< قائمة الدروس

درس الاصول الاستاذ حسن الجواهري

جلسه 16

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضع: قاعدة اقتضاء الأمر بالشيئ النهي عن ضده

الكلام في قاعدة اقتضاء الأمر بالشيئ النهي عن ضده

وقد عبّر عنها اقتضاء وجوب الشيئ لحرمة ضده، أو يعبر عنها بقاعدة الضد، أو يعبّر عنها أن الأمر بالشيئ لايقتضي النهي عن ضده، أو لايقتضي وجوب الشيئ حرمة ضده.

توضيح القاعدة

وفي توضيح هذه القاعدة لابد من التكلم في امور:

اولاً: التنبيه الى معاني الألفاظ الواردة في عنوان القاعدة

هنا نقول ما المراد من الاقتضاء الوارد في عنوان القاعدة، فنقول المراد هو لابدية ثبوت النهي عن الضد عند الأمر بالشيئ،فالمراد من الاقتضاء الابديّة، سواء كانت هذه الابدية عينية أي الأمر بالشيئى عين النهي عن ضده، أو جزئية أي ان الامر بالشيئ جزئه النهي عن ضدة، أو ان هذه الابديّة تحصل من اللزوم البيّن بالمعنى الأخص او اللزوم البيّن بالمعنى الأعم، فالمراد من الاقتضاء في عنوان القاعدة هو الابديّة سواء كانت عينية او جزئية أو لازمة بالمعنى الأخص أو لازمة بالمعنى الأعم

المراد من الأمر في عنوان القاعدة المحبوبية، وهو العنوان الأعم من اللفظي واللبيّ المستكشف من الاجماع ونحوه كالدليل العقلي، فليس المراد من الامر هو الامر اللفظي بل الاعم من اللفظي واللبي، والمراد من النهي هو المبغوضيّة وهو النهي المولوي الشرعي، ولو كان غيري،

والمراد من الضد مطلق المعاند والمنافي، سواء كان المعاند عدمي (كترك الصلاة)، أو وجودي (كالأكل) فالمراد من الضد في عنوان القاعدة مطلق المعاند والمنافي وجودياً أو عدمياً، فالضد في هذه القاعدة يشمل النقيض عند المناطقة والفلاسفة وهو الذي يسمى بالضد العام، ويشمل الأمر الوجودي ويسمى بالضد الخاص، فالضد عند الاصوليين في عنوان هذه القاعده له اصطلاح خاص، بخلاف علم الحكمة والمنطق فان المراد من الضد هو الامر الوجودي وهنا يراد منه مطلق المعاند والمنافي سواء كان وجوديا او عدميا، فالضد العام هو مايكون التقابل بينه وبين الواجب بالسلب والايجاب (كأن يأمر بالصلاة ولا نصلي)، اما الضد الخاص فهو الأمر الوجودي الذي لايجتمع مع الواجب وهو الصلاة، ويكون التقابل بينه وبين الصلاة تقابل التضاد، لاننا مامورين بالصلاة ولكننا نعمل عملاً آخر.

ثانياً: اختلف الاصوليون بأن الأمر بالشيئ هل يقتضي حرمة ضده أم لا على أقوال:

هل الأمر بالشيئ يقتضي حرمة ضده؟

القول الأول: نعم الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضده، وقد أفتى جمع من الفقهاء استناداً الى هذا الرأي فأفتوا بحرمة أشياء لأنها تضد الشيئ المأمور به، فذهبوا الى أقتضاء الحرمة بمجرد الأمر بالشيئ فيحرم ضده العام والخاص.

القول الثاني: الأمر بالشيئ لا يقتضي النهي عن ضده، فالأمر بالشيئ لا يقتضي النهي عن ضده العام ولا ضده الخاص.

القول الثالث:

التفصيل بين الضد العام والضد الخاص، فان الامر بالشيئ يقتضي النهي عن الضد العام وهو ترك الصلاة بدون ايّ شاغل، اما الضد الخاص فليس منهي عنه فالأمر بالصلاة لايقتضي النهي عن لعب الكرة في طوال الوقت.

القول الرابع: القول بالأقتضاء في خصوص الضد العام والضدين الخاصين الذين لاثالث لهما مثل الحركة والسكون، فالحركة والسكون ضدان لا ثالث لهما بخلاف الأبيض والأحمر لهما ضد ثالث وهو الأسود، فهنا قالوا بأن الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضده في الضد العام والضدان اللذان لا ثالث لهما، ولكنه لا يقتضي النهي عن الضد الخاص وهو الأمران المتضادان الذي لهما ثالث.

الضد العام

أما الضد العام: فقد ذهب البعض الى ان الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن الضدالعام في مرحلة الثبوت والواقع لامرحلة الاثبات والدلالة، اما في عالم الدلالة (وهي مرحلة الاثبات) لم يقولوا بأن الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضده، بل قد يقولون بان الامر بالشيئ يقتضي النهي عن ضده اثباتاً فان العرف العام يستعمل النهي عن الضد في مقابل الأمر بشيئ، فلما يأمرنا الشارع بالصلاة يقولون يحرم تركها وهو الضد العام، فالعرف يقول ان معنى صلّي هو ان لا تترك، فانهم يستعملون احدهما مكان الآخر ويقولون ان احدهما عين الآخر، الاّ ان هذا الاستعمال العرفي في مكان الآخر لا ربط له بالدلالة المطابقية ولابالدلالة التضمنية ولابالدلالة الالتزامية التي استدل بها على حرمة الضد العام.

اذاً ذهب قوم الى ان الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضده العام ثبوتاً، وقد اختلفوا في كيفية تلك الدلالة على اقوال:

أولاً: ان الأمر بالشيئ هو عين النهي عن الترك، لأن الأمر بالصلاة هو عين النهي عن تركها، حيث انه لافرق بين أن يقول صلي وبين ان يقول لاتترك الصلاة فالعبارتان تؤديان الى معنى واحد وهو طلب ايجاد الصلاة في الخارج، فيدل الأمر بالشيئ على حرمة ضده العام بالمطابقة.

ويرد عليه: بأن معنى النهي هو الزجر، والامر هو الطلب ولا يكون معنى الأمر هو عين النهي،فكيف يكون احدهما عين الاخر مع ان النهي هو الزجر، ثم حتى لو قبلنا ان النهي معناه طلب عدم الترك، فأيضاً العينية لاتحصل، الاّ اذا قلنا باتحاد المفهومين الامر بالشيئ والنهي عن تركه، ومع ذلك لا ينفع العينية لأن مفهومهما ليس واحداً، فان طلب الشيئ وطلب عدم تركه ليس مفهومهما متساويان،لأن مفهوم طلب الصلاة يغاير مفهوم طلب عدم ترك الصلاة، والاتحاد الخارجي وهو استعمال احدهما مقام الآخر لا ينفع في العينيّة، لأن الطلب معناه وجود مصلحة في الفعل وطلب عدم الترك معناه وجود مفسدة في الترك اذاً لم تحصل العينيّة.

ثانياً: ثم قالوا بكيفية اخرى للاقتضاء وهو ان الأمر بالشيئ يتضمن النهي عن ضده لتوهم ان الوجوب مركب من الطلب للفعل والنهي عن ضده، فيدل الأمر بالشيئ عن المنع من الترك تضمناً.

هذا أيضاً باطل: لأنه قد تقدم في بحث الاوامر ان الوجوب ليس مركبا، بل هو يعني لزوم الفعل، نعم لازم وجوب الفعل المنع من الترك والمنع من الترك لازم المعنى، وهذا اللازم وهو المنع من الترك ليس منعاً مولوياً شرعياً بل هو منع عقلي تبعي، فالمنع من الترك لازم للأمر وهذا اللزوم عقلي وتبعي لاشرعي ولا مولوي، ثم المنع من الترك ينقسم الى لزومي وغير لزومي كما في الكراهة فالمنع من الترك على نحو الكراهة (فتارة يمنع من الترك على نحو التحريم وتارة على نحو الكراهة) فلا يدل المنع من الترك على حرمة الضد.

ثالثاً: ونفس هذا القول وهو الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضده العام قالوا انه يدل على نحو اللزوم البين بالمعنى الأخص، فيدل الأمر بالشيئ على النهي عن الضد العام بالدلالة الألتزامية، بمعنى أن تصور وجوب شيئ كوجوب الصلاة يلزمه بالبداهة تصور حرمة تركه، فكما نتصور الأربعة نتصور الزوجية فهنا عندما نتصور الأمر بالشيئ نتصور بالبداهة حرمة تركه، هكذا قالوا.

وفيه: ان الآمر قد يأمر بالشيئ ويغفل عن تركه فكيف تقولون بين الامر بالشيئ وبين تركه ملازمة بالمعنى الاخص مع وجود الغفلة عند الآمر(لا المولى الحكيم) فلو كانت الدلالة على نحو اللزوم البين بالمعنى الاخص لم يتصور غفلة الآمر عن الترك، مع أننا نتصور غفلة الآمر بالشيئ عن الترك، وهذا التوجة الذي يقول أن الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضده العام.

رابعاً: قالوا بكيفية رابعة وهي ان الأمر بالشيئ يدل على النهي عن ضده العام ولكن على نحو اللزوم البين بالمعنى الاعم، بمعنى ان الآمر بالشيئ اذا التفت الى ترك المأمور به من قبل المكلفين ويلحظ النسبة بين الفعل المأمور به وهو الصلاة وبين ترك الصلاة فنقول لايرضى اذا لحظ الصلاة ولحظ تركها ولحظ النسبة فهو لا يرضى بالترك فيكون النهي عن الترك من لوازم الأمر بالشيئ لزوما بيّناً بالمعنى الاعم.

وهذا باطل أيضاً: لأن حرمة الترك اما نفسية او غيرية، فان كانت حرمة الترك نفسية فهذا لايصح لان الحرمة النفسية انما تنشأ من مفسدة الزامية في ترك الصلاة وواضح انه لا مفسدة في ترك الصلاة، وانما اذا تركنا الواجب فان المصلحة قد زالت، وزوال المصلحة لا يعني انه فعل ما فيه المفسد، أما اذا قلنا ان الترك الذي لا يرضى به المولى حرمته غيرية هنا أيضاً الحرمة الغيربة لا تصح لأن ملاك الحرمة الغيرية هو المقدمية وهي غير موجودة في الترك فأن ترك الصلاة ليس مقدمة، فلا مقدمية بين الصلاة وبين ترك الصلاة، هذه اربعة اجوبة لاربعة اقوال.

جواب عام

وهناك جواب على جميع الأدلة التي ساقوها على ان الأمر بالشيئ يقتضي النهي عن ضده العام بالكيفيّات الأربعة المتقدمة.

والجواب هو:ان وجوب الفعل ونفس وجوب الصلاة كافيا في الزجر عن تركه، بمعنى ان لازم كون الشيئ واجبا هو المنع من تركه، لكن هذا المنع ليس مولوياً بل هو منع عقلي تبعي وهذا المنع لأجل الوجوب، ومع وجود هذا المنع العقلي التبعي فلا حاجة الى النهي المولوي، فترك الصلاة منهي عنه نهي عقلي فلا حاجة الى النهي الشرعي المولوي، والغرض من نهي الشارع هو الردع عن الترك والردع العقلي موجود ومعه فلا يعقل الردع الشرعي المولوي لأنه تحصيل للحاصل، وتحصيل الحاصل محال، فلعلّ القائل بالأقتضاء يرى أن نفس الفعل بالصلاة يكون زاجراً عقلاً عن النهي عن ضده، وسنتكلم عن الضد الخاص انشاء الله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo