذين لهما ثالث فيصح أن يكون تطبيقاً للترتب.

نحن نقول ان الحق مع السيد الخوئي لأن المشروط في الصلاة هو أن يقرأ ولا يجهر أو يقرأ ولا يخفت، ففي صلاة المغرب مأمور بالقرائة جهراً وفي صلاة الظهر مأمور بالقرائة إخفاتاً، وحينئذ يكون الأمر بالقرائة جهراً في الظهر معقولاً عند نسيانه الاخفات، لوجود شق ثالث وهو أن يسكت، فالقرائة الجهرية والاخفاتية من الضدين الذين لهما ثالث، وقلنا ان موضوع مسألة الترتب هو من الضدين الذين لهما ثالث، أما الضدان اللذان لا ثالث لهما فالضد الثاني يكون ضروري ولا معنى للترتب، فالأمر بالقرائة جهراً في صورة ترك الاخفات معقول لوجود شق ثالث لا يريده المولى قطعاً وهو أن يصلي ولا يقرأ اصلاً، فهذا من تطبيقات مسألة الترتب.

التطبيق الثاني: وقد ذكره الشيخ كاشف الغطاء أيضاً (قده)، فيوجّه تخريج صحة الصلاة تماما في موضع القصر، فاذا ذهبنا الى كربلاء فلابد ان نصلي قصر، فاذا صلينا تمام لنسيان الموضوع فتكون الصلاة صحيحة، فان صحة هذه الصلاة تماما في موضع القصر، يقول الشيخ كاشف الغطاء: هذا من الترتب لانه عندنا امر بالقصر وعندنا امر بالتمام، فهناك امر بالقصر واقعا، لكن اذا تركنا الامر بالقصر فنصلي تماما، فادعى الشيخ كاشف الغطاء ان هذا تطبيقاً للترتب.

الميرزا النائيني أنكر ان يكون هذا من الترتب، فانه لا يوجد عندنا اذا لم تصلي قصرا فصلي تماما، وذالك لأن هذا الامر غير قابل للوصول اليّ الذي لم اصلي في كربلاء اي لم يتنجز عليّ هذا الامر الثاني، فهو ليس امراً حقيقياً وغير منجز، وكونه غير قابل للوصول باعتبار ان موضوع الامر بالتمام الترتبي صلي تماما ان لم تصلي قصرا، فان موضوع الامر بالتمام الترتبي هو عبارة عن المسافر الذي قد عصى الامر بالقصر وهو جاهل بوجوب القصر لانه لم تقرأ عليه آية القصر، فموضوع الأمر بالتمام هو هذا كما ذكرت ذالك الروايات، وهذا هو الذي يصح منه الصلاة تماما في موضع القصر، واحراز المسافر بجهله بوجوب القصر عليه أو جهله بتنجيزه في حقه احرازه يكون بان تقرأ عليه أية القصر، واذا قرائت علية اية القصر فيرتفع الأمر بالتمام وصار عالماً، فالامر الثاني وهو صلي تماماً ان لم تصلي قصراً،يدعي النائيني انه لا يمكن ان يصل الى المكلف لانه بمجرد وصوله الى المكلف ويحرز أنه جاهل بالحكم فيعني انه عالم بالحكم واذا علم بالحكم فارتفع موضوع التمام.

ولكن السيد الخوئي اشكل على النائيني، وقال: لماذا تقول بان موضوع الامر الترتبي هو عصيان الامر بالقصر، بل ان موضع الأمر الترتبي ترك الصلاة القصرية، فتركها أعم من العصيان فانه قد يعلم بالقصر ويترك وقد لا يعلم بالقصر ويترك، فحصل موضوع الأمر بالتمام، وهو ترك الصلاة القصرية، فلماذا تقول موضوع الصلاة التمام هو عصيان الصلاة القصرية، بل ترك الصلاة القصرية، فالمكلف يمكنه ان يحرز ترك الصلاة القصرية مع انه جاهل بوجوب القصر ويعتقد بوجوب التمام فاحرز ترك الصلاة القصرية، وهذا لا يساوي العصيان بل أعم من العصيان، فيمكن ان يحرز ترك الصلاة القصرية مع جهله بوجوب القصر واعتقاده وجوب التمام، فموضوع الأمر الترتبي قابل للاحراز في المقام فيصح ان يكون المثال تطبيقاً للأمر الترتبي، هذا ما قاله السيد الخوئي.

وماذكره السيد الخوئي صحيح ومتين، ولا داعي لأصل الاشكال الذي حدث من تصور أن الأمر بالتمام في حق الجاهل بالقصر بنحو الترتب هو أمر آخر غير الأمر الأول بالتمام. مع ان الأمر بالتمام لكل من لم يأتي بالقصر لعدم علمه بالقصر هو نفس الجعل الأولي المطلق، اذاً هذا تطبيق للترتب.

بقي هنا شيئ

وهو هل ان مسالة الترتب فيها استثناء أو لا يوجد فيها استثنائات، نعم هناك استثنائان:

الأول: الصوم المستحب مع ترك الصوم القضائي (وقد ذكره العلماء كحكم شرعي، لابعنوان استثناء للترتب)، فقالوا: ان الصوم المستحب باطل لوجود صوم قضاء عليه، أو لوجود صوم كفارة عليه أو الصوم المنذور أو المستأجر عليه، فبعض العلماء قال انه لا يصح الصوم المستحب مع وجود الصوم القضائي وبعض قال مع وجود مطلق الصوم الواجب لا يصح الصوم المستحب، قالوا هكذا: الصوم المستحب مع ترك الصوم الواجب، قال الامام الخميني (قده): يشترط في صحة الصوم المندوب مضافاً الى ماتقدم أن لا يكون عليه قضاء صوم واجب، قال ولا يترك الاحتياط في مطلق الواجب بل التعميم لمطلقه لا يخلو من قوّة.

هذا الاستثناء دلّت عليه الروايات، ويمكن ان نطبّق مسألة الترتب هنا، فانك اذا لم تصم قضاءً فصم يوم الغدير، وينطبق الترتب هنا الاّ ان الروايات قالت لا يصح هذا الصوم الاستحبابي عند ترك الصوم الواجب.

فيكون استثناء من قاعدة الترتب.

وهذا الاستثناء ذكرته الروآيات، منها مارواه الحلبي وأبي الصلاح الكناني جميعاً، عن الامام الصادق (عليه السلام) قال: (لا يجوز ان يتطوع الرجل بالصيام وعليه من الفرض)، سواء كان الفرض قضاء واجب، او كفارة واجبة، أو صوم منذور، أو صوم استأجاري.

وما رواه الحلبي ثانية، قال: سألت الامام الصادق (عليه السلام) عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة أيتطوع؟، فقال (عليه السلام): (لا، حتى يقضي ما عليه من شهر رمضان)، سواء كان الزمان واسع للقضاء أو لم يكون الزمان واسعاً.

فهذا يعتبر إستثناء من قاعدة الترتب لأنه يمكن أن يكون من الترتب، لولا نهي الرواية عنه.

الثاني: قال السيد الخوئي نخص الترتب بالأحكام التكليفية، ولا يشمل الترتب الأحكام الوضعية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo