< قائمة الدروس

درس الاصول الاستاذ حسن الجواهري

جلسه 10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الشرط المتأخر

كان الكلام في قاعدة الشرط المتأخر، وقد أشكلوا على الشرط المتأخر والشرط المتقدم، والاشكال مبني على أن الشرط سواء كان متأخراً أو كان متقدماً هو الذي يؤثر في المشروط كما هي قاعدة الشرط الفلسفي الحَكمي الذي يذكر في الحكمة والفلسفة، فالاشكال مبني على جريان المنهج الفلسفي في المنهج الفقهي، فالشرط الحَكمي هو الذي يؤثر في المشروط وهو الذي يؤثر في المعلول فكيف يكون الشرط متأخراً وقد أثر في المعلول الذي قد انقضى زمانه.

اشكال الشرط المتأخر

فالاشكال في الشرط المتأخر هو: ان كان الشرط يؤثر في المشروط حين وجود المشروط اذاً قد أثر المعدوم في الموجود، فأنّ المشروط هو صوم يوم السبت والشرط هو الغسل ليلة الأحد فقد أثر المعدوم الذي لم يوجد في صوم يوم السبت، وان كان الشرط يؤثر في وقته ( أي الصوم ليلة الأحد فيه مصلحه) فقد انقلب ما فيه مصلحة الى مالافيه مصلحة، في حين ان الواقع لاينقلب عمّا وقع عليه.

حل الاشكال

قلنا حل الاشكال يتوقف على البحث في شرط الوجوب المتأخر، ثم نبحث في شرط الواجب، وتكلمنا في شرط الوجوب وقلنا ان الشرط المتأخر للوجوب على ثلاثة أنواع، هي:

الأول: في مرحلة الجعل.

الثاني: في مرحلة المجعول.

الثالث: في مرحلة الملاك والمصلحة.

قلنا الاشكال لايرد في مرحلة الجعل والمجعول.

فأن مرحلة الجعل عبارة عن لحاظ المولى للوجوب واللحاظ في الذهن وليس في الخارج، فلا بأس ان يلحظ الصوم مشروطاً بالغُسل الليلي فلا تأثير ولا تأثر وانما هي تصورات المولى فلا يوجد هناك شيئ في الخارج وانما الحكم والوجوب شيئ قائم في نفس المولى.

وكذلك في مرحلة المجعول، فالمجعول ليس أمراً واقعياً وانما المجعول هو أمر تصوري لأن معناه ان الجاعل عندما يجعل الوجوب على الفرد المستطيع كأنه قذفه عليه، فالجعل والمجعول هما كالايجاد والوجود مختلفان بالاعتبار، فلا اشكال أصلا في جعل شرط متأخر للوجوب في مرحلة الجعل وفي مرحلة المجعول.

نعم الاشكال يكون في الصورة الثالثة، وهو الشرط المتأخر للوجوب في مرحلة الملاك لأنه يوجد فعل خارجي متصف بالمصلحة وهو وجوب الصوم، فهو فعل خارجي متصف بالمصلحة وهو متقدم على الغسل الليلي، فيلزم الاشكال القائل بأن شرط وجوب الصوم المتأخر وهو الغسل متى يكون مؤثراً في مصلحة الصوم فهل يكون مؤثراً صباحاً أو مؤثرا في اتصاف الفعل وهو الصوم، اذاً المعدوم اثّر بالموجود لأن الغسل ليس موجوداً وقت النهار واذا كان الغسل يؤثر في وجود المصلحة في الليل اذاً انقلب الشيئ عمّا وقع عليه، فقد وقع الصوم في النهار وليس فيه مصلحة بل مصلحته عند مجيئ الشرط وهذا غير ممكن ومحال.

قلنا سابقاً نحن لا نقول بأن الصوم تحدث فيه مصلحة عند الغسل الليلي، بمعني ان الشرط لا يوجد مصلحه في الليل، والموجود في الفقه (يجب على المستحاضه ان تصوم السبت وتغتسل بعد الغروب) ولم يذكر بأن الشرط هو الذي ولّد المصلحه، وعيله فاذا ولّدها في النهار فيؤثر المعدوم بالموجود واذا ولّدها بالليل فينقلب الشيئ عما وقع عليه.

ان الصوم يوم السبت فيه فائدة بشرط ان تغتسل وليس الشرط هو الذي أوجد الفائده، فأنتم قلتم ان الشرط هو الذي ولّد الفائدة، في حين ان هذا غير موجود في الفقه فالشرط لا يولّد المصلحة، فالمصلحة في الصوم بشرط الغسل وهذا لايقتضي أن يكون الشرط هو الذي ولّد المصلحة، كأن نقول ان الدواء فيه مصلحة بشرط أن لا يتعرض للبرد وهذا لايعني ان عدم التعرض للبرد هو الذي أوجد المصلحة في الدواء،بل ان الدواء بنفسه فيه مصلحة لكن بشرط عدم تعرضه للبرد، مثال آخر: اذا احتجت الى النفط في الشتاء ولكن لا يمكنني شراء النفط في الشتاء فأشتريه من الخريف والمصلحة في شرائه من الخريف بقائي حيّاً في الشتاء، فالشرط لم يوجد المصلحة في شراء النفط لأن المصلحة في شراء النفط لا بقائي حياً، نعم بقائي حي دخيل في المصلحة.

فالفقه له منهج، ويقول المصلحة في صوم المستحاضة بشرط أن تغتسل في الليل، والفلسفة لها منهج أيضاً، وهو ان العلة لا يمكن ان يوجد المعلول قبلها فاذا قلنا ان الغسل علّة والصوم معلول فعندها تظهر المشكلة وهي كيف وجد الصوم الذي هو المعلول قبل العلّة، بينما هذا منهج فلسفي لا يجري في المنهج الفقهي.

الى هنا انتهى الشرط المتأخر للوجوب في مرحلة الجعل والمجعول والمصلحة، ففي مرحلة الجعل والمجعول لا يوجد تأثير وتأثر وانما في مرحلة الجعل شيئ في نفس المولى والمجعول تصور وليس واقع حقيقي وخارجي، في المصلحة نعم فأن المصلحة خارجية وقلنا ان الشارع لم يقل أن الغسل الليلي هو الذي يولّد المصلحة في النهار، فالمصلحة في نفس الصوم لا أنّ الغسل يولّدها.

الشرط المتأخر للواجب

وأما بالنسبة للشرط المتأخر للواجب لا للوجوب فاذا فرضنا ان غسل المستحاضة ليلة الأحد شرط لصحة الصوم الواجب يوم السبت، اي شرط للواجب لا للوجوب، فالاشكال يأتي بلحاظ عالم الجعل والمجعول أي عالم الواجب، فهنا لا نقول أن عالم الجعل والمجعول بالنسبة للواجب هو في الذهن وتصور، بل المراد من الواجب هنا يعني خارجي، فهنا نقول ان الواجب المشروط بشرط متأخر يعني أن الشارع يريد حصة معينه ، ففي عالم الواجب يريد الشارع شيئأً خاصاً ولايريد مطلق الصوم من المستحاضة بل يريد صوماً بعده غسل، اليس المفاهيم يمكن تحقيقها بشرط مقارن، نقول عالم عادل، عالم كريم، عالم قوي، فليكن المفهوم يمكن تحقيقه بشرط متأخر ، فنقول في صحة الصوم يريد صوماً بعده غسل، اذاً يمكن ان يحقق الشيئ بشرط متأخر ولا يوجد هنا تأثير ومتأثر، وهذا في عالم الواجب اي عالم الجعل والمجعول، وأما في عالم الملاك فالاشكال يقول اذا كانت المصلحة حين الفعل (اي حين الصوم) وقبل الشرط المتأخر (أي قبل الغسل الليلي) لزم تأثير المتأخر وهو الشرط في المتقدم وهو محال ، وان كانت المصلحة حين الشرط اي حين اغتسالها لزم تأثير المقتضي وهو المشروط بعد انقضائه وهو محال، فكيف يؤثر المقتضي بعد انقضائه فهو محال.

اذاً الاشكال في شرط الواجب المتأخر يأتي في عالم الملاك والمصلحة وليس في عالم الجعل والمجعول، ففي عالم الملاك متى توجد المصلحة فهل توجد عند الصوم (قبل الشرط) ومعه يلزم تأثير المتأخر بالمتقدم، أو توجد عند الشرط فالمقتضي زال واثّر الآن مع انه لايمكن ان يؤثر المقتضي بعد انقضائه لأنه محال، ولكننا نقول ان الشرط المتأخر للواجب في عالم المصلحة والملاك، فنقول انه يوجد فرض ثالث وهو أن الفعل (الصوم) الذي يوجد قبل شرطه (الغسل) هذا الفعل يوجد أثراً يبقى الى زمان الشرط المتأخر وبمجموعهما تحصل المصلحة والملاك، وهذا ممكن في التكوينيات فأن استعمال الدواء المنشط يجعل الدم يتحرك في العروق بسرعة وان تحرك الدم في العروق بسرعة يبقى الى حين الرياضة فالدواء وهو المقوي أوجد سرعة تحرك الدم في العروق (وهذا المقتضي) يبقى الى حين العمل اليومي، فيحصل المزاج المعتدل الصحيح فحصلت المصلحة والملاك من مجموع الأمرين، فلم يحصل تأثير المتأخر بالمتقدم ومعه فقد زال الاشكال من أساسه، لأن الشرط ليس متأخراً بل الشرط مقارن للمقتضي.

وهذا الأمر متوقف على امكانية بقاء الأثر بعد زوال المؤثر أي بقاء تحرك الدم في العروق مع زوال الدواء، وهذا أمر مفروغ عن امكانيته وصحته في التكوينيّات، فأجزاء البناء متماسكة مع موت المهندس والعامل، اذاً في التكوينيات يمكن أن يكون شيئاً هو المقتضي، فليكن ما نحن فيه من التعبديات كالتكوينيات فالصوم يوجد الأثر وهذا الأثر باقي الى الغسل الليلي، ولذلك وردت عندنا أدلة تأمر بالصوم ثم الدعاء بعده وكأن الصوم يوجد أثراً يكون الدعاء بعده مقبولاً.

اذاً الشرط مقارن، شرط الواجب في مرحلة الملاك، اما شرط الواجب في مرحلة الجعل والمجعول فهو تحصيص اي يريد حصة خاصة

الى هنا أجبنا على الاشكال فيما اذا كان الشرط شرط الوجوب، وأجبنا على الاشكال فيما اذا كان الشرط المتأخر شرط الواجب في كل من مرحلة الجعل والمجعول والملاك، فالشرط فيه أوامر غيرية فاذا لم يكون هناك صوم فلا يجب الغسل فالغسل، لأجل الصوم فهو أمر غيري.

والآن ننقل الكلام للشرط المتقدم، فأن صاحب الكفاية أجرى الاشكال في الشرط المتقدم أيضاً، ومن الجواب في الشرط المتأخر اتضح الجواب على الشرط المتقدم.

الشرط المتقدم

والكلام في الشرط المتقدم للوجوب: فان الشرط المتقدم للوجوب في مرحلة الجعل وهي لحاضات وتصورات، وفي مرحلة المجعول وهي أمر تصوري، فالوجوب هنا أمر قائم في نفس المولى لا في الخارج، واما في مرحلة المجعول فهنا المولى يلحظ الشرط المتقدم مع المشروط فانه لحاظ واللحاظ مقارن فيلحظ الوجوب ويلحظ الشرط قبله، فصار شرطاً مقارنا فالمولى بحاجة الى لحاظ الشرط، ولحاظ الشرط المتقدم يكون مقارنا مع الحكم (الوجوب) الذي هو جعل، فلا اشكال لانه لايوجد تأثير وتأثر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo