< قائمة الدروس

درس الاصول الاستاذ حسن الجواهري

جلسه 21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضع: بحث الضد

ثمرات مسألة الضد

قلنا ان بعض الاصوليين ذكروا ثمرتين لمسألة الضد.

الاولى: فيما اذا تزاحم واجب مضيق مع واجب آخر عبادي موسع، كما اذا تزاحمت الازالة الفورية مع الصلاة.

الثانية: اذا تزاحم واجبان مضيّقان وكان أحدهما أهم من الآخر وكان المهم عبادياً.

وقد تقدمت هاتان الثمرتان على القول بأن الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضده وعلى القول بعدم الاقتضاء.

الثالثة: وقد ذكرها الشيخ المظفر.

وهي: اذا كان هناك واجب اما عبادة أو لا عبادة كوفاء الدين مثلاً، وضده عبادة مستحبة كأقامت التعزية أو زيارة سيد الشهداء (علية السلام) الأستحبابية، وكلاهما موسعان، فالنفترض أنّ وفاء الدين موسع وليس مضيق لكنه واجب وزيارة الامام الحسين (عليه السلام) أيضاً موسعة فهنا لا اشكال في تقديم الواجب على المندوب، أو كأجتماع فريضة مع نافلة، الفريضة موسعة والنافلة أيضاً موسعة، فالفريضة واجبة والنافلة ليست واجبة وكلاهما موسعان، فبناء على أن الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضده الخاص اذاً لا يصح الاشتغال بالمستحب مع حلول وقت الفريضة ومع حلول وقت اداء الدين، فالفريضة واجبة والنافلة ليست واجبة والفريضة موسعة والنافلة أيضاً موسعة، فبناء على أن الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضده فنحن مأمورين بالفريضة والأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضده فلو اتينا بالنافلة تكون فاسده، نعم استثني من ذالك النوافل في وقت الفريضة لورود الأمر بها في خصوص وقت الفريضة، وعلى هذا فمن كان عليه قضاء فوائت واجبة وهي موسعة وليست فورية لاتصح منه النوافل مطلقاً بناء على الاقتضاء، بخلاف ما اذا لم نقبل الاقتضاء فان عدم جواز فعل النافلة مع وجود فريضة عليه بقضاء الفوائت يحتاج الى دليل خاص.

اشكال

قد يقال: مامعنى استثناء نوافل الوقت في خصوص وقت الفريضة، فاذا كان البحث عقلياً فليس فيه استثناء شرعي.

والجواب

ان مسالة هل ان الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضده العام أو الخاص ليست عقلية محضة، اذ البحث فيها عن كون الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضده لفظاً بالمطابقة أو التضمن أو بالالتزام البيّن بالمعنى الأخص أو البيّن بالمعنى الأعم، أو أنه يقتضي النهي عن ضده عقلاً، فالمسألة ليست عقلية بل هي لفظية بالمطابقة أو بالتضمن أو بالالتزام البيّن بالمعنى الأعم أو بالمعنى الأخص، أو أن الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضده عقلاً التزام بيّن بالمعنى الأعم أو غير البيّن.

فالالتزام عندنا على ثلاثة اقسام: التزام بيّن بالمعنى الأخص وهو ملحق بالدلالة اللفظية، وأما الالتزام البيّن بالمعنى الأعم أو غير البيّن فهذا ملحق بالدلالة العقلية.

أو ان الأمر بالشيئ لا يقتضي النهي عن ضده لا عقلاً ولا لفظاً، فمن يرى ان النهي عن الضد لفظي فيمكنه أن يقول بالإستثناء شرعاً، حيث ان الشارع يمكنه أن يخالف اللغة في بعض الأحيان لإيجاد تقييدات للمعاني اللفظية، فاذا كان الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضده لفظاً، أي مطابقتاً أو تضمناً أو التزاماً بالمعنى الأخص، فمن يقول بهذا يمكنه ان يستثني نوافل الظهرين عند حلول وقت الفريضة للأمر بها، اذاً هذه الثمرة التي ذكرها المرحوم الشيخ المظفر تامّة.

الرابعة: ذكرها المرحوم المظفر أيضاً.

وهي اذا كان الضد العبادي واجبا لكنه مخير والأول واجب معين، عندنا واجب معين كالسفر المنذور في يوم الجمعة وعندنا ضد هذا الواجب المعين، ضده عبادة ولكنها مخيرة وهي خصال الكفارة اما عتق واما صوم شهرين متتابعين واما اطعام ستين مسكين، فلو ترك المكلف السفر الذي هو واجب عيني واختار الصوم من خصال الكفارة، فلو كان الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضده، فسيكون الصوم باطلاً، فلو ترك المكلف السفر واختار الصوم من خصال الكفارة كان الصوم منهياً عنه فاسداً لأن النهي الغيري أيضاً يوجب الفساد، أما لو كان الأمر بالشيئ لا يقتضي النهي عن ضده كان الصوم صحيحاً، وهذه ثمرة جيدة ذكرها صاحب اصول المظفر.

الخامسة: ذكرها السيد الشهيد.

يقول: ان الثمرة التي اذكرها أوسع مما ذكر في هذا المقام، فقال: اذا قلنا بأن الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضده الخاص، أي الأمر بانقاذ الغريق يقتضي النهي عن الصلاة المزاحمة لانقاذ الغريق، أو الأمر بازالة النجاسة عن المسجد يقتضي النهي عن الصلاة في المسجد، فاذا قلنا بأن الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضده الخاص، فحينئذ يكون الأمر بالضدين وهما أزل النجاسة (وهو أمر فوري) وصلي (وهو موسع) فيكون الأمر بهاذين الضدين داخلاً تحت التعارض، فالأمر الثاني هنا في باب صلي يعارض باب أزل (فاذا قلنا ان الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضده) فالأمر بالصلاة مع أزل يكون داخلاً في باب التعارض، لأن الأمر بالأهم وهو أزل يقتضي النهي عن الآخر وهو الصلاة فهذا النهي يعارض الأمر بالأزالة وحينئذ يُحكم بفساد العبادة، فأصبح فساد العبادة مظهراً من مظاهر التعارض، فتبطل العبادة لعدم وجود الأمر الذي يحرز به الملاك، فاذا قلنا ان الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضدة فضد الازالة منهي عنه ولا أمر فيه فتكون العبادة فاسدة، واذا كان منهي عنه فأحد هاذين كاذب لتحقق التعارض، وأما اذا قلنا بأن الأمر بالشيئ لا يقتضي النهي عن ضده وقلنا بامكان الترتب فيدخل الخطاب بالضدين (أزل وصلي) داخلاً في باب التزاحم لا في باب التعارض.

نحن نقول هذا المثال الذي ذكره الشهيد وهذه الثمرة ثمرة جيدة، ولكن بالنسبة للشق الثاني وهي ما اذا لم نقل بأن الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضده الخاص لاحاجة لقوله وقلنا بامكان الترتب، فاننا اذا قلنا بعدم الاقتضاء يكون الضد العبادي وهو صلّي إما ماموراً به على نحو الأمر بالجامع كما قاله المحقق صاحب جامع المقاصد فتصح العبادة أو يكفي فيها وجود الملاك حيث قال النائيني اننا اذا احرزناه تصح العبادة ، نعم تصح هذه الثمرة ايضاً لمن قال ان الصلوات الخارجية هي المأمور بها والحصة المزاحَمة لا أمر بها فيحتاج الى الأمر الترتبي حتى تصح العبادة

هذه ثمرات خمسة وقد ذكر اغلب علمائنا اثنين منها فقط .

تطبيقات هذه المسألة في الفقه

وهذه التطبيقات بناء على الاقتضاء، أي بناء على غير الرأي المختار .

أولاً: نُسب الى الإمامية والعامة، قولهم: لا يجوز لمن وجبت عليه الجمعة إنشاء السفر بعد الزوال، قبل أن يصلي الجمعة، وقد حُكي ذلك عن العلامّة في التذكرة والمنتهى وقد استدل عليه في التذكرة بقوله: من سافر من دار اقامته يوم الجمعة دعت عليه الملائكة ولا يصحب في سفره ولا يعان على حاجته - قال - وهذا الوعيد لا يترتب على المباح - ثم يقول- وبأن ذمته مشغولة بالفرض (وهو صلاة يوم الجمعة) والسفر مستلزم للإخلال به (بالفرض) فلا يكون سائغا (السفر) ومبنى هذا الاستدلال على ان الأمر بالشيئ يستلزم النهي عن ضده الخاص، وقد تقدم الكلام فيه مراراً.

هذا الفرع وهذا الاستدلال أيضاً ذكره الشافعي في الام وذكره ابنا قدامه صاحب الأصل والشرح في المغني في الشرح الكبير.

ثانياً: ذكر الشهيد الأول في مسألة حرمة غير البيع من العقود بعد النداء يوم الجمعة (يايها الذين أمنو اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكرا الله وذروا البيع) فالبيع منهي عنه ولكن ما هو حكم غير البيع كالاجارة والمزارعة والمضاربة، قال (قده): ويمكن تعليل التحريم بأن الأمر بالشيئ (الصلاة يوم الجمعة) يستلزم النهي عن ضده ولاريب أن السعي مأمور به فيتحقق النهي عن كل ما ينافيه من بيع وغيره، وعلى هذا يحرم غير العقود من الشواغل عن السعي الى صلاة الجمعة، ذكره الشهيد الأول في الذكرى وذكره صاحب مدارك الأحكام

ثالثاً: ذكر السيد الطباطبائي في العروة الوثقى عن المشهور، قال: من استقر عليه الحج وتمكن من ادائه ليس له ان يحج عن غيره تبرعاً لأن الأمر بالشيئ (وهوالحج عن نفسه) يقتضي النهي عن ضده، فليس له ان يحج عن غيره تبرعاً أو باجارة، وكذا ليس له ان يحج تطوعاً عن نفسه استحباباً، فلو خالف فالمشهور البطلان، بل ادعى بعضهم عدم الخلاف فيه وبعضهم الاجماع عليه، اذ لاوجه للبطلان الاّ دعوى أن الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضده.

وهذه الفروع الثلاثة يختلف الحكم فيها بناء على عدم الاقتضاء، بمعنى ان الذي عليه حج فلو حج عن غيره فان الحج يصح عن غيره مع كونه عاصياً للمخالفة، بالنسبة الى من قال بأن الأمر بالشيئ لايقتضي النهي عن ضده، اذا عقد عقداً يوم الجمعة بعد النداء غير البيع فالعقد يكون صحيحاً ولا يبطل، وكذا من سافر يوم الجمعة بعد الزوال قبل صلاة الجمعة لا يكون سفره حراماً وان كان قد عصى لتركه الجمعة، فهذه الفروع الثلاثة ينقلب الحكم فيها اذا قلنا بعدم الاقتضاء.

رابعاً: قال صاحب المدارك في مسألة فساد التطوع والحج عن الغير لمن وجبت عليه حجة الاسلام، قال: وهو إنما يتم اذا ورد فيه نهي على الخصوص ( الحج عن الغير) أو قلنا باقتضاء الأمر بالشيئ النهي عن ضده الخاص.

خامساً: قال العلامة الحلي(قده) في المديون، اذا حل الدين المؤجل أو كان حالاً وطالبه الدائن، قال: ولا تصح صلاته في أول وقتها (بناء على الاقتضاء) ولا يصح شيئ من الواجبات الموسعة المنافية في أول أوقاتها قبل القضاء (قضاء الدين مع المطالبة) وكذا غير الدين من الحقوق، بناء على أن الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضده، قال: وقال المحقق الثاني في توضيحه (الحكم) ان الأمر بالأداء (اداء الدين) على الفور يقتضي النهي عن ضده والنهي في العبادة يقتضي الفساد، هذا ما قاله المحقق الثاني في توضيح هذا الفرع.

تطبيقات للقول بعدم الاقتضاء

نذكر كلام الفقهاء بالنسبة لمن قال بعدم الاقتضاء

قال صاحب الحدائق (قده): وأما استلزام الأمر بالشيئ النهي عن ضده الخاص فلم نقف له في الأخبار على أثر، مع ان الحكم في ذالك مما تعم به البلوى، وقد حققنا ان التمسك بالبراءة الأصلية أي العقلية (قبح العقاب بلا بيان) فيما تعم به البلوى من الأحكام بعد تتبع الأدلة وعدم الوقوف على ذالك حجة وآضحة (البرائة العقلية)، ولو كان الأمر كما ذكروا (أي ان الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضده) لورد عنهم (عليهم السلام) النهي عن أضداد الواجبات من حيث هي كذالك، والتالي باطل (لم يرد نص بالنهي عن الضد) فالمقدم أيضا باطل، على انه لا يخفى ما في القول بذلك من الحرج المنفي بالآية والرواية، كما صرح به شيخنا الشهيد الثاني فيكون دخلاً في باب (اسكتوا عما سكت الله عنه).

قال المحقق الاصفهاني: ان القول باقتضاء الأمر بالشيئ للنهي عن ضده يصعب الالتزام به، اذ اللازم منه بطلان جميع العبادات الصادرة من المديون بفلس واحد لغريم مطالب، فلا يصح حجه ولاتصح صلاتة ولايصح اعتكافه وغير ذلك من العبادات التي تُضاد الأداء، سواء كانت هذه العبادات واجبة أو مستحبة، فلابد من أداء الفلس الواحد، وغير ذلك من العبادات التي تضد الأداء ، وقلّ من يسلم منه أو من نظائره، وهذا مخالف لضرورة الفقه بل الدين، كما قاله بعض الأساطين (وهو الشيخ جعفر كاشف الغطاء).

ثم نقل صاحب الحدائق عن الشهيد الثاني قوله بهذا الشأن: لو كان الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضده لم يتحقق السفر إلاّ لأوحدي الناس، لمصادمة السفر غالباً لتحصيل العلوم الواجبة، وقلّما ينفك الانسان عن شغل الذمة بشيئ من الواجبات الفورية مع انه على ذالك التقدير موجب لبطلات الصلاة الموسعة في غير آخر وقتها وبطلان النوافل اليومية وغيرها وهذا باطل اذاً المقدم باطل، يأتي الكلام عن قاعدة جديدة .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo