< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

39/04/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: هل تعد غرامة الجنايات مؤنة / خمس ارباح المكاسب/ كتاب الخمس

مسألة (62): في كون رأس مال التجارة – مع الحاجة اليه من المؤنة اشكال, فالأحوط اخراج خمسه اولاً وكذا فيه الآلات المحتاج اليها في كسبه مثل الآت النجارة للنجار, والآت النساجة للنساجة, والات الزراعة للزارع, وهكذا... فالأحوط اخراج خمسها ايضاً اولاً. (1).

ملحوظة (2): اذا عمل المكلّف عملاً فيه عقوبة دنيوية وغرامة مثل القتل الخطئي الذي فيه الدية أو القتل العمدي اذا تنازل ولي المقتول ورضي بالدية فهنا جعل الشارع غرامة وعقوبة مالية وهي الدية, وكذا اذا قطع يد إنسان عمداً أو خطئاً فيجب على المكلّف الجاني الديّة, ولو بعد التنازل عن القصاص في العمد, وهذه الديّة عقوبة ماليّة جعلها الشارع على الجاني, وهذه العقوبة مثل عقوبة الكفارات الماليّة التي جعلها الشارع على من عمل عملاً معيّناً كالفدية والكفارات في مخالفة تُعدّ مؤنة عرفاً وشرعاً, فهو محتاج الى صرفها لفكاك رقبته من هذه العقوبة الماليّة, وهي لازمة عليه ومن شانه ان يدفع هذه الغرامة الشرعية, فتُعدّ مؤنة شرعاً وعرفاً حيث فكّ ضمانه الشرعي بها.

ملحوظة (3): ذكر البعض اذا أتلف انسان مالَ الغير عمداً أو خطئاً, كأن أخذ حنطته واكلها في مؤنته من

دون اجازة منه, فهنا يجب عليه أداء البدل له, ولكن قد صرف الحنطة في مؤنته, فهذا الدين لصاحب الحنطة يكون مستخرجاً من المؤنة لأنه قد صرف في المؤنة فعوّض صاحب الحنطة وبادَلَهُ بحنطة اخرى بحكم الشارع الذي حكم بالضمان هنا فصدق عنوان المؤنة على الحنطة المغصوبة.

أمّا اذا أتلف مال الغير عمداً أو خطئاً بصرفه في غير المؤنة, فهو وإن كان ضامناً له الاّ انه لا يُستخرج من الربح لأنه ليس مؤنة فهو لم يتعيّش به عرفاً, فلا يصدق عليه انه مؤنة.

وهذا مثل ما اذا أخذ ربحه فألقاه في البحر أو حرقه, فانه لا يكون مؤنة ولا يُستثنى من وجوب خمسه.

إشكال: ما هو الفرق بين العقوبات المالية التي جعلها الشارع على الجنايات كالدية للقتل أو لإزالة العضو, فقد قلنا ان اداءها بعد وقوعها لتفريغ ذمّة المكلّف منها يعدّ من المؤنة, بينما تلف الحنطة التي للغير والتي لم تؤكل في المؤنة يكون فكّ رقبة الانسان منها لا يعدٌ من المؤنة مع ان كلاًّ منهما هو تفريغ ذمّته مّما قد لحقها نتيجة عمل معيّن سواء كان جناية ام غصباً؟!

ولهذا الاشكال قد لا نفرق بين الغرامات المالية الشرعية وبين ضمان المال المتلف وان لم يصرف في المؤنة, فان الذمّة اشتغلت بالدين وتفريغها يكون من المؤنة عرفاً, حيث يكون المكلَّف محتاجاً لفكّ ضمانه الشرعي, كما لو عثر بمال الغير فسقط وكُسِر, فهو لم يصرف في المعيشة الاّ انه مناسب له ويحتاجه لفكّ ضمانه فهو مؤنة عرفاً.

1)هذه المسألة قد ذكرها صاحب العروة قدس سره في مسالة (59) السابقة, فلا يستثنى رأس مال التجارة الذي هو ربح اذا جعله في التجارة وهو محتاج اليه عند السيد اليزدي قدس سره ولكن نحن خالفنا في ذلك في صورة ما اذا كان الربح بقدر مؤنة السنة, وهو محتاج الى جعله رأس ماله لتعيّشه ولو أدّى خمسه فلا يمكنه من جعله رأس مال له, فهنا

مسألة (63): لا فرق في المؤنة بين ما يُصرف عينه فتتلف مثل المأكول والمشروب ونحوهما, وبين ما ينتفع به مع بقاء عينه مثل الظروف والفرش ونحوها فإذا احتاج اليها في سنة الربح يجوز شراؤها من ربحها وان بقيت للسنين الاتية ايضاً. (1).

لا يجب اخراج خمسه اذ يصدق عليه اذا جعله رأس مال تجارته ويأكل من ربحه انه صرفه في مؤنة السنة, فانّ الصرف في مؤنة السنة مرّة يكون مباشرة بأكله وصرفه, ومرّة يكون بجعله رأس مال له ويتعيش من حاصله بالشرطين المتقدّمين, فلاحظ.

تنبيه: ان هذه المسألة المتقدمّة التي كرّرها المصنّف هنا تتصوّر في مورد واحد وهو: ان يربح في ضمن السنة ويجعله رأس مال له وأخذ يتعيّش منه الى آخر السنة فهل يجب تخميسه؟

امّا اذ ربح في ضمن السنة واخرج مؤنته من الربح ثم اراد ان يجعله رأس مال له في نهاية السنة فهنا يجب تخميسه بلا كلام.

1) بيّن صاحب العروة قدس سره في هذه المسألة انّ المؤنة لا تتحدّد بالمقدار الذي يستهلكه في معاشه إستهلاكاً مباشراً كالأكل والشرب وما يستهلك في اعاشته بالنسبة لسنة الربح, بل تصدق المؤنة على الاعيان التي يحتاجها للانتفاع بها مع بقاء اعيانها كالفرش والظروف[1] والمسكن والاثاث وامثالها, وان كان بالدقة ان المؤنة تصدق على الانتفاع بتلك الاعيان وليست المؤنة نفس الاعيان, الاّ ان العرف لا يفكك بين المؤنة المستفادة منها لإعاشة مباشرة كالأكل والشرب والمؤنة المستفادة من منافع الاعيان «لا نفس الاعيان».

اذن يجوز شراء البيت اذا كان مؤنة له وان كان بالدقّة تصدق المؤنة على الانتفاع بالبيت, وكذا الامر في الاثاث, فيستثنى من أرباح السنة, ولا تستثنى منفعتها لمدّة سنة فقط, بل هذه الاعيان التي يحتاجها الانسان في معيشته ولو بالانتفاع منها مع بقاء عينها تستخرج من الارباح فلا يتعلّق بها خمس لا في هذه السنة وهي سنة الربح ولا بعد سنة الربح «سواء صدق عليها مؤنة السنة الثانية أو لم يصدق[2] . بأن خرجت عن كونها مؤنة للسنة الثانية» وذلك: لأنّ هذه العين صدق عليها انها مؤنة سنة الربح, وقد استثنيت من الارباح ومن الخمس, وحينئذٍ حتى اذا بقيت مؤنة للسنين الباقية فايضاً تُستثنى من الربح ومن الخمس.

ولكن اذا استغني عن هذه الاعيان كالظروف التي للغذاء «لوجود ظروف احسن منها للمؤنة وقد أُشتريت وتركت الظروف الاولى» أو كالسيارة التي كانت لحاجة العائلة اذا استغني عنها لشراء سيارة احسن منها واكبر واجود تحتاجها العائلة وتُركت السيارة الأولى, فهل تخضع تلك الاعيان «التي خرجت عن الخمس» للخمس لأنها لم تعدّ مؤنة للسنة الثانية أو الثالثة وما بعدها؟

الجواب:

1ـ بعد ان خرجت تلك الاعيان عن الربح والخمس وعدّت مؤنة لسنة الربح, ولا خمس الاّ بعد اخراج المؤن, فحينئذٍ بقاء هذه الاعيان بعد السنة وعدم الحاجة اليها لا مدخل له في الاستثناء من الربح السابق ومن الخمس, فليكن في السنة الثانية والثالثة لا حاجة الى تلك الاعيان الاّ ان هذا لا مدخل له في صدق الإستثناء وخروجها عن الخمس بعد صدق المؤنة عليها للسنة الاولى وهي سنة الربح صدقاً حقيقياً, فتبقى تلك الاعيان لا خمس فيها.

2ـ نحن نعلم ان موضوع الخمس هو الفائدة والغنيمة, وظاهره انه يجب الخمس في كل ما يصدق عليه انه فائدة

وغنيمة, وحينئذٍ اذا حصلت الفائدة والغنيمة واستثني منها ماعدّ مؤنة من الاعيان فقد خرجت عن الغنيمة والفائدة التي يجب فيها الخمس, وبعد تمام السنة وعدم الاحتياج الى تلك الاعيان, فهي وان صدق عليها عنوان المال الاّ انه لم يصدق عليها عنوان الفائدة والغنيمة, لأنّ عنوان الفائدة والغنيمة هو امر حادث يصدق مرّة واحدة في كل ربح.

ثم لو لم تخرج تلك السلعة التي اشتريت لمؤنة السنة الأُولى من الاحتياج, فهي تعدّ مؤنة للسنة الثانية فايضاً لا خمس فيها, لأنه مؤنة.

وعلى هذا فان حليّ النساء الذي صدق عليها انها مؤنة اذا اشترتها المرأة في سنّ شبابها وخرجت عن الحاجة عند كبرها, فالحليّ وان كان يصدق عليه انه مال في سن الكبر الاّ انه لا يصدق عليه فائدة جديدة ليتعلّق بها الخمس, وهكذا بقيّة الأعيان التي تشترى كمؤونة لسنة الربح اذا خرجت عن الحاجة في السنين اللاحقة.

اقول: ان هذا الفرع هنا يُؤكدّ ما سبق منّا من عدم الخمس في رأس المال اذا كان ربحاً وجعل رأس مال له يتعيّش به ومن منفعته كالبيت والسيارة التي جعلت مؤنة مع الحاجة تكون لمنافعهما, فان رأس المال الذي يتعيّش به المكلّف «اي يتعيش من منافعه» كالسيارة والأثاث الذي يتعيّش بها الانسان بواسطة الإنتفاع من منافعها فاذا فرضنا ان رأس المال الذي هو بقدر مؤنة السنة بالشرطين المتقدّمين اذا كان الانسان يحتاجه لتعيشه فهو يعدّ مؤنة عرفاً للسنة التي جعلها رأس مال له, فان كانت السنة الثانية أيضاً يحتاج الى هذا رأس المال ليتعيّش به, فهو مؤنة ايضاً وبلا إشكال.

وحتى اذا لم يحتج اليه في السنين اللاحقة «لأنه قد توظّف في الحكومة وأخذ يتعيّش من راتبه الشهري» فهو أيضاً لا خمس فيه لأنه صدق عليه عرفاً انه مؤنة, فاذا لم يحتج اليه في السنين اللاحقة فهو مال حقيقة الاّ انه لم يصدق عليه انه فائدة وربح جديد ليخضع للخمس.

 


[1] اقول: كلمة (ظروف) ليست عربية، بل هي فارسية وعربيتها هي اواني فيشمل أواني الأكل والطبخ والماء. كما تقدم من المصنف كلمة اسباب فقد عدّها من المؤنة وهي فارسية ايضاً اذ تعريبها أثاث البيت، وان (اسباب) جمع سبب والسبب هو المعدّ، فالأسباب هي المعدّات أو الطرقات كما قال تعالى: « اسباب السماوات» اي طرقها حيث يكون الطريق هو سبب الوصول الى السماوات. من الاستاذ حفظه الله.
[2] هذه المسألة سوف يتعرض لها في مسالة (67) حيث يذكر ان الاعيان التي استفيد منها في سنة اقتنائها هل عليها خمس اذا بقيت في السنة الثانية؟ وفي هذه المسألة اختار عدم الخمس كما سياتي ذلك. من الاستاذ حفظه الله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo